لماذا تفتن الجماهير بالأحزاب الإسلامية؟!

في الحديث الدائر عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية - التركية، لن أتطرق إلى رأيي في عودة هذه العلاقات ولا إلى الخاسر والرابح منها بل سأخصص الحديث هنا إلى توالي خيبات الأمل وذهول القاعدة الجماهيرية لمنظري الإسلام السياسي.. لماذا؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/06 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/06 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش

لا تلبث القواعد الجماهيرية للأحزاب الإسلامية أن تخال أحلاماً ورديةً حول مستقبل أزماتها المتتالية وانفراجاتها المُدَّعاة التي عادة ما ترتبط بدول إقليمية حتى تتغير سريعاً إلى حالة من المفاجأة والذهول، حتى الآن لا يستطيع أنصار تلك الأحزاب التمييز بشكل مطلق حول مَن يصادقها ومَن يقتسمها العداء، لا تعرف الجماهير حتى الآن شكل الحالة التي يجب أن تكون عليها أمام العديد من الأطراف، هل نحن أصدقاء لهم، أعداء أم حلفاء؟ هل فعلاً هم بإمكانهم تضميننا في أي حل قد يلوح؟ أم أنّنا ورقة يلوّحون بها في الخطابات وتذوب في المفاوضات؟
في الحديث الدائر عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية – التركية، لن أتطرق إلى رأيي في عودة هذه العلاقات ولا إلى الخاسر والرابح منها بل سأخصص الحديث هنا إلى توالي خيبات الأمل وذهول القاعدة الجماهيرية لمنظري الإسلام السياسي.. لماذا؟

1- ما زال منظري الإسلام السياسي ينظرون للعملية السياسية من خلال مفاهيم الحق والباطل وهي مفاهيم مغرقة في البساطة ولا تتسع لاحتواء كل ما يحدث في عالم السياسة. المفاهيم هذه تذوب حال بداية الحديث عن المصالح، لا بد من التعامل في السياسة بأدواتها والنظر إلى أي كان بصورة القائد المخلِّص ما هو إلى جهل سياسي يمارسه محدثو سياسة. أردوغان على سبيل المثال رئيس دولة إقليمية كبيرة ومهمة تسعى للعب دور محوري في المنطقة، هناك مساحات التقاء بيننا وبينها يمكن أن نستفيد منها من خلال العمل على التقاطع معها بما يخدم قضيتنا، لكن دون أن يعني ذلك أن تركيا يمكن أن تُؤثرنا يوماً ما على مصالحها كدولة تلعب بالسياسة بما يخدم أهدافها.

2- حالة الفشل التي خلفتها تجارب منظري الإسلام السياسي تلقي بظلالها أكثر فأكثر على قواعدهم الشعبية، مما جعل تلك القواعد كالغريق الذي يتعلق بقشة للخروج من أزماته المتتابعة، حالة الفشل تلك قوبلت بشكل واضح من مستشار الرئيس التركي منذ فترة وجيزة في لقاء له على قناة الحوار، حيث أشار إلى أن بعض المنظمات الإسلامية فشلت في إدارة الديمقراطية في بلادها وتريد إفشال التجربة التركية بناء على مصالحهم، وهذا لن يحدث، وأن تركيا دولة تلعب في منظومة دولية ولا يمكنها تحقيق ما يدور في مخيلة الكثيرين.

3- حالة الولاء المطلق التي يتبنّاها الإسلاميون للجهات التي تقاطعهم في مصالحهم غير مجدية على المستوى الاستراتيجي ولا حتى التكتيكي في ظلّ الواقع السياسي المتقلب الذي تحياه المنطقة، حيث لا يجرؤ منظِّرو تلك الأحزاب على تأويل أحاديث أو أفعال قيادات سياسية مثل أردوغان إلّا وفق تصورات وردية لا تحمل إلّا كل خير ومنفعة لهم، هم يعتقدون أن شخصيات كمثل أردوغان فوق أي نقد على قاعدة العصمة السياسية للرجل من خلال خطابه الموجه لهم -إذا اعتبرنا أن لتركيا عدة خطابات كل منها يخاطب طرفاً من الأطراف التي تلامسها- ليس من التناقض في شيء أن تمدح ما يستحق المدح، وتنتقد ما يستحق الانتقاد، الأمر طبيعي جدّاً، بل هو التوازن المحض الذي ربما فقدناه نحن كفلسطينيين؛ حيث لم نتورع عن تقديم الولاءات التي تجبرنا على النظر إلى الأمور من خلال رؤى حلفائنا المفترضين وتوجهاتهم.

على ذلك لا بد من تدارك بعض النقاط المهمة حتى لا يستمر التغرير بهم على هذا النحو:

1- لا بد للجميع الفهم والتعقل أننا في حلبة مصالح، لا يوجد صديق مؤكد ولا عدو مؤكد باستثناء إسرائيل.
النسبة لنا كفلسطينيين فقط، إنّ أياً من الدول لن تتخلى عن مصالحها الاستراتيجية أو التكتيكية من أجل عيوننا أو لرفع الظلم عنّا هذا إن كانت تعتبره ظلم أصلاً، من حق تركيا تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال وفق ما تراه مناسباً وخادماً لمصالحها، ومن السذج اعتبار ذلك صدمة تلقيناها؛ إذ إنها لم تحقق تأملاتنا، كوننا فشلنا في تعريف أنفسنا وتعريف أصدقائنا وتحديد أهدافنا وسقف طموحاتنا في ضوء توازن العلاقات الدولية للأصدقاء والأعداء.

2- لا بد من الإدراك بأن القوى العالمية الكبرى تسيطر على البيئات السياسية والاقتصادية وأن التحليق المنفرد لا يفضي إلّا إلى السقوط، لذلك حتى إن أرادت تركيا لعب دور إيجابي ويخدم مصالح غيرها (الإسلاميين) مثالاً فلن يسمح لها ذلك بالشكل الذي تراه تلك الجماعات مناسباً لها؛ إذ إن المنظومة السياسية والاقتصادية الدولية أكبر من أن تعطي لتركيا فرصة إخراج أحدهم من القاع الذي وضعته فيه تلك القوى العالمية، وأمام الضغط الذي يمارس عليها لا تملك تركيا إلا التخلي عنه والتمسك بموقعها على الخريطة السياسية والاقتصادية للعالم.

3- الديماغوجيات الملتهبة ونظريّات النصر المحتوم التي يبشّر بها الإسلاميون هي ترّهات لا يمكنها الاستمرار في ظل الواقع السياسي الحالي، حتى وإن كانت وعوداً ربانية يؤمن بها القوم، فأنت لا تستطيع أن تجبر رب العالمين أن يُحْدثَ تلك الوعود في زمنك أنت طالما أنّك لم تقم بالجزء الملقى على عاتقك والمتمثل بايجاد الأسباب للنصر الذي تنتظر والتي تقف في درة تاجها الوعي السياسي المطلوب منك للمرحلة التي تعيش.

4- قهر المحاور وضروراتها، والحياد يعني الموت البطيء، وكما هو معلوم في أي نظام إقليمي متوازن في العالم لا يحتمل أكثر من قوتين إقليميتين، في حالة الشرق الأوسط هناك خمس قوى تتدافع بشكل غير عقلاني لبسط النفوذ؛ لأنها تدرك أن النزعة الدفاعية تعتبر نهاية لها.

5- الدولة نظام مؤسساتي يعكس مصالح شعبه وله بنية سياسية وجملة عقائد يستند عليها وهي غاية في الوضوح، فهي لا تقع حتماً في دائرة التمني والأحلام الغارقة بفكرة الدولة المخلصة والدولة الحامية، والتي تزخر بها عقول أتباع تيارات الاسلام السياسي.

نخلص إلى أن مشكلة ما تقع على عاتق المسؤولين في تلك التنظيمات حول شكل التنشئة السياسية التي ألقوها في عقول مناصريهم، لا بدّ من إعادة النظر فيما تحتويه هذه التنشئة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد