تركيا في الظاهر قوية صلبة، أما في الداخل فهي مزيج من الثقافات والتناقضات قابلة للتفكك في أي هزّة أمنية كبيرة؛ ولهذا السبب دأبت الدولة التركية بمحاولة تحقيق الانسجام الاجتماعي بين المجموعات مختلفة الأعراق وصاحبة الدين الواحد، عبر الوعي الديني المشترك؛ أما هوية المواطنة فقد عمل على تحقيقها عن طريق التعليم الرسمي للدولة منذ عهد أتاتورك إلى اليوم.
الأكراد يشكلون 20% ويطمحون دائماً للانفصال وتكوين دولتهم مع أكراد العراق وسوريا بدعم إسرائيلي. والعلويون يشكلون حوالي 15% ويجدون تكاملهم الديني مع إخوانهم في سوريا ويشعرون بامتدادهم الأيديولوجي معهم منتقصين من ولائهم الوطني لتركيا.
الشرق التركي، القوقاز، يتمتع بتعدد عرقي ديني لغوي يهدد في أي لحظة الأمن والاستقرار وهذا ما حصل في أزمة كاراباخ وانعكاسه على علاقة تركيا بأرمينيا.
الشعب التركي منقسم سياسياً بين مُطالب بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي معتبراً نفسه أوروبياً غربياً، وبين مُطالب للعودة إلى الجذور الإسلامية بالتكامل الطبيعي مع "الشرق الأوسط" الإسلامي وترك إرث الأتاتوركية.
تركيا لديها مواقع إستراتيجية لا تملكها أي دولة في العالم، تتوسط أوروبا وآسيا، وتملك مضائق تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، فجعلتها محط أنظار تاريخية قوى عظمى خاصة روسيا بعد اتفاقية "مونترو".
تركيا انضمت لحلف الناتو لحُكم وجودها الجغرافي على حدود حلف الشمال الأطلسي – وارسو، بعد أن اتخذت موقعها في المعسكر الغربي.
انضمت تركيا لحلف بغداد لصد الهجمة الشيوعية، ووقعت سلاماً مع إسرائيل بعد الحرب الباردة للحفاظ على مصالحها مع "النظام العالمي" الجديد.
تركيا لها أهمية جيوقتصادية في عملية السلام في الشرق الأوسط، خاصة في موضوع المياه. دائماً تطرح إسرائيل إمكانية سد احتياجات سوريا المائية من تركيا مقابل استمرار استخدامها للموارد المائية في مرتفعات الجولان في حال التوصل إلى اتفاقية سلام. وتلعب تركيا دور ربط جيوقتصادي لإمدادات الغاز بين إسرائيل وأوروبا من جهة، وبين روسيا وأوروبا من جهة أخرى.
تركيا تهتم دائماً في ملف الاقتصاد بينها وبين دول الجوار؛ تعمل على مواءمة بين الوقائع الجيوسياسية العسكرية، وبين الوقائع الاقتصادية السياسية. تحول تركيا لمعبر أساسي تجاري يخدمها كأداة من أدوات السياسة الخارجية التي تخفض من وتيرة العلاقات التنافر مع دول المنطقة، وذلك لتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي والتخلص من العداء المتبادل بين هذه الدول، خاصة إيران وإسرائيل وروسيا واليونان.
اليوم تستعد تركيا للتوقيع على تطبيع علاقات مع إسرائيل، ومن وجهة نظري فلذلك أسباب عدة:
1- الضغط الروسي عليها بعد إسقاطها الطائرة الروسية الحربية.
2- طموح الأكراد ببناء دولتهم والشروع بشن هجمات في العمق التركي.
3- الوجود الروسي في سوريا مما يشكل تهديداً إستراتيجياً عليها.
4- إمكانية وصول ترامب الجمهوري المتطرف لرئاسة الولايات المتحدة.
5- صعود اليمين في أوروبا مما يضع حد لدخولها إلى الاتحاد الأوروبي.
6- ملف اقتصادي يتعلق بالغاز وطرق إمداده إلى العمق الأوروبي عبرها.
الأسئلة المطروحة:
1- هل ستتوقف روسيا عن إزعاج تركيا تلبية لمطلب إسرائيلي؟
يبدو أن الاتصالات بين بوتين وأردوغان، ورفع العقوبات التجارية والسياحية المفروضة على تركيا من روسيا هي أولى الخطوات.
2- هل سيوقف الأكراد نشاطهم العسكري وطموحهم بالانفصال؟ ويستكملون التفاوض مع الحكومة التركية؟
المعلوم أن إسرائيل هي أكثر دولة داعمة لانفصال الأكراد، والأيام المقبلة كفيلة للرد على السؤال.
3- ما هو موقف إيران المحتمل؟ وهل ستلجأ إلى استفزاز إسرائيل من غزة بواسطة عناصر غير منضبطة؟ لتُفشل التطبيع بين تركيا وإسرائيل!
4- هل يستطيع اللوبي اليهودي بإمكانياته الواسعة أن يوقف الضغط على تركيا في ملف المجازر الأرمنية؟
5- هل سيتقبل الشارع الإسلامي التطبيع مع إسرائيل الذي عَهِد الرئيس أردوغان حاملاً قضايا العرب والمسلمين خاصة في ملف غزة؟
6- هل ستفك حماس ارتباطها بإيران بعد أن وجدت عوناً تركياً بفك الحصار عنها، ومن ثم لم تجد حرجاً في دعم الثورة السورية؟
الأيام المقبلة كفيلة بالرد على الأسئلة، ويبدو أن تركيا أعادت "تصفير المشاكل" مع دول الجوار كأولوية في سياستها الخارجية، ونَفَس رئيس الوزراء المستقيل أحمد داود أوغلو لا يزال في وزارة خارجية تركيا..
تركيا إن استطاعت حل تلك المشاكل يبقى لها عدوان: النظام السوري عدو نظمت العداء معه عبر حلفائه في المنطقة، إيران وروسيا. وعدو آخر لا يمكن ضبطه، تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي استطاع أن يضرب مطار أتاتورك في إسطنبول بعد أيام من إعلان الاتفاقيات مع إسرائيل وروسيا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.