لا يبشر حال سوريا على المستويين الميداني والسياسي بأي خير أو بشرى للسوريين وجيرانهم، وحتى العالم الذي بات مهجوساً بأخبار الحدث السوري وتداعياته المتشعبة على العالم؛ إذ يظهر من مجمل التطورات الميدانية داخل سوريا ومن الاتصالات الدولية الأخيرة بشأنها أن لا حلَّ سياسياً في المستقبل القريب.، فواشنطن تبدو أقرب إلى فكرة ترحيل البتّ بالحلول والخيارات إلى العام المقبل حين تدخل إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، وروسيا وإيران تريدان استمرار عمليات الخنق للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة بما يمكنهما من القول لاحقاً إنه لا مناطق سورية واسعة وذات تواصل ترابي باقية خارج سلطة نظام الأسد سوى تلك التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة، و"جبهة النصرة" من جهة ثانية (إضافة طبعاً إلى المناطق التي تسيطر عليها "وحدات الحماية" الكردية)، وهو يعني أن المطالبة برحيل الأسد لم تعد محمولة من قوى وازنة عسكرياً ومقبولة دولياً ومسيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية.
أوروبا المشغولة بملفاتها الداخلية وملف الهجرة وصعود اليمين المتطرف على وجه التحديد، لا تزال مواقفها من الأسد متأرجحة بين الحزم الفرنسي والتردد "الاتحادي"، وهي ليست في أية حال في موقع مرجِّح أو حاسم، في الوقت عينه، لم يرشح عن العواصم الإقليمية الثلاث الأكثر دعماً للمعارضة السورية وتشدداً تجاه الأسد (تركيا والسعودية وقطر) ما يدل على احتمالات تخطيها للسقف الموضوع أميركياً إن لجهة تسليح بعض فصائل المعارضة بما يسمح لها بمواجهة قوات النظام وحلفائه، أو لجهة السماح بتحريك جبهة الجنوب المجمدة منذ أواسط العام الفائت ومدها بالعتاد والتجهيز اللازمَين، أو حتى لجهة التدخل المباشر ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الشمال السوري وفرض مناطق آمنة خلال هذا التدخل بما يحمي المدنيين السوريين وقوى المعارضة من قصف النظام وروسيا.
واقع الحال أن كلاً من أنقرة والرياض والدوحة أمام خيارات محدودة إن لم تقرر بلورة سياسة "هجومية" في سوريا تحول دون نجاح موسكو وطهران في دحر قوى المعارضة وجعل الأسد بالقوة شريكاً في أي حلٍّ سياسي، وهي بالتالي مطالَبة باتخاذ مبادرات تبدأ بالضغط لوقف كل تقاتل بين فصائل المعارضة المدعومة من قِبلها (في الغوطة الشرقية مثلاً)، وتمر بدعم فرق الجيش الحر والفصائل المعارضة المقاتلة ضمن أجندة وطنية سورية، إن في الجنوب أو في الشمال، وتنتهي بتأمين غطاء سياسي (وعسكري) لهذه الفرق والألوية بما يمكِّنها من تعزيز قواها، ومنع النظام من أي تقدم جديد، وفرض نفسها طرفاً هو الأقدر على الانتشار في ريف حلب الشمالي الشرقي وفي ريف الرقة (حيث تنظيم الدولة) التي يُرجح أن تُستهدف بعمليات عسكرية متصاعدة.
على المعارضة السورية بجسمها الأوسع تمثيلاً، أي الهيئة العليا للمفاوضات، وببعض أجسامها الأُخرى، أن تعتمد خطاباً سياسياً مقروناً بحملة إعلامية وتقديم دراسات قانونية ثمة الكثير من الكفاءات السورية القادرة على وضعها، قوام هذا الخطاب ربطُ الاستعداد للمصالحة الوطنية وتحويل الإجماع الوطني السوري التأسيسي الجديد إلى مشروع مواجهة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" شرط رحيل الأسد.
في فبراير/ شباط، قرَّر الروس والأميركيون في ميونيخ الإعلان عن دخول وقف النار حيز التنفيذ بناءً على مرجعية القرار الأممي 2254 وما سبقه من قرارات، مُستثنين مناطق انتشار "تنظيم الدولة الإسلامية" و"النصرة"، ما أتاح تراجع القصف والاشتباكات عودةَ التظاهرات المطالِبة بالحرية وبإسقاط الأسد. وظهر جلياً خلال الأشهر الثلاثة التالية أن مسؤولي النظام ومن خلفهم المسؤولون في موسكو وطهران يراهنون على مبدأ التشدد في جميع الملفات السياسية والمُصنَّفة "إنسانية" عشية كل تفاوض أو تواصل، ثم يعمدون إلى إظهار "حسن نوايا" إنسانية عبر السماح للأمم المتحدة بتمرير قافلة مساعدات إلى واحدة من المناطق التي يحاصرون.
في شهر مايو/أيار 2016، بدا أن الانسداد السياسي يحول دون دعوةٍ أممية جديدة للتفاوض، كما أن الاتصالات الروسية – الأميركية لم تُفضِ إلى أكثر من تعويم لوقف إطلاق النار، وتأجيلٍ لانهياره التام بعد المجازر التي وقعت في حلب وداريا والعديد من بلدات محافظات حلب وإدلب وحماة وحمص، وبعد أكثر من تطور عسكري واشتباكات في أرجاء البلاد.
يدرك الجميع أن الحل في سوريا كان ولا يزال عسكرياً مهما بلغت محاولات تجميله السياسي والإعلامي، وفشل المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بتحديد موعد جديد للجولة الجديدة من المفاوضات السورية ما هو إلا رضوخ دولي وأممي لواقع أن الانسداد السياسي يدفع بالضرورة إلى جميع الأطراف إلى الميدان، فمن يمكنه فرض قوته على الأرض.. يمكنه فعل ذلك على طاولة المفاوضات، وهو ما على المعارضة السورية أن تدركه وتعمل لأجله بشتى السبل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.