ما هي الصيغة التي يمكن أن نصل بها إلى عقل القارئ العربي؟ وبأي اتجاه يمكن معه أن نحاوره، وأن نطلق بعض الأعيرة النارية، حتى يمكنه أن يلتفتُ إلينا، ونحن نخوض هذه التجربة، من خلال طرح العديد من التساؤلات، التي ندرك تماماً ما مدى عفويتها من جهة، وآلية عملها من جهة أخرى؟ وهل يمكن لها أن تُحقق تطلعات مرؤوسنا العربي، وآماله وتطلعاته، في زمن أصبح المرء منا يستسهل في ظل آلية النشر السريعة قول ما يريد، بعيداً عن عين الرقيب، باستثناء مراقبة الضمير.
وبصورةٍ خاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعية، والحرية التي تتيحها للمواطن العربي وغيره، وحتى للطفل، بأن يبدي رأياً، وما يدور في ذهنه، وبكل عفوية، حتى يتمكّن من الوصول، وبرغبته، إلى الجهة التي يريد، والمسؤول الذي هو في موقع القرار.
وليس من السهولة بمكان أن نقيّد ذاتنا، وأن نحبس أنفاسنا، وندير ظهورنا عمّا يدور من حولنا، والحصيلة من كل ذلك هي: ما مبرر تنكيل "الدواعش" بالمسلمين على وجه التحقيق؟!
يتساءَل جابر، وهو الخليجي الأصل، الذي التقيت به في أحد المطاعم النمساوية، هنا في فيينا، بعد أن تعرّفنا على بعضنا البعض، وهو الطالب المقيم في جامعاتها، ويدرس علم الإدارة والاقتصاد، يتساءَل عن ماهية الأحداث، التي تستهدف الوطن العربي من محيطه إلى خليجه؟ والى متى ستتوقف كرة اللهب التي، وكما يبدو لها، ستظل تتدحرج، وتأكل الأخضر واليابس، ولم تعد بإمكانها أن تتوقف عن التدحرّج؛ لأنّها صارت تضرب وبقوّة، وطالما خلّفت وراءها الدمار والخراب والقتل والحرمان والتشرّد والفقر؟!
هكذا أصبح حالنا، وأن هذه الكرة وحدها تواجه هذا الطوفان من المسائل التي تضاربت الرؤية، والتحاليل حول ما أثاره الربيع العربي، والشر المستطير الذي حلَّ بالأمة العربية.
وقال: صحيح أنَّ هناك مَن هم على قدر كبير من القوّة والإمكانية، ولديهم أدوات التسلّح القادرة على صد أي تدخل داخلي أو حتى خارجي، واعترافهم بالأحداث، إلاّ أنهم لن يخلصوا من هذا الشر الذي دقّ أطنابه في كل مكان.
وبعد أن هدأت سريرته، تلفّظ مبرراً الأحداث ومجرياتها، على أنّها صارت تشكّل عوامل ثقل كبيرة، وأنه يلزمها وقفة صريحة مع الذات، مع هؤلاء الذين كانت لهم اليد الطولى في إثارتها، ولم يكن بالإمكان بعد أن يطفئا نارها تخوّفاً من أن تلحق بهم الضرر، وهذا ما يمكن أن يكون.
واشتد غضبه، متمّماً حديثه: الكثير من الحالات شابها العديد من الاحتمالات، وهذه الاحتمالات آخرها ما أصبح بحاجة إلى النظر إلى الحل الذي يوقف معه هذه المشكلة التي، وكما يبدو، طالت، وستطول، والخاسر فيها المواطن العربي، الذي تحمّل تبعاتها جرّاء نشوب هذه الأحداث الضاربة في العمق.
نعم، تحمّل ويلاتها، وخسر الكثير جرّاء نشوبها.
خسر واقع حياة، وخسر الحياة ذاتها، والعمل، وفقد الحرية، وتاه.. وحتى معاشرة الناس صارت في طي الكتمان، ولم يعد بمقدوره أن يعود إلى الوراء، بل تراه يتحسّر ألماً، وبشدّة على كل ما فاته من أيام، أيام جميلة، ونادرة بأحداثها، وكان يعيشها بشوق ورغبة، أما اليوم فإنّه يصعب عليه الاختيار، وظل مرغماً على الامتثال لرؤية من هم أدناه مرتبةً، وعلماً وخبرة ومعرفة.
ويشير جابر: لقد تحوّلت أحوال هؤلاء الشرذّمة، الذين غيّر الزمن من ملامحهم، ونظراتهم، وجاءوا يحاولون تطبيق مزاعم دينية، وإلغاء كل ما هو جميل، وسار في نظر أبنائنا، وهم وحدهم العارفون بالحياة الدنيا، ولا غير سواهم!
وتطبيقهم للكثير من الحالات، التي لم تكن في عرف أهل الوطن الأم من ملجأ إلاّ هم، وصاروا اليوم يقرّون مبادئ، ما أنزل الله بها من سلطان، ويطبّقون في بعض المدن التي حولوها إلى ولايات تتبع لهذه الجهة أو تلك، حوّلوها، وتحت مسمّيات مختلفة، وغيروا الكثير من أسمائها، وارتبطت بشعارات، لم ترق لأحد، واتخذوا قرارات لم يسبق للمواطن العربي أن سمع بها، أو قرأ عنها، وإنما مجرد سن قرارات تعجيزية، الغرض منها، هو أن يكون لهذه المجموعات رأيها، ويجب تطبيقه، وإن كان يثير في المجتمع آراء تختلف عن هذا الرأي أو ذاك، والذي لا يمكن بحال، يروق حتى للإنسان الساذج، فكيف يمكن أن يأخذ به، ذاك المتعلم، وغيره من عامّة الناس، لا سيما أن مجمل القرارات التي اتخذت تعد تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للشخص، وهذا ما أثار حفيظة الناس جميعاً.
ويلفت الأخ الخليجي بقوله: ما كان، وما سيكون، فيه إجحاف بحق المواطن العربي، الذي ما زال يعاني مزيداً من الفقر، والفاقة، والحرمان، فكيف يمكن أن نقنعه بكل ما يجري في هذا العالم الفاني، ما دام أنه ظل يعاني من كثير من الأشياء، وهو في فقر مدقع!
وبدلاً من أن نخفّف عنه عبء الحياة، ومتطلباتها، ونؤمّن له جزءاً من احتياجاته المتواضعة، ومطالبه، وأوّلها ضرورة توافر الماء والكهرباء، وهذه من الأشياء البسيطة جداً، قياساً بالتطور المتلاحق الذي يشهده العالم اليوم، فكيف يمكنهم أن يحققوا ما يتخذونه من قرارات ساخنة، فيها الكثير من الجهل وقلة الحيلة، بحق المواطن العربي البسيط، ما دام أنهم يعيشون في هذا الكوكب الآخر، وكل ما فيه من ريبة، وخوف، وجهل، وحرمان من أبسط مقوّمات العيش، بل إنهم يريدون أن يعيدوا هذا الكون، وكما يبدو لهم، إلى بوابات الجهل، والخرافات، وأن يفرضوا عليه أساليب واجتهادات خاصة فيها الكثير من القهر، والتسلّط، ما جعله يقفز فوق كل القرارات، ويخرج على كل الأعراف ممتعضاً مما هو فيه، ومتسائلاً عن فحوى ما يجري، وهل ما يحدث يتعلق بأي ديانة وأخلاق سمحة يريد هؤلاء مدعو الإسلام ومنهجه أنهم يسيرون على الطريق السليم، وأقصد بهؤلاء منتسبي الدولة الإسلامية "الدواعش"، الذين مكروا كثيراً وضلوا بذريعة الدين والتمسّك بأصوله، وهو منهم براء، على الرغم من أننا كمسلمين، كنا وما زلنا نعرف أصول وأسس ديننا الحنيف، ولسنا بحاجة أو منَّة من أحد أن يرفدنا بتعاليمه السمحة التي ولدت فينا، وانغرست في وجداننا وفي قلوبنا، بل تراهم ينكّلون بالمسلمين ويقتلونهم ويقسون عليهم بذرائع مختلفة دون أي ذنب اقترفوه، وإنما لمجرد تطبيق تعاليم وخزعبلات خاصة بهم!
والسؤال: لماذا لم يحقّقوا مطامعهم، ويفرضوا تواجدهم في إيران، أو في أوروبا، وغيرها؟ ولماذا اقتصرت على سوريا والعراق، بصورة رئيسة، وتدميرها وتخريبها بعد قتل أهلها وسلب أموالهم، بحيث لم يعد لها قائمة؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.