حديثنا في هذا المقال عن فن ينتمي لأدب المقاومة، أدب أعتقد أن الإنسان القابع بين أنياب المعاناة والطغيان في أمس الحاجة إليه، بل لا يحتاج إلا إليه لما يحملُ بين ثناياه من قوة قادرة على أن تحدث التغيير المتغنى به.
نتحدث عن عمل أدبي مزدوج الجمهور حيث إنه يُخاطب اليافعين، وكذا من يليهم، العمل قصة قصيرة، تُقارب الألف وخمسمائة كلمة، صدرت عن مؤسسة نقطة بوك للنشر والتوزيع في أبريل من هذه السنة 2024م، وسبب صدورها أن طَرحت محافظة نقطة للإبداع الفني مسابقة عن القضية الأم قضية فلسطين، في لحظة كانت غزة بالتحديد تئن من ويلات وجرائم الكيان الغاصب الزائل فالتزامًا وإيمانًا من مشرفي الدار بالقضية طرحت الدار مسابقة دعمًا ومساندةً للقضية، فأقبلت عليها عديد الإبداعات، والأقلام الحرة من مختلف محافظات الجزائر، والدول العربية، بإيمان منقطع بعدالة وسماوية القضية شاركنا بقصتنا كرامة، فحالفها الحظ فلان التتويج بأن صدرت القصة ضمن كتاب جامع تحت عنوان: "طوفان الأقصى حتى لا ننسى"، بالإضافة إلى شهادة تكريم من الدار.
القصة بعنوان كرامة هذا الأخير "العنوان" اختير بعناية شديدة، ورسالة قصدية فكرامة اسم لبطلة القصة فتاة في ربيعها الثاني عشر اسمها وكونها طفلة رمزية فالطفولة هنا ترمز بأن الكرامة فطرة صفاء، نقاء في الإنسان، يولد هذا الأخير بكرامة، ويعيش بكرامة فكيف يرضى بأن تُنتزع منه هذه الفطرة؟ كيف له أن يرضى بإهانة ما هو مؤتمن عليه؟
كرامة رسالة بأننا موتى كرامةً، في أمس الحاجة إلى الوعي بأهميتها، محوريّتها، دورها بأنها أصل ينبغي أن تشحذ الهمم من أجل ألا يمس بخدش.
نتوجع نئن ولا أحد فينا يحرك ساكنًا غزة تباد بأبشع الطرق أمام أنظارنا والعالم فلا نأمة أين يوضع هذا الخنوع هذا السكوت هذا الذل والهوان الفظيع؟
وأين توضع مشاركة بعضنا "جماعة التطبيع"؟
أين يوضع هذا التفريط إزاء قبلتنا الأولى إزاء عضو من جسدنا إزاء كرامتنا؟ تجيبك قصتنا في الموضوع، تشيرُ لك بالبند العريض؛ لمسألة الكرامة لو أننا نعرف قدر الكرامة لما نام بعضنا نوم الجيّف في حين بعضنا الآخر يُكابد معنى الويلات.
القصة بالإضافة إلى شخصية كرامة تتضمن أربع شخصيات الأم والتي ترمز للأرض لفلسطين التاريخ والثقافة والجغرافيا.
سلمى: شقيقة كرامة تمثل الجانب المظلم فينا جانب الكسل والانبطاح مع الاستسلام فئة من الناس تخفي خورها وكسلها وذنبها تحت أغطية واهية كأن تنتظر أمارات من السماء؛ لتتحرك فشخصيتنا لكي تدافع عن كرامتها تنتظر صيحة تخرج من بين حجارة جبل المعجزات حال الكسالى أيّة شمعة ليعلقوا عليها ما بهم من خمول، وعورات ثم تأتي شخصية أبدون.
أبدون: تمثل الشر المطلق، ترمز للكيان الغاصب، التعدي الجشع، الظلم. الشر قد تكوّر ثم اجتمع بها، ومن خلف هذا الشر والدها الذي يرمز لأمريكا وأشباهها كل الدول الداعمة لهذا الشتات الجهنّمي.
تقول أبدون بهذا الصدد: "لن أخرج … حتى بالقوة لا تستطيعين إخراجي أبي وإخوتي معي. من معك أنت؟
أين هو والدك؟ "
كرامة بطلة القصة معاناتها خاصة من ضمنها أنها لا تعرف للأب سبيل فأثناء أحداث القصة تُفاجأ بمفردة الأب، لأول مرة تسمع مفردة أب، فيثير ذلك سؤالها لتواجه به والدتها التي تقف عاجزة عن إيجاد إجابة مقنعة لسؤالها فتقرر الصمت. فقدان الأب هنا رمزية لفقدان الظهر، السند لخذلان باقي جسد الأمة لهذا العضو اللين العصي على الكسر مهما بلغت قوة المتربص.
تدخل بطلتنا كرامة في عراك كلامي مع أبدون التي تمثل الشر فتسيح العراك إلى أن تُقدم أبدون بقصد على كسر جرة خزف كانت موضوعة بينهما بقلب البيت. هذه الجرة التي تعني لكرامة الكثير رمتها أبدون بقصد التحطيم ثم قالت: إن فعلتي هذه تعني أن أجمل وأثمن حكاية حكتها لك والدتك أصبحت في خبر كان… اختفى الملموس انقطع الدال عن المدلول". الجرة ترمز للمسجد الأقصى، فاختفاء الملموس تحطيم المسجد الأقصى يعني انقطاع الدال عن المدلول، يعني وقوف القصة على قدم واحدة، بقائها في الشق المعنوي بينما الشق المادي أصبح خبر كان وهذا الأمر قطعًا ليس بالصحي على كل المستويات. وأثناء ذلك تتدخل الأم قائلةً: "أما عن الجرّة التي قد انكسرت فسأرمّمها أنا لا تُشغل بالكِ للحظة فهي أنا، وأنا جسم والأجسام بالقدرة الخلاقة ترى تعدل تصمم، تقبع تحت السيطرة. المعاني هي وحدها كالطير نترنّم بتغريده ونتهلل برؤيته، لكنه يبقى في العلياء يَسبح لا يُمسك أبدا…."
الطفولة في قصتنا ترمز للصفاء، للنقاء، تخبرنا بأن الكرامة قبل أي شيء إنما هي فطرة. بولادة الإنسان تولد الكرامة والعزة والنخوة، والواجب المفروض المحافظة عليها بكل السبل، وفي نهاية القصة بعد أن وصلت أبدون إلى أعلى درجات التطفل والإجرام تُشمِّر كرامة عن ساعدها لترديها قتيلة لتتخلص من شرها المطلق وتخلص العالم منه. وللقتل في قصتنا رمزية، فهو يرمز للمقاومة، لضرورة المقاومة، رسالة بأن المقاومة هي من ترجع الحق لأصحابه، هي بكل صنوفها وحسب، كما أنها حق طبيعي وأصيل لكل من وقع تحت نيران الظلم والجبروت. تخبرنا فلسفة القصة بأن قصص وعبر التاريخ تخبر بأحادية حارس الكرامة ألا وهو فعل المقاومة، وبأن الأرض المقدسة لن تنعم بالحرية والعدل، والكرامة إلى غاية تلبس عقل إنسانها بفقه المقاومة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.