مع انطلاق أولمبياد باريس 2024، انتعشت آمال المصريين في تحقيق إنجازات تاريخية، حيث شهدت مصر أكبر بعثة لها على الإطلاق في تاريخ مشاركتها في الدورات الأولمبية، بمشاركة 164 لاعبًا يمثلون 22 رياضة، منهم 148 لاعبًا أساسيًا و16 لاعبًا احتياطيًا. ومع ذلك، سرعان ما تحولت تلك الآمال إلى خيبة أمل بعد سلسلة من النتائج السلبية، وخروج اللاعبين الواحد تلو الآخر دون تحقيق طموحات الشعب الذي يطوق إلى لحظات من الفرحة.
في باريس، لم تقتصر المشكلات على الخروج المبكر لبعض اللاعبين فحسب، إذ كانت القصص المحبطة والفضائح حاضرة، والتي كان من ضمنها، قصة اللاعب مصطفى الجمل، الذي خرج من المنافسة في مسابقة الإطاحة بالمطرقة مبكرًا. بعد ذلك، لجأ مصطفى حينها إلى صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ليعبر عن إحباطه من التعليقات الساخرة التي طالته، مشيرًا إلى أنه شارك في الأولمبياد "بدون مدرب منذ نوفمبر 2023″، وأنه تأهل بالجهد الشخصي وليس عبر دعوة خاصة أو "كوتة"، حيث كان ترتيبه 15 من بين 32 لاعبًا على مستوى العالم. وأوضح مصطفى أن الدعم الذي تلقاه كان محدودًا لدرجة أنه "يكفي فقط لتحقيق بطولة جمهورية".
لكن القصة لم تتوقف هنا، حيث ظهر رئيس اتحاد ألعاب القوى، الدكتور سيف الله شاهين، على برنامج "القاهرة باريس" عبر قناة On Time Sports، ليرد على تصريحات مصطفى. أكد شاهين أنه كان قد وفر لمصطفى مدربًا، لكنه رفض المدرب وفضل الاستمرار مع مدربه الخاص. وأضاف أنه قد تم إعداد مصطفى في معسكرات تدريبية في فرنسا وجنوب أفريقيا قبل بطولة العالم في بودابست، ولكن النتائج ظلت كما هي.
وأوضح شاهين أن مصطفى تأهل للأولمبياد عن طريق الترتيب العالمي، وأن السياسة في الاتحاد هي السماح لكل من يتأهل بالمشاركة، لكن دون توقعات بتحقيق ميدالية أو حتى الوصول إلى الأدوار النهائية. وذكر أيضًا أن مصطفى يعاني من إصابة مزمنة في الركبة منذ سنوات، وأنه رغم كل المحاولات لعلاجها، لم يتمكن من تجاوز تلك المشكلة.
اختتم شاهين تصريحاته بالتأكيد على أن مصطفى، الذي يبلغ من العمر 36 عامًا، لم يعد بإمكانه تحقيق ميدالية أو التأهل للأدوار النهائية، مشيرًا إلى أن المشكلة تكمن لدى اللاعب نفسه، وليس في دعم الاتحاد. وأكد أن الاتحاد قد قام بواجبه تجاه اللاعب، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال.
لم تكن حالة مصطفى الجمل هي الأولى من نوعها في أولمبياد باريس، فقد سبقتها حالات أخرى، منها حالة اللاعبة يمنى عياد، لاعبة منتخب مصر للملاكمة، التي تم استبعادها من منافسات الأولمبياد بسبب زيادة وزنها 700 جرام قبل مباراتها أمام منافستها الأوزبكية. فلم تُقم المباراة لعدم اجتياز يمنى عياد الوزن المحدد، حيث تجاوزت الوزن المحدد، وهو 54 كغ، بفارق 700 جرام.
ليخرج عبد العزيز غنيم، نائب رئيس البعثة المصرية ورئيس الاتحاد المصري للملاكمة، لتبرير هذه الواقعة، بتصريحاته عبر برنامج "القاهرة باريس" على قناة On Time Sports، حيث ذكر: "أن اللاعبة أثناء النوم حدث لها بعض التغيرات الفسيولوجية، وأنها ارتبكت وقامت بشرب بعض الماء، حيث فوجئت البعثة صباحاً بأنها زادت 700 جرام. ونحن لا يمكننا أن نضحي باللاعبة، وإذا كان هناك أي شخص قد أخطأ، لن نتركه."
هنا يأتي السؤال: إذا كان من المقرر أن تشارك اللاعبة في فئة وزن 54 كغ، فهل المفروض أن يكون وزنها بالضبط 54 كغ، أم أقل؟! وهذا يأتي بنا لسؤال التالي، من يجب أن يسأل عن خروجها وعن المصاريف التي صرفت على تأهيلها وتجهيزها للأولمبياد؟
أما الحالة الثالثة، فهي للاعب المصارعة محمد إبراهيم كيشو، حيث قامت الشرطة الفرنسية بالقبض عليه بتهمة التحرش الجنسي. كيشو هو صاحب برونزية طوكيو، وقد خسر في دور الـ16 أمام بطل أذربيجان 8-0 في أولمبياد باريس 2024. ولم ينتهِ الأمر عند هذه الحالة فقط، بل كانت هناك الكثير من القصص التي لاحقت البعثة المصرية.
إن الحوادث التي شهدتها البعثة المصرية خلال أولمبياد باريس والتي أدت إلى نتائج مخيبة للآمال، هي قضية تستدعي تحقيقًا عميقًا لفهم الأسباب التي أدت إلى هذه الفضائح والنتائج السلبية. فمن الضروري تحديد المسؤولين عن هذه الإخفاقات وتقييم مدى كفاءتهم في أداء مهامهم. فالأطراف المعنية، بما في ذلك وزارة الشباب والرياضة، اللجنة الأولمبية المصرية، والاتحادات الرياضية، يجب أن توضح مدى التزامها بمسئوليتها لتوفير الموارد والإمكانيات اللازمة، التأهيل الجيد، والكوادر التدريبية التي تمكن الرياضيين من تحقيق الإنجازات.
فعلى سبيل المثال، تقع على عاتق وزارة الشباب والرياضة مسؤولية تأمين التمويل اللازم لمعسكرات اللاعبين، بينما تتولى اللجنة الأولمبية المصرية مهمة مراقبة الاتحادات لضمان تنفيذ الخطط اللازمة لتأهيل اللاعبين. من جانبها، تتحمل الاتحادات الرياضية مسؤولية توفير المدربين والمرافق المناسبة لمعسكرات اللاعبين، والتأكد من استعدادهم للمشاركة.
اولاً: وزارة الشباب والرياضة
أعلن أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، بتاريخ 26 يوليو/تموز 2024 عبر نفس البرنامج "القاهرة باريس" عن طموح عظيم قائلاً: "إننا في دراسة مبكرة ونطمح أن نحقق أكثر من 6 ميداليات في أولمبياد باريس 2024. نحن نعمل بجد للوصول إلى 8 ميداليات، وربما تصل إلى 10، ولكننا نأمل أن نتجاوز الرقم 6." كانت هذه التصريحات تعكس الأمل والتفاؤل الذي يسود وزارة الشباب والرياضة، وهي تعبر عن الأهداف الطموحة التي تتطلع إلى تحقيقها في البطولة العالمية.
لكن يبدو أن الواقع كان يحمل تحديات أكبر من المتوقع. فبعد الهزيمة القاسية للمنتخب المصري لكرة القدم أمام منتخب المغرب، تسببت النتيجة في تصاعد الانتقادات والقلق. وفي خطوة سريعة، خرج الوزير أشرف صبحي ليعلن عبر وسائل الإعلام أن "كل الاتحادات ستحاسب عقب نهاية أولمبياد باريس 2024 على النتائج التي حققتها. لقد قدمت الدولة الدعم المالي والفني للاتحادات على مدار 3 سنوات، وأي إخفاق سيترتب عليه محاسبة. سنقوم بمراجعة دقيقة لأوجه صرف المبالغ المالية المخصصة لإعداد اللاعبين، وسيتم إعداد تقارير شاملة عن جميع الألعاب التي شاركت في الأولمبياد."
وبينما تتسارع الأحداث، تتجلى الأدوار الحقيقية لوزارة الشباب والرياضة، والتي وفقًا لبيانها الصادر في 8 مايو/أيار 2024، تتضمن تقديم دعم مادي ورعاية متكاملة للرياضيين. تقدم الوزارة هذا الدعم عبر مسارات متعددة تشمل الدعم المالي المباشر، ومبادرات الرعايات الخاصة، واستضافة البطولات، وتطوير البنية الرياضية العالمية.
فوفقًا للبيان، فإن النظام الشامل الذي وضعته الوزارة يشمل دعمًا ماليًا وفنيًا وإداريًا مباشرًا للاتحادات، بالإضافة إلى مبادرة الرعايات الخاصة التي تهدف إلى تعزيز دعم الأبطال عبر الشركات والمؤسسات الوطنية. كما يلعب مسار استضافة البطولات دورًا حيويًا في تمكين الرياضيين من الاحتكاك بأبطال العالم، فيما تركز جهود تطوير البنية الرياضية على توفير ملاعب وصالات بمواصفات عالمية و أولمبية.
إلى جانب ذلك، تولي الوزارة اهتمامًا كبيرًا بتنسيق إجراءات الرعاية الصحية والتعليمية والمنح الدراسية ومتطلبات السفر، مما يعكس التزامها بتوفير كافة الاحتياجات الضرورية للرياضيين.
وفي ظل هذا المشهد المتنوع، تظل وزارة الشباب والرياضة ملتزمة بإنجاز أهدافها، متطلعة إلى تحقيق نتائج أفضل في المستقبل، ومعالجة التحديات التي تواجهها الرياضة المصرية .
ثانياً: اللجنة الأولمبية المصرية
رسمت اللجنة الأولمبية المصرية لنفسها دورًا في تطوير الرياضة المصرية، وهذا الدور يتمحور حول عدة بنود على موقعها الرسمي. من بين هذه البنود: تنمية، نشر، وحماية الحركة الأولمبية في مصر بالتوافق مع الميثاق الأولمبي؛ نشر المبادئ الأساسية وقيم الفكر الأولمبي في مصر وضمان الالتزام بالميثاق الأولمبي؛ تشجيع تطوير رياضة المحترفين والرياضة للجميع؛ والمساعدة في تدريب الإداريين الرياضيين عن طريق تنظيم دورات تدريبية، وضمان أن تسهم هذه الدورات في نشر المبادئ الأساسية للفكر الأولمبي. كما تشمل مهامها اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي شكل من أشكال التفرقة العنصرية والعنف في المجال الرياضي، تبني وتطبيق القانون الدولي لمكافحة المنشطات، وأخيرًا تشجيع ودعم الإجراءات ذات الصلة بالرعاية الطبية والصحية للاعبين.
كل هذا جيد، ولكن في الحقيقة اللجنة الأولمبية لها دور مهم أخر بعيد عن الدور المنشور على موقعها الرسمي، فهي الجهة المسؤولة عن إعداد اللاعبين ومشاركتهم في الدورات والبطولات الأولمبية. حيث ذكر ياسر إدريس، رئيس اللجنة الأولمبية المصرية، أنه لا تدخل للجنة الأولمبية ولا وزارة الرياضة في الأمور الفنية للاتحادات، وأن اللجنة الأولمبية وضعت خطة لإعداد أبطال وبطلات مصر لخوض دورة الألعاب الأولمبية منذ 5 سنوات.
ثالثاً: الاتحادات الرياضية
ورغم أن دور الاتحادات الرياضية محوريًا، حيث تتولى رعاية وتدريب اللاعبين، والتواصل معهم، وتوفير المعسكرات، والمدربين، والخبراء، لا يزال تحقيق الميداليات يمثل تحديًا كبيرًا. فلو قمنا بتقسيم دور الاتحادات إلى مرحلتين، يمكننا القول إن دورها قبل التأهل للأولمبياد يختلف عن دورها في الإعداد للأولمبياد نفسه.
وقد نجحت معظم الاتحادات في الجزء الأول، وهو تأهيل لاعبيها للأولمبياد، لكنها أخفقت بشكل كبير في الجزء الثاني، وهو إعدادهم للفوز بالميداليات الأولمبية، رغم الإنفاق الكبير على اللاعبين والبعثة. فقد ذكر أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، أن ما يقرب من 1.25 مليار جنيه قد أُنفق على الاتحادات الأولمبية. إذًا، أين ذهب هذا الإنفاق؟ ولماذا لم تحصد مصر سوى 3 ميداليات؟ فهل تم توجيه تلك الأموال فقط لتأهيل اللاعبين للوصول إلى الأولمبياد دون التركيز على تجهيزهم لحصد الميداليات؟!
ختاماً
في نهاية المقال، ربما أصبحنا نعرف مدى مسؤولية كل جهة من الجهات، وما الدور الذي يقع على عاتقها. ومن خلال نظرتنا إلى نتائج الأولمبياد، يحق لنا أن نتساءل: هل أدت كل جهة ما عليها أم لا؟ فهناك العديد من الأفكار والتساؤلات التي تدور في خاطري، وأهمها: أين صُرفت 1.25 مليار جنيه؟! إذ يتطلب هذا الوضع محاسبة شاملة تبدأ من وزير الشباب والرياضة، مروراً باللجنة الأولمبية، وصولاً إلى الاتحادات الرياضية والمدربين. فمن الضروري تقييم أداء كل هذه الجهات لضمان معالجة أي قصور وتحسين النتائج في المستقبل.
ومن المهم ملاحظة أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، وأن الأمر يتطلب اتخاذ عدة قرارات وسياسات تُسهم في حل المشكلة الكبيرة، والحفاظ على المواهب الوطنية، وجعلها قادرة على المنافسة والنجاح بأفضل صورة وعلى أعلى مستوى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.