للرجال الكبار في هذه الحياة مكانة وبصمة حتى بعد الممات، فهم مزيج نادر من الكفاءة والإخلاص والقيادة الفذة، ومسيرتهم مدرسة متكاملة لا تنتهي دروسها وعبرها، وكلماتهم ومواقفهم بمثابة شموع تضيء الطريق لمن سار خلفهم، ومحظوظ من اختار ذلك المسار!
من أولئك القادة الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله.. الذي أصاب القلب رحيله في الصميم ومنحني ذلك الوداع شيئاً من الدرس الذي يجب أن يحقق الاقتداء.
علمني هنية أن الشهادة حياة، وهي إعلان انتماء، وهبة ونعمة من الله، وأن هذا الجسد ليس إلا واسطة للتعامل والتفاعل مع بني الإنسان، وأن المرء الصادق تأتيه الأماني إليه كما يرغب ويختار، ولا عجب فالطريق الذي اختاره ممدود إلى الله تعالى، والأنفاس التي كانت تطلع وتنزل حتى الممات ظلت تسبّح بحمد الله.. جل وعلا.
علمني الشهيد أن النصر نتاج بناء، وجيل التمكين مدرسة وإعداد، وخوض غمار المعارك لن يكون إلا لمن صقلت إرادته، واختبرت شجاعته، ونجح في تنقية قلبه من كل الشوائب، وسمت روحه إلى مصاف الأولياء، وكان جديراً بأن يكون حفيداً لأبطال بدر وأُحُد والخندق… وينعم بظلال شجرة الرضوان، ويسير مع ركب الفاتحين إلى مكة المكرمة!
ثم أدركت في لجة الحزن المرير على حالنا أن الفقد ــ مهما كان فوز صاحبه ــ حرمان، يوجع الأحياء لا غير، ويحرمهم من وجود كان يملأ عليهم حياتهم من مشاريع وخطط وتفكير وممارسة بارعة ليس من السهولة تعويضها، وتلك سنة الله ولا راد لأمره.
والسياسة صنو السلاح، لغتها مختلفة، أدواتها مغايرة، خطابها فيه منحنيات قد لا يفهمها الكثير، فهي مستنقع عميق وسحيق، والشاطر من اجتازه دون هلاك أو لوثته أدرانها، وهي بالتالي تستلزم فكراً ثاقب ومرونة عالية ولسان فصيح بأحرف من عقل رصين، وعبور شجاع على الجراح من أجل التعافي التام والنصر المبين!.
علمني الرجل الزاهد، أن جذوة الإيمان مردها قلب نقي نالت منه الرقائق حتى بدا شفافاً وذاب، وأن وهج الروح لن يكون مشرقاً إلا بلسان ذاكرٍ للقرآن الكريم ليل نهار، واهتداءٍ بالسنة الصحيحة، واقتداءٍ بالعلماء الأعلام.
ثم إن العبرة بطول العمل وعدم فقدان الأمل، هو عمل استراتيجي لا يهتز بالمصائب ولا النوائب، قوامه صبرٌ كأنه الجبال، ومادته عمل متباين في جزئياته دون أن يوقف ذلك التنوع المسار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.