منذ نشأته، يواصل الاحتلال الإسرائيلي رسم مسارات الدمار في المنطقة، بنية محسوبة لتعزيز أمنه على حساب استقرار دول وشعوب بأكملها. فانخرط في حروب وهجمات تندرج تحت طائفة الجرائم ضد الإنسانية، حيث لم يسلم من همجيتها أحد، لا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ، تاركًا وراءه مجتمعات مكلومة. وقد ثبت أنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية والحرب من قبل أعلى المحاكم الدولية. وبدون العودة إلى التاريخ واستحضار المآسي لكي لا أطيل عليكم، فأمام العالم ومنذ أكثر من 10 أشهر، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية هي الأبشع في التاريخ الحديث في بث مباشر تحت أنظار العالم الذي يظل صامتًا، بينما تفوح رائحة جثث الشهداء في الخواء.
ولم تقتصر جرائم الاحتلال الحالية على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل تعدتها لتشمل اعتداءات على دول مجاورة وقصف سفاراتها، مرسلًا رسالة للجميع في الشرق الأوسط: يا الاحتلال أو الدمار للجميع. وهذا ليس مجازياً، فقد قال رئيس الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي أمير أوحانا، بعد الهجوم الذي شنه سلاح جو الاحتلال على مدينة الحديدة غرب اليمن، هذه "رسالة لكل الشرق الأوسط".
وفي الوقت الذي يدعي فيه العالم الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، أنه يقف سدًا منيعًا ضد مثل هذه الانتهاكات والوحشية وخصوصًا بعد أن صدع العالم بخطاباته الرنانة عن السلام والحرية وحقوق الإنسان بعد الحرب الأوكرانية الروسية، نجده يستمر في تقديم الدعم اللامحدود لإسرائيل، بل وصل الأمر إلى الاحتفاء بتوحش الاحتلال. ففي مشهد هزلي، استُقبل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتصفيق حار استمر لأكثر من 3 دقائق من قبل أعضاء الكونجرس الأمريكي المؤيدين للإبادة الجماعية. هذا التصفيق الحماسي جاء في وقت يواجه فيه نتنياهو تهمة جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، التي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه. ورغم خطابه المليء بالأكاذيب، وقف أعضاء الكونجرس بحماس مواصلين التصفيق لعرض نتنياهو.
وبينما يتوعد رئيس الكنيست الشرق الأوسط كله بالخراب، تسعى حكومة الاحتلال بعزم لجلب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لضمان أمنها، بينما تنشر الحرب في المنطقة. فقد هاجمت بلاد خمس دول في الشرق الأوسط لتشعل حربًا إقليمية شاملة. واستهدف فؤاد شكر، أحد قادة حزب الله في لبنان. واستشهد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران. وبعد كل هذه الهجمات، ظلت ردود الفعل الأولية للولايات المتحدة وبعض الدول الغربية دون تغيير. وأكدوا مرة أخرى أنهم سيواصلون دعم إسرائيل.
لا يخفى على أحد نية نتنياهو، وهي إشعال حرب إقليمية تكون فيها إيران بشكل مباشر أمام الولايات المتحدة، معلنًا أن قتاله ضد إيران يأتي أيضًا دفاعًا عن المصالح الأمريكية. رغم ذلك، وحتى اللحظة، تحاول كل من طهران وواشنطن تجنب توسيع دائرة الحرب، مع ردود فعل إيرانية كانت دائمًا محسوبة ومحدودة. ومع هذه الاغتيالات الأخيرة، يأتي التزام أكبر على إيران للرد من حيث ردعها وتأثيرها على وكلائها. وتزداد احتمالات جر المنطقة إلى حرب شاملة مع حدوث هجمات متبادلة.
إن الاحتلال الإسرائيلي بهذه الهمجية، لا يهدد أمن المنطقة فحسب، بل يهدد مستقبل النظام الدولي بأكمله، إذ يعجل ببدء حرب عالمية جديدة، وهذه ليست مبالغة، فقد قامت الحروب لأسباب ورغبات أقل من ذلك، فما بالك اليوم، والعالم كله من مشرقه إلى مغربه مهيأ للدخول في عملية فوضوية مرة أخرى.
إن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب، مع الأخذ في الاعتبار مستقبله السياسي. ويرفض السلام والتفاوض ووقف إطلاق النار. مستغلًا فترة الانتخابات في الولايات المتحدة لمواصلة هذه المجازر والهجمات دون بعض الضغوطات. بل يذهب لأكثر من ذلك، وهو إشعال الحرب وإجبار الولايات المتحدة على الدخول فيها لاستكمال سحق غزة والقضاء على إيران ومشروعها النووي.
مع ذلك، لم تتحقق الأهداف التي ينشدها الاحتلال بالرغم من الدعم المتواصل من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب. بدلًا من ذلك، تتزايد العزلة الدولية لإسرائيل، حيث تبرز مكانتها كدولة منبوذة ليس فقط في وعي الشعوب وإنما أيضًا بين الدول التي تعترف بحقوق فلسطين ومستقبلها. إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بشأن قادة الاحتلال ربما لها تأثيراتها، لكن هذا ليس كافيًا لوقف الاحتلال واستعادة حقوق الفلسطينيين وأرضهم، وردعه من جلب الخراب للمنطقة، إذ يسعى الاحتلال بكل ما أوتي إلى جلب الحرب الإقليمية التي سيكون لها آثار مروعة، ليس فقط على مستقبل المنطقة، بل وعلى النظام العالمي بأكمله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.