ما لم يقله الكثيرون عن السيدة المصرية التي ضربت حماتها!

تم النشر: 2024/08/03 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/08/03 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/ shutterstock

نُشر في اليومين الماضيين فيديو، تضرب فيه سيدة حماتها، مما أثار غضب المصريين.

وانتشر المقطع بشكل سريع على مواقع التواصل الاجتماعي، وحصد 16 مليون مشاهدة خلال يومين، وظهر في الفيديو سيدة مسنة تنظف درجات سلم البناية، بينما كانت تجلس سيدتان على الدرج، إحداهما شابة وهي زوجة ابنها المغترب خارج البلاد، والأخرى والدة الزوجة.

وتفاعل كثيرون مع الفيديو، إذ عبّر ناشطون عن صدمتهم من هذا المشهد، وعدم قدرتهم على النوم بعد مشاهدته. وعبّر آخرون عن دهشتهم من رد فعل زوجة الابن، التي ضربت حماتها والتي هي بمثابة أمها بهذا الشكل البشع، من دون مراعاة لسنها ولا مكانتها، فيما طالب البعض الزوج بضرورة تطليق هذه الزوجة.

وبدوره نشر الابن المغترب مقطع فيديو وهو يقول: "حق أمي هاخده"، وكتب: "أمي حقك عليَّ يا نور عيني.. لو كنت موجوداً ماكنش حصل اللي حصل".

وفسر الزوج نشره للفيديو على أنه لتفنيد ادعاءات زوجته بأن والدته هي التي قامت بضربها.

وذكرت وسائل إعلام محلية أنباء تفيد بقيام السلطات في محافظة الشرقية بضبط زوجة الابن بتهمة ضرب حماتها، واقتيادها إلى ديوان قسم الشرطة للوقوف على أسباب وملابسات الواقعة.

فيا ترى ما هو رد فعلنا نحن كمشاهدين وقد رأينا سيدة كبيرة تُضرب، وبيد زوجة ابنها؟!

لا شك أننا سوف نستنكر وبشدة، وندين تلك السيدة التي ضربت حماتها، فالحدث واضح، وموثق بالصوت والصورة، فهو حقيقة، ودليل إدانة.

ولا بد أن يشتعل الشارع غضباً فنحن نعيش في مجتمعات مسلمة وعربية تحض على الإحسان والتسامح والتغاضي، وتحترم الكبير، وتدعو لعلو الخلق، وتعتني وتروّج للقيم العالية… وبالتالي سيعتبرون أن هذا التصرف غير لائق، مهما كانت الملابسات والأسباب.

كما أن الضرب مرفوض اجتماعياً، وممنوع أخلاقياً، ومنهي عنه شرعاً، وهو أسلوب غير حضاري لحل المشكلات، بل إن الضرب -في عصرنا- لم يعد مقبولاً كأسلوب للتوجيه والتربية، وأصبح عقاباً غير مجدي؛ لأنه يستفز، ويفاقم المشكلة، ويجعل الطرف الآخر يتمادى ويتمرد. وأثبتت التجارب أن هناك حلولاً أخرى إيجابية وأنجح من الضرب وأكثر فائدة.

إذن الضرب مرفوض، ولكن لدي 5 ملاحظات مهمة جداً قبل الإدانة، وقبل التهجم على أي طرف:

الأولى- هل سمعتم عن "غضبة الحليم"؟

ألم تقرؤوا عن رد الفعل اللاإرادي، والذي يغيب فيه العقل وتثور فيه الكرامة… في محاولة للثأر للنفس، ورد العدوان بمثله؟!

ألم تعرفوا القهر الذي يُذهب العقل، ويجعل الإنسان فاقداً للسيطرة؟

فيُطلِّق الرجل زوجته، ويتهجم الطالب على أستاذه… ثم يستفيق ويندم، ويحلف أنه لا يذكر أي شيء، وينكر أنه قاله، أو فعله؟!

وبالتالي: هل فكرتم بما وراء حادثة ضرب هذه الزوجة لحماتها؟

وهل تساءلتم ماذا يوجد من خفايا في البيوت، وماذا حدث على مدار السنين، وكيف كانت العلاقات بين هذه السيدة وبين زوجة ابنها حتى وصلت إلى الضرب؟

بالطبع نحن لا نعلم ما وراء الكواليس، وفيديو صغير لمدة قصيرة لا يبين شيئاً، وتصرف متسرع ومتهور كهذا يكون غالباً لفقد السيطرة، ويكون نتيجة لكبت وقهر.

فلا تتسرعوا بالحكم: فلربما فقدت هذه السيدة رشدها لشدة ما مر بها.

الثانية- نحن لسنا قضاة

وليس من حقنا أن ندين أي طرف من الأطراف، وهذا السلوك لا يجوز.

وإننا مهما تريثنا، وتعمقنا، وسمعنا من إفادات، ومهما رأينا من أدلة، ولو سمعنا القصة كاملة وبالتفصيل ومن الطرفين… فإنه لا يمكننا معرفة الحقيقة، ولقد تفطن الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا فقال محذراً: "إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، فلعل بَعْضَكُمْ يكون ألْحَنَ بحُجَتهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي على نحو ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ."

أقصد:

قد تمتلك الحماة أو زوجة الابن: الخبث والدهاء، وتجيد الكيد، فتجعلنا نصدقها، ونصطف معها… وهي المفترية على الأخرى. 

الثالثة- لا تحرجوهم فتخرجوهم عن السيطرة فيفقدون عقولهم

وهي الحكمة التي تهمنا من هذه القضية، والتي يجب علينا أن نستفيد منها، فالزمن الذي نعيش فيه خطير:

وإذا ضربت الكنة حماتها، فقد سمعنا –من قبل- ورأينا ضرب الابن لأبيه، وضرب الطالب لأستاذه، مما يعني أن هذا السلوك مرشح للانتشار… فهذا الجيل لم يتشرب القيم، ولديه جرأة ولا كبير له…

فينبغي أن تكون هذه الحادثة عبرة في حياتنا، لكيلا نجور على أي أحد بالكلام، أو السلوك، ولا نضغط على ذوينا بالتوجيهات ولا بالطلبات، حتى لا يتمادوا ويخرجوا عن المألوف.

وإنه وكما أمرنا الدين باحترام الكبير، فإنه وجهنا للعطف على الصغير.

وبالتالي لابد أن تقوم كل حماة بواجباتها (كما تطالب بحقوقها)، وتحترم نفسها وزوجة ابنها، وتتصرف كسيدة كبيرة وحكيمة وناضجة ومسؤولة.

الرابعة- الزوج هو المسؤول الأساسي، وعليه الحق

فهو الذي يعرف شخصية والدته، وهو الذي عليه برها والعناية بها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى هو مسؤول عن رعاية الزوجة وحمايتها من الأذى… فكيف يتركها مع أمه ويسافر إن كان يعلم أن العلاقة بينهما متوترة؟!

وعندما حدث ما حدث أخذ يهدد ويتوعد الزوجة، بدل أن يؤنبه ضميره، ويستحي، ويسارع لحل المشكلة، كان ينبغي للزوج أن ينصف زوجته، من غير أن يضر بأمه.

وأعجبني: ما سمعناه من الزوج، وما قرأناه من تعليقات تدفع الزوج للاستغناء عن الزوجة وتطليقها، فما هكذا تُحل المشكلات. 

وهناك من لام الزوجة لأنها لم تطلب الطلاق من قبل إن لم يعجبها الحال!

وكيف يشجعون على هدم البيوت: وللطلاق تبعات، وآلام وفيه مشكلات وعقبات أخرى.

الخامسة- ولقد أثار استغرابي امتلاء وسائل التواصل بنصح الزوجة، وبنصائح تعلم الفتيات كيفية التعامل مع الحموات!؟

فالنصيحة يجب أن تكون للطرفين؛ ولا ينبغي بمثل هذه الحالات التوجه لزوجة الابن وحدها، فالعلاقات من طرفين، ولا بد من لجم الحموات، ونصحهن هن الأخريات لكي لا يتدخلن بشؤون أولادهن ولا يسيطرن عليهم.

بل النصيحة لثلاثة أطراف: الحماة وزوجة الابن، والزوج وهو أهم طرف.

فالزوج هو المسؤول ومن عنده يبدأ حل الأمور، وبسبب تفريطه تقع المشكلات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد