في معتقل سدي تيمان، تتجلى واحدة من أفظع صور القمع والإجرام في التاريخ الحديث. فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يقبع آلاف من الفلسطينيين خلف قضبانه في صحراء النقب، حيث يتعرضون لأبشع وأصعب أنواع التعذيب. سِدّي تيمان ليس مجرد سجن، بل هو رمز للسادية والعنف الممنهج الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في كل أرض فلسطين.
جرائم الاحتلال المستمرة منذ نحو 10 أشهر تزداد وحشية يومًا بعد يوم داخل السجن وخارجه. فبينما تستمر المجازر في غزة، أُعيد افتتاح معتقل سدي تيمان مع اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بغية احتجاز الفلسطينيين الذين اعتُقلوا من القطاع. وهناك يقبع الكثير من المدنيين من سكان قطاع غزة ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية من الذكور والإناث، يلاقون أبشع أنواع التعذيب من الصعق الكهربائي والتجويع الممنهج وهجمات الكلاب الشرسة وغيرها من أساليب قد لا يتخيلها بشر. بالإضافة إلى ذلك، يمنع الاحتلال دخول المنظمات الحقوقية وأي جهات أخرى للاطلاع على الظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون. لكي تبقى الأهوال التي يتعرضون لها طي الكتمان، ولا يعرفها إلا من ينجو من ذلك الجحيم. وهناك عشرات المعتقلين يموتون تحت التعذيب، ومن يخرج حيًّا يكون بقايا إنسان غير قادر على استكمال حياته جسديًا ونفسيًا.
رغم ذلك، تم توثيق العديد من الشهادات التي تفضح حجم الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون داخل هذا السجن الرهيب. تتضمن هذه الشهادات اعتداءات جنسية شنيعة، وجرائم قتل باردة، وأشكالًا متنوعة من التنكيل والتعذيب. ولم تقتصر هذه الانتهاكات على سجن تيمان فقط، بل امتدت لتشمل سجونًا أخرى، لتؤكد أن هذه الممارسات ليست إلا جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه.
وراء هذه الوحشية، يتبادل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والمتطرف وزير أمن الاحتلال إيتمار بن غفير الأدوار. فالأول يطالب بتحويل السجن إلى معتقل مؤقت، بينما يعارض الثاني الإغلاق ويدعو لتشديد العقوبات على المعتقلين الفلسطينيين، بل ويذهب إلى حد الدعوة لإطلاق الرصاص عليهم بدلًا من إعطائهم الطعام. معتقل سِديّ تيمان هو صورة واضحة عن سادية قادة الاحتلال، ونقطة سوداء في تاريخ البشرية.
معتقل سدي تيمان هو رمز يوضح نظرة الاحتلال البشعة تجاه الفلسطينيين أصحاب الأرض، وأيديولوجيته الإجرامية لابادتهم. يمثل هذا السجن صورة واضحة لكيفية عمل منظومة الاحتلال بأكملها، حيث تتجسد فيه ممارسات القمع والتنكيل بأبشع صورها.
في مسرحية هزلية خرجت بالأمس الشرطة العسكرية للاحتلال، لاعتقال عدد من الجنود المتهمين بممارسة التعذيب والتنكيل بحق الأسرى بهدف واضح إلى تضليل الرأي العام العالمي، فالتحقيق في قضية اغتصاب واحدة، وتجاهل آلاف الجرائم الأخرى، إنما يهدف إلى تكوين انطباعات مضللة لدى العالم، بأن إسرائيل "دولة" قانون، علمًا أنها لو كانت كذلك، لكان الأجدر بالشرطة العسكرية أن تقدم على اعتقال وزير الحرب غالانت، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي كان عنوانًا للتحريض على قتل المعتقلين وإعدامهم على مدار السنوات الماضية حيث إنه ووزارته مسؤولون عن مصلحة السجون وهو من يدعم ويحمي القتلة.
بالإضافة لذلك، تهدف مثل هذه التحقيقات الداخلية بشكل أساسي للتملص من المسؤولية الدولية وتفادي المحاسبة الحقيقية على الجرائم المرتكبة. بينما يتم تصوير هذه التحقيقات على أنها خطوات نحو العدالة، إلا أنها في الواقع لا تعاقب أي جنود إسرائيليين، بل تُستخدم كأداة لإجهاض الجهود الدولية الرامية إلى محاسبة الاحتلال عن الانتهاكات.
إن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين لم يعد لها حدود ولا سقف يمكن تصوره، سواء في حق المعتقلين أو في أي شبر في الأرض، يوميًا وكما نشاهد المجازر بحق شعبنا في غزة، نستمع لشهادات مروعة وقاسية من خلال الطواقم القانونية ومن خلال المعتقلين الذين استطاعوا النجاة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.