من غزة إلى كييف.. ما هو النهج الذي سيتبعه ترامب في سياسته الخارجية؟!

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/28 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/28 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب/ رويترز

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، تزداد الأنظار تركيزًا على إمكانية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات معتبرة على المشهد الجيوسياسي العالمي، خصوصًا في مناطق النزاع مثل غزة وأوكرانيا. خلال خطابه الأخير في مؤتمر الحزب الجمهوري، أكد ترامب على نظرته الخاصة لهذه الصراعات، مشددًا على أن قيادته كانت ستجنب الولايات المتحدة الأزمات الراهنة وواعدًا بحلول فورية في حال عودته إلى السلطة.

السياسة الخارجية لترامب، التي تميزت بشعار "أمريكا أولاً"، ركزت بشكل كبير على المصالح الوطنية وتبنت نظرة معاملاتية للعلاقات الدولية. هذه الفلسفة أدت غالبًا إلى تفضيل المفاوضات الثنائية مقابل الاتفاقات المتعددة الأطراف، مما أسفر عن تهميش الحلفاء التقليديين والمعايير الدبلوماسية المستقرة. من الضروري فهم هذا الإطار لتحليل كيف قد يتعامل ترامب مع التحديات الدولية المتجددة، خاصة في ضوء النزاعات المستمرة في غزة وأوكرانيا، والدور الذي قد يلعبه في إعادة تشكيل السياسات الأمريكية تجاه هذه الأزمات.

الحرب على غزة

لقد أشعلت حرب الإبادة في غزة، وخاصة مع استمرار همجية الاحتلال الإسرائيلي، صخب عالمي وإدانة دولية. إذ أسفر العدوان الإسرائيلي على القطاع عن خسائر كبيرة في أرواح الفلسطينيين، وارتكبت قوات الاحتلال جرائم حرب من الأبشع في التاريخ الحديث. رغم ذلك، لم تتراجع إدارة بايدن عن دعم حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو، وفي المقابل لتخفيف الضغط الشعبي بسبب تواطئها في مجازر الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، حاولت أن تظهر إدارة بايدن نفسها أنها تنظر بعين العطف لضحايا الاحتلال من خلال تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين لا تكفي أفرادًا، بينما تستمر في نفس الوقت في استخدام الفيتو لوقف أي قرار يناقش وقف الحرب وفك الحصار على الفلسطينيين.

في مقابل إدارة بايدن، زعم دونالد ترامب في خطاباته أنه لو كان لا يزال في منصبه، لما شنت المقاومة الفلسطينية ولا روسيا هجماتهما. إذ شدد على علاقاته القوية مع قادة العالم، مشيرًا إلى أن نهجه الدبلوماسي كان سيردع تلك الهجمات. وليس ترامب أقل دعمًا لإسرائيل من بايدن، فقد أكد ترامب دعمه الثابت للاحتلال الإسرائيلي، منتقدًا إدارة بايدن بسبب ما يراه من افتقار إلى الدعم القوي.

إذ ادعى أنه تحت قيادته، كان سيسمح الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد المقاومة. وأشار إلى أن الرد العسكري القوي ضروري لحل الصراع، داعيًا الاحتلال لـ "إنهاء المهمة". على الرغم من عدم ذكره للحوافز الاقتصادية بشكل مباشر في خطابه، فإن تاريخ ترامب يوحي بأنه قد يقترح تحفيزات اقتصادية لكل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بجانب مسار التطبيع كمسار لحل ساذج يراه للقضية الفلسطينية.

و سيسعى ترامب لعزل المقاومة الفلسطينية دبلوماسيًا، وتصنيفها كجماعة إرهابية وتشديد الضغوط على أي قوى تهدد الاحتلال الإسرائيلي. بل وربما يذهب إلى حشد دعم من بعض الأنظمة الإقليمية المعارضة للمقاومة. رغم ذلك، هناك احتمال أن تُفاقم سياسات ترامب التوترات في المنطقة إذا اعتُبرت مواتية بشكل مفرط للاحتلال، وقد يؤدي هذا الإفراط في تجاهل حقوق الفلسطينيين إلى المزيد من عدم الاستقرار، وإشعال الحرب في المنطقة.

الصراع في أوكرانيا

أما بالنسبة للحرب في أوكرانيا، والتي اندلعت بداية بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 وتصاعدت بشكل كبير في عام 2022، حيث شهدت تورطًا أمريكيًا بارزًا خلال فترة رئاسة بايدن. إذ قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا وماليًا ودبلوماسيًا لأوكرانيا لمواجهة روسيا، مما أسهم في تفاقم أزمة إنسانية تمثلت في نزوح ملايين الأوكرانيين وتدمير البنية التحتية على نطاق واسع.

في هذا السياق، تعهد دونالد ترامب بحل النزاع الأوكراني "بسرعة كبيرة" في حالة إعادة انتخابه، مدعيًا قدرته على التوصل إلى اتفاق سلام خلال 24 ساعة، دون أن يكشف عن تفاصيل محددة حول كيفية تحقيق هذا الحل السريع. ترامب ألمح إلى استعداده للتفاوض مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرًا إلى إمكانية إقناع أوكرانيا بتقديم تنازلات إقليمية مثل التخلي عن شبه جزيرة القرم و إقليم الدونباس مقابل السلام، وهو ما يتوافق مع بعض التقارير التي تحدثت عن نهج ترامب المحتمل.

كما وجه أيضًا ترامب انتقادات حادة لطريقة تعامل إدارة بايدن مع الحرب، مدعيًا أن سياساته الحالية هي التي أدت إلى تفاقم الصراع ورفعت من مخاطر اندلاع حرب أوسع نطاقًا. إضافة إلى ذلك، ألمح ترامب إلى إمكانية خفض أو شرط المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، مبررًا ذلك بأن الحلفاء الأوروبيين ينبغي أن يتحملوا نصيبًا أكبر من العبء المالي، مما قد يؤدي إلى تقليص القدرات العسكرية الأوكرانية في لحظة حرجة.

هذه السياسات والتصريحات تبرز التحديات الكبيرة التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية في إدارة واحدة من أخطر الأزمات الجيوسياسية في أوروبا منذ عقود، مع ضرورة البحث عن موازنة بين تقديم الدعم اللازم لأوكرانيا والسعي لتحقيق حل سلمي يضمن الاستقرار الإقليمي.

تداعيات السياسة الخارجية الأمريكية

ومن المرجح أن تؤدي العودة المحتملة لترامب إلى الرئاسة إلى تحول كبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بدورها كمهيمن عالمي ومشعل لصراعات ووسيط فيها في نفس الوقت.

وقد تشكل سياسة ترامب "أميركا أولًا" ضغطا كبيرا على التحالفات التقليدية، وخاصة داخل حلف شمال الأطلسي. وقد تؤدي انتقاداته السابقة لحلفاء الناتو لعدم وفائهم بالتزامات الإنفاق الدفاعي إلى توترات تؤثر على ترتيبات الأمن الجماعي في أوروبا. وقد يشجع هذا التحول خصوما مثل روسيا والصين، ويغير ميزان القوى في الجغرافيا السياسية العالمية.

كما أن قرارات ترامب في السياسة الخارجية سيكون لها صدى داخليًا. وقد يؤدي نهجه إلى استقطاب الرأي العام، حيث يدعم بعض الأمريكيين موقفا أكثر انعزالية بينما يدعو آخرون إلى استمرار المشاركة الدولية. وقد يؤثر هذا الانقسام على استعداد الكونجرس لتمويل المساعدات الخارجية والدعم العسكري، مما يؤثر على قدرة الولايات المتحدة على الاستجابة بفعالية في الساحة الدولية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد