لا زالتْ المجازر تُرتكب في غزَّة عِيانًا بيانًا، وآناء الليل وأطراف النهار، وبكلِّ الطرقِ الوحشيّةِ التي لا يتصوّرها عقل، ولا يتحمَّلها قلب، بينما أصحاب القرار في العالم صُمٌّ بُكمٌ عميٌّ فهم لا يعقلون، أمَّا شعوبنا فلا شيء لها إلَّا العجز. ومن العجيب أنْ ترى أنَّ أُمَّتنا المُتفرِّقة لا يوحِّدها شيء الآن إلى الإحساس بالعجز والخِزي، فلا اجتماع لها إلا على الهزائم المُنكَرة!
لقد تعفّنت نفوسنا من خِزيها، وانتفختْ ضمائرنا من كثرة الشعارات الواهية التي نرددها. والحقّ أنّ هذا مَربَط عجزِنا، ومنبع ألمنا، أنَّنا لا نفعلُ شيئًا سوى ممارسة العجز، الذي أصبح فرضًا سادسًا تؤدِّيه أُمَّتُنا بكلِّ خشوع!
لقد صارتْ تُطاردنا مشاهد الأطفال الذين سُلِبوا براءتهم، وصودِرَتْ أعمارهم، وحُرِموا طفولَتهم، فَما وجدوا غير الدمع، والنزوح، والخوف، واللاطمأنينة، واللآدمية. تُطاردنا مشاهد الأُمَّهات الثكالى، وهي تصرخ صُراخًا تكاد تنشقّ منه الأرض وتهدُّ الجبالُ هَدًّا. تُطاردنا حسرات الفتيات اللواتي هُتِكَ عِرضهن في المستشفيات، ودمعات الرجال من قهرهم وعجزهم أمام كل ما يرونه من أفاعيل في وطنِهم وأُسَرِهِم. تُطاردنا مناظر الشيوخ وهم يجرّون خلفهم سنين العمر المُرهَقةِ نزوحًا من هنا إلى هناك، ويغتالنا صمتنا الغارق في الحديدِ وهو حرٌّ، صمتنا المُراقب من العيون والبنادق في كل مكان!
تُحاكمنا العروبة التي فرّطنا فيها مُجبَرين، وتُدينُنا أمجاد الأمّة الغابرة التي أكل عليها الدهر وشرب، ويقتلنا مجرّد تخيّل أنْ يكون رسول ﷺ هنا ويسألنا: ماذا صنعتم لإخوانكم؟ فنقول: عجزنا عن نُصرتِهم حينما استصرخونا واستغاثونا!
لقد صرنا نكره هذا العالم المنافق القبيح، ولن أُغالي إن قلت أننا صرنا نكره أنفسنا بسبب هذا العجز. نعم، نمارس حياتنا، لكنّها واللّٰه كمن يتجرّع السمّ الزعاف مجبرًا عليه. إنّ هذا العالم المقيت، لا يعرف حقوق الإنسان وإن صنع لها منظمة ينصر بها مَن يشاء ويتجاهل مَن يشاء، هذا العالم الخسيس الذي يُسيّسه عَبَدَة الكَرَاسي، ويتحكّم فيه الدولار ودُمَاه!
إننا نشعر بأنّنا كإخوة يوسف الذين ألقوه في غيابة الجُبّ، ليلتقطه بعض السيّارة، الفارق هنا أننا لا نعرف مَن سيلتقط غزّة!
نحن الآن لا نريد شيئًا سوى أن تكون غزة وفلسطين كلها بخير، ونطمع في أن نتحرر من عجزنا، ومن الحدود والقيود، فكم أَهلَكَنا العجزُ، وكم هتكَ عِرضَ هُويّتنا. إننا لن نخرج من جحيمنا هذا إلا ببذل كل ما يمكننا في سبيل نُصرة إخواننا الفلسطينيين، لذا؛ فليلتزمْ كلٌّ منَّا ثغره، ويضع غزَّة نُصبَ عينيه، حتّى لا تُنسَى، وحتّى لا تكون أندلسًا أخرى!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.