في كل عام يقف الفلسطيني في الخامس عشر من شهر مايو/ أيار مع ذكرى النكبة، مستذكراً وطنه الذي سُلب منه بفعل ماكينة الإجرام الإسرائيلية التي أجهزت على المدن والقرى الفلسطينية في ذلك اليوم المشؤوم، مخلفةً نكبةً رافقت الفلسطيني على مدار عقود، وما تزال ترافقه حتى يومنا هذا.
إلّا أنّ الجديد في الذكرى المقبلة أن الفلسطيني لن يقف وحيداً وهو محزون، فقد صنعت نكبةٌ جديدة في الأرضِ ذاتها، ولكنها على الطرف النقيض، هناك في كيان الاحتلال الإسرائيلي، لعل الاحتلال يتجرع من نفس كأس المرارة، بنكبة 7 أكتوبر التي مزّقت أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر، واخترقت صميمه وحولته إلى جيش من المأزومين والمعطوبين وأصحاب الإعاقات الجسدية والعقلية، وخيرُ دليلٍ على صحة هذا القول هو ما أوردته مؤخراً صحيفة هآرتس العبرية بأن جيش الاحتلال لديه نقص حاد في الدبابات ولم تعد الكمية المتوفرة تسد رمق حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، وقد قالت أيضاً وزارة الدفاع الإسرائيلية قبل أيام إن قسم التأهيل التابع لها استقبل خلال الحرب على غزة أكثر من 10 آلاف جندي جريح، وأشارت إلى أنه وفقا لبيانات قسم إعادة التأهيل، يتم استقبال أكثر من 1000 جريح جديد شهرياً بسبب القتال الدائر في القطاع، كما رجحت أن يتم استقبال 14 ألفاً من جرحى هذ الحرب نهاية 2024، منهم حوالي 5600 سيواجهون أمراضا عقلية، ناهيك عن عداد القتلى لجيش الاحتلال، وسط اتهامات كبيرة لتل أبيب بالتكتم على الحصيلة الحقيقية لقتلاها وجرحاها في قطاع غزة، بينما أكد مسؤولون إسرائيليون في أكثر من مناسبة أن جيش الاحتلال يدفع أثماناً باهظة في القطاع ويخوض قتالا شرسا مع المقاومة وفي مقدمتهم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، صاحبة اليد العليا في ميدان المعركة.
ليس هذا فحسب بل إن جنرالا إسرائيلياً اعترف قبل أيام وفق صحيفة معاريف العبرية، أنهم هُزموا أمام حماس ويجب الاعتراف بذلك ، بالإضافة إلى التصريحات الإسرائيلية التي تأتي تباعا كزخات المطر بشأن استحالة القضاء على تلك المقاومة بعدما استعادت زمام المبادرة، و أعادت تشكيل صفوفها وسيطرتها العسكرية والمدنية لا سيما في شمالي القطاع، إلّا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يُصر على المضي قدماً في أكذوبة تحقيق الأهداف الثلاثة التي لم تبصر النور، ولم يتحقق منها و لو هدفاً واحداً فقط يحفظ به نتنياهو ماء وجهه أمام زوجته وأقاربه في أدنى التقديرات، فالقضاء على المقاومة وهو الهدف الأول، أصبح أمنية وليس مجرد هدف، والأمنية في اللغة العربية هي طلب الشيء المستحيل، كأنْ أتمنى عودة أبي المتوفي للحياة، أو أنْ يدوم الربيع أبد الدهر، أو أن أحصل على لبن العصفور، وبالتالي فإن الحصول على لبن العصفور أصبح مماثلاً لتحقيق نتنياهو أمنياته في القضاء على المقاومة، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين عنوة، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لأمن الاحتلال الإسرائيلي، وقد أقر بذلك متحدث جيش الاحتلال دانيال هاغاري، بأن القضاء على المقاومة هو مثل ذر الرماد في العيون، ولا يمكن القضاء عليها، وذلك بعد أن صدّع رؤوسنا على مدار أشهر بأنهم اقتحموا واعتقلوا وأنجزوا وقضوا ودمروا وسيطروا، ليتبيّن لاحقاً أن مجمل الأهداف كانت أطفالا ونساء وعائلات مدنية استهدفها جيشهم لتأليب الشارع ضد المقاومة، وتحميلها مسؤولية ما يجري.
كل هذا يقودنا إلى حقيقة مهمة جداً، مفادها أن الاحتلال سيجعل من 7 أكتوبر ذكرى سنوية لنكبته، فهذا التاريخ سوف يمسي كابوساً رسمياً لدى الاحتلال في قادم السنوات، يقف فيه مسؤولوهم ومستوطنوهم وعسكريّوهم حيارى أمام تلك النكبة للاحتلال، وسوف يكون التاريخ على موعد مع مصطلحٍ جديدٍ وليد، يدخل إليه من أوسع الأبواب، تماما كمصطلحات الثورة الفرنسية، والنكبة الفلسطينية، والحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، ألَا وهو مصطلح نكبة الاحتلال الإسرائيلي.. نعم نكبة الاستعمار..
ستجدهم يسترجعون في كل عام ما حدث لجيشهم و جهاز استخباراتهم الُمسمّى الموساد، لكنه أصبح (ألم و ساد)، حين ساد الألم في مستوطناتهم، وأمسوا عبارة عن خواصر رخوة أمام مقاومين لا داعم لهم، ولم تقف معهم حتى سلطة بلادهم، بل تآمرت عليهم هي الأخرى، وأصبحت عصا في يد الاحتلال.
لست حالماً، لكن أمهلني عزيزي القارئ فقط أقل من 3 أشهر، وسوف تشاهد، الاحتلال وهو يُحيي النسخة الأولى من نكبته، ولكنه لن يكون وحيداً، بل سوف تشاركه سلطة رام الله تلك المشاعر، وسوف تذرف من الدموع أكثر مما يذرفه الاحتلال نفسه، لأن هؤلاء المساكين الذين أشفق عليهم، لم يجدوا وسيلة للتغطية على تقاعسهم وارتباطهم الوثيق بالاحتلال، سوى الهجوم على يوم 7 أكتوبر، وللأمانة أعتبر ذلك تصرفاً ذكياً، لأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.