اختتمت أمس الجلسة الختامية للاجتماع التحضيري لمؤتمر الحوار السوداني-السوداني بمقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، والتي دعت إليه الآلية الأفريقية الخاصة بالسودان برئاسة محمد بن شمباز، توافقت في جلستها الأولى الكتلة الديمقراطية السودانية حول وثيقتين، الأولى حوت رؤية سياسية وخارطة للطريق لعملية الحوار وما ينبغي أن يكون عليه، والثانية كانت بيانًا ختاميًا عن مداولات الاجتماع التحضيري. شارك الجميع (باستثناء حزب المؤتمر الوطني المتفق على حظر مشاركته وتنسيقية تقدم التي اعتذرت عبر بيان رسمي) بمسؤولية وفاعلية في جلسات استمرّت أربعة أيام، وطالت بعض الجلسات حتى منتصف الليل. توافقت حوالي عشرين كتلة حول هذه المخرجات، وكانت بقيادة سودانية بحتة. شاركوا بجدية وظلت آلية الاتحاد الأفريقي داعمة ومساندة قدمت كل المطلوبات حتى يحدث النجاح ويتم التوافق. تعتبر المشاركة في هذا الاجتماع التحضيري إثباتًا لجدية القوى المدنية السودانية بخصوص وقف وإنهاء الحرب في السودان وتخفيف معاناة المواطنين والتأسيس لوطن جديد. إذ تتطلع آلية الاتحاد الإفريقي أن تأخذ بقية القوى السياسية مسألة وقف وإنهاء الحرب بعيدًا عن المزايدات ولابد أن تسعى بها بعيدًا عن السيطرة في التنظيم والتسيير وكذلك على مستوى المخرجات، فلا رفاهية ولا وقت أمامهم للمناورات والمكاسب الخاصة.
وقد تأخرت الجلسة الختامية لاجتماع الاتحاد الإفريقي ساعتين لخلافات المشاركين حول إدانة مليشيا الدعم السريع والدول الداعمة لها.
لكن أهم ما جاء في البيان الختامي، هو طلب تشكيل حكومة تصريف أعمال وأن لا يستثني الحوار السوداني السوداني أحدًا (المؤتمر الوطني) إلا من صدرت ضده تهم أو أحكام متعلقة بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين وفقًا للقانون أو الوثيقة الدستورية (وثيقة ثورة ديسمبر 2019) والحزب المقصود بالحظر هو حزب المؤتمر الوطني۔ ولكن لا أعتقد أن تلك الوثيقة نصت على حظر حزب المؤتمر الوطني وأظن أن الحظر تم بوجب قانون لجنة إزالة التمكين التي تكونت خلال حكومة حمدوك الانتقالية السابقة وبعد إجازة قانون التمكين وهذه اللجنة كان يرأسها وجدي صالح ومناع.
ولكن على أية حال ما هي قيمة تلك الوثيقة الدستورية حتى تكون مرجعا لحظر حزب المؤتمر الوطني؟
مبدأ حظر حزب سياسي بواسطة أحزاب سياسية أخرى هو مبدأ خاطئ في الأصل. وارتكبت قحت هذا الخطأ، والآن تعيده مجموعة أحزاب دعيت للحوار في أديس أبابا ولكن يبدو أنها أضعف وأوهن منهم، فهي تتذرع بالوثيقة الدستورية التي تعتبر ميتة الآن.
إلا إذا كانت القوى المدنية المجتمعة في إثيوبيا تريد أن تحاور نفسها فمن حقها حظر الآخرين طبعا، ولكن حكم السودان وتقرير مصير الشعب السوداني هذه مسألة أخرى. لا يحق لأي طرف أو مجموعة أطراف أن تمارس (فيتو) على الآخرين، وخاصة الأحزاب الكرتونية التي يأنف أهل تنسيقية(تقدم) على هوانهم من الجلوس معها.
ما هي العقبات التي يواجهها "الاتحاد الأفريقي" في عملية الحوار السياسي بين الأطراف السودانية؟
على هامش ختام جلسات الحوار السوداني السوداني بمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، كشفت لنا (أنيت فيبر) مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، أنه بعد العقوبات التي فرضت على الكيانات السودانية، ستكون هناك جولة ثانية من العقوبات تجاه الأفراد السودانيين المعرقلين لمساعي السلام، وشددت على ضرورة مساءلتهم عن الأفعال التي اقترفوها بحق السودان والسودانيين، وأهمية بذل جهد دولي موحد للضغط على الأطراف المتحاربة من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات.
وجاء مخرجات البيان الختامي للقوى السياسية السودانية في النقاط التالية:
- إدانة مليشيا الدعم السريع وما ارتكبته من انتهاكات جسيمة في حق الشعب السوداني.
- إدانة جميع الانتهاكات التي صاحبت الحرب ومواجهتها بالقانون مع التأكيد على عدم الإفلات من العقاب.
- إدانة التدخل الخارجي والدول التي تدعم التمرد وضرورة عدم إفلاتها من العقاب القانوني والأخلاقي.
- دعم وحدة الشعب السوداني ومؤسسات الدولة.
- الأولوية القصوى لوقف الحرب والالتزام بتوصيل المساعدات الإنسانية وفقًا لما جاء باتفاق جدة.
- دعوة الاتحاد الأفريقي لفك تجميد عضوية حكومة السودان.
- الاتفاق على مبدأ الحوار السوداني- السوداني بالداخل دون استثناء أحد إلا من صدرت ضدهم أحكام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وفقًا للقانون.
- تشكيل حكومة تصريف أعمال غير حزبية.
بقي أن نقول فيما يخص البند الأخير والخاص بتكوين حكومة تصريف أعمال إن كانت هناك خطيئة مؤكدة للبرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة فهي عدم تكوينه لحكومة تخاطب الشعب وتستنفره للدفاع عن نفسه. ومع ذلك فإذا كان البرهان يرفض تكوين الحكومة فالخطأ والتقصير يطال القوى السياسية التي لم تتوافق فيما بينها وتمارس الإقصاء فيما بينها الشيء الذي لا يؤدي لممارسة ضغط على قائد الجيش.
لا يوجد أي نوع من الإجماع أو التوافق على ضرورة تكوين حكومة. وحملات التخوين التي تقوم هنا وهناك هي مجرد نوبات من الغضب اللحظي بدون أي رؤية وليس لها أي تأثير لأنها غير عملية ولا تطرح أي حلول.
الطرق على خيانة البرهان لا يقود إلى أي شيء اللهم إلا نشر اليأس والإحباط وضرب الروح المعنوية للجيش والشعب على السواء. ولكن التركيز على غياب الحكومة وحالة الفراغ التي تعيشها الدولة والعمل من أجل تكوين حكومة يمكن أن يقود إلى نتيجة.
لا يمكن أن ننتظر من الجيش أن يقوم بالتعبئة والاستنفار؛ فهذه ليست طريقة عمل الجيش حتى لو ذهب البرهان وجاء مكانه عسكري آخر. الاستنفار والتعبئة العامة عمل سياسي واجتماعي تقوم به حكومة ويتكامل مع مهام ووظائف الحكومة الأخرى السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وغيرها.
حقيقة الشعب السوداني ليس ضعيفًا ولا تنقصه الشجاعة ولا القوة المادية والإمكانيات؛ الذي ينقصه هو القيادة. الآلاف من البشر الذين ينزحون من أي مكان تصله المليشيا، لكنهم سيثبتوا ويدافعوا عن أنفسهم وأرضهم وأموالهم إذا وجدت قيادة تنظمهم. المال موجود والإمكانيات موجودة والرجال موجودون؛ المشكلة هي القيادة.
الجريمة التي ترتكبها قيادة الدولة وعلى رأسها البرهان وأعضاء مجلس السيادة هي تعطيل كل إمكانيات الشعب المادية والبشرية قصدت أو لم تقصد. ولكن المسئولية لا يتحملها البرهان لوحده ولا أعضاء سلطته الكسيحة في بورتسودان، وإنما أيضًا كل الكتلة السياسية الداعمة للجيش بما في ذلك أكثر المتطرفين في تخوين البرهان الذين لا يفعلون أي شيء أكثر من الصراخ والنواح ربما ليرضوا أنفسهم ولكنهم لا يقدمون أكثر من ذلك.
بدلاً من تضييع الوقت في إخبار الجيش بما يجب أن يفعله في إدارة المعركة وهو في النهاية عمل عسكري، يجب على السياسيين أن يقوموا بدورهم السياسي وهو إيجاد طريقة لتكوين حكومة تستنفر وتقود الشعب وأيضًا تسند الجيش ليقوم بدوره. هذا هو مكان الخلل والفراغ والتقصير من الجميع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.