شهدت مدينة بورتسودان السودانية مقر إقامة حكومة السودان وقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة خلال الأيام الماضية وصول وفود دبلوماسية سعودية وإثيوبية بهدف لقاء عبد الفتاح البرهان قائد الجيش في سياقات مهمة من أجل وقف الحرب في السودان واستئناف مفاوضات السلام في جدة.
وصل الوفد السعودي وغادر في نفس اليوم وكان برئاسة " وليد بن عبد الكريم الخريجي " نائب وزير الخارجية ولوحظ ضم الوفد السعودي دبلوماسيات سعوديات على غير العادة.
يقال إن البرهان تحدث بلغة حازمة وصارمة للمبعوث السعودي وكرر أن السودان لن يحضر مفاوضات جدة إلا بعد أن يتم تنفيذ ما اتفق عليه سابقًا وهو خروج الدعم السريع من منازل المواطنين كما رفض أيضًا إضافة مسهلين جدد يدعمون الدعم السريع في إشارة إلى الإمارات التي تتلهف إلى المشاركة في مفاوضات جدة.
العلاقات السودانية السعودية تمر بفتور فهناك أزمة حقيقية يحرص الجانبان على إبقائها في الخفاء حيث صرح البرهان أن هناك 18 دولة تدعم الدعم السريع وتعمل بعض تلك الدول على منع السودان من الحصول على أسلحة وتمنع شركات الشحن البحرية من نقل شحنات أسلحة للسودان.
ولم تفلح زيارة نائب وزير الخارجية السعودي " وليد بن عبد الكريم الخريجي " في إقناع البرهان باستئناف المشاركة في مفاوضات جدة.
وبحسب مصادر يقال إن البرهان تحدث بلغة واضحة ومحددة وصارمة للمبعوث السعودي وكرر أن السودان لن يحضر مفاوضات جدة إلا بعد تنفيذ ما اتفق عليه سابقًا وهو خروج الميليشيات من منازل المواطنين، كما رفض أيضًا إضافة مسهلين جدد يدعمون التمرد والميليشيات في إشارة إلى دولة الإمارات التي تطمع للمشاركة في مفاوضات جدة.
أما بخصوص زيارة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد فيمكن القول لطالما تساءل الرأي العام السوداني عن دوافع وأسباب زيارة آبي أحمد المفاجئة اليوم وذلك للقاء الفريق البرهان. وقد ذكر الإعلام الإثيوبي غير الرسمي والداعم لرئيس الوزراء آبي أحمد أن حضوره لبورت سودان يأتي في سياق مساهمة إثيوبية في إحلال السلام في السودان نظرًا لخصوصية علاقات الشعبين. بعض الإعلاميين الإثيوبيين قالوا إن هناك أطراف عديدة تحول دون إحلال السلام في السودان لكن إثيوبيا بخصوصية علاقتها قادرة على ذلك، كما أن الزيارة تأتي تطبيقًا لتعهداته أمام البرلمان ببذل الجهد لاستعادة السودان استقراره وعافيته.
بكل جلاء ووضوح إن إحلال السلام في السودان يبدو أنه لا يأتي في سلم أولويات آبي أحمد، فهو يدرك مدى تعقد الأزمة السودانية وارتفاع هوة الخلافات بين أطراف النزاع وآخرها مؤتمر القاهرة الذي أبدت فيه كل الأطراف وجوب إنهاء الحرب لكن الخلاف الحاد هو في كيفية إنهائها.
آبي أحمد وضع نفسه كطرف مساند للدعم السريع عندما صرح بحظر الطيران الحربي السوداني ومدفعية جيشه. في الرابع من يوليو الحالي صرح أمام النواب في البرلمان ( نعتقد أن استعادة الأراضي التي دخلها الجيش السوداني مسألة ساعات فقط لكننا أخلاقيًا لن نستغل ظروف الحرب التي يمر بها الشعب السوداني الذي وقف بجانبنا في جميع الأوقات العصيبة باستضافة الإثيوبيين في أراضيه وتقديم الدعم لهم ).
لا يستطيع آبي أحمد إدخال جيشه إلى حدوده مع السودان خاصة الفشقة الصغرى منطقة النزاع التي تنتشر فيها قوات الأمهرا بعمق يصل حتى أطراف قوندر وبحر دار ووسط تضاريس جبال وأودية قاسية. من بلدة " عبد الرافع " الإثيوبية حتى جنوب " باسندة " تنتشر قوات الأمهرا الخاصة وميليشيات فانو وجماعات مسلحة أخرى مثل (الشفتة) وهم مجموعة عصابات نهب وقتل إثيوبية مسلحة تنشط في الحدود الإثيوبية السودانية وغير ذلك. ولماذا يستعيد الفشقة كما يدعي علماً بأنه يدرك ويعلم كرئيس وزراء لإثيوبيا أن الحدود خُطّطت والعلامات وُضعت منذ العام 1903.
طيلة حكم الائتلاف الإثني بقيادة التقراي منع الأمهرا أي تواجد لقوات الجيش الإثيوبي وقتها بالتواجد على حدودهم مع ولاية القضارف، كانوا يسمحون للجيش الفيدرالي بالمرور عبر مسارات محددة وتسليح معين وبإذن مسبق وكان من مهام الشفتة مراقبة المنطقة من دخول أي قوات للجيش. لينتشر جيشه على حدود السودان عليه قتال قوات الأمهرا أولاً.
إذن لماذا تحول موقف آبي أحمد 180 درجة؟
علاقاته مع إريتريا وصلت درجات الاحتقان كما ازدادت حجم الحشود الإثيوبية في " الحمرة " قبالة " أم حجر " الإريترية. كما ارتفعت وتيرة حشود قوات دفاع التقراي على حدودهم الشمالية مع إريتريا. الأوضاع في غرب التقراي محتقنة ومهددة بالانفجار في أي لحظة.
آبي غارق ومتورط في نتائج وإفرازات الحرب التي أشعلها في غرب التقراي وهي أحد أكبر أخطائه الاستراتيجية لدخوله في حرب لم يقدّر فيها قوة جيش التقراي ولم يجهز جيشه لخوضها.
قبل خمسة أيام إثر توافقات بين الأمهرا والتقراي ومنظمات الأمم المتحدة عاد إلى منطقة " تسلمتي " بغرب التقراي حوالى 2000 نازح من التقراي إلى مناطقهم التي نزحوا منها بفعل الحرب لكن سرعان ما طردتهم " فانو " ونهبتهم وأرجعتهم.
هناك تخوف من اندلاع الحرب مرة أخرى في غرب إقليم التقراي مع تبدل التحالفات السابقة، هناك حشود للجيش الإثيوبي تتوالى وتقابلها حشود قوات الأمهرا (القوات الخاصة، فانو، الشفتة) بالإضافة إلى ميليشيا " ليساني جيفان " التابعة " للوالغاييت ". لو اندلعت الحرب لإعادة محافظة والغاييت للتقراي وفقا لبنود اتفاقية السلام تتخوف الحكومة الإثيوبية من سيطرة قوات والغاييت والأمهرا من السيطرة على الحدود وتحقيق التماس مع السودان وهو ما يعني تدمير قوات الجيش الإثيوبي. الجدير بالذكر أن إريتريا تدعم قوات الأمهرا بشكل كامل، ومن المتوقع أن تنضم قوات التقراي للجيش الإثيوبي لاستعادة أراضيهم.
القيادة السودانية لا تثق في آبي أحمد ومحاولته لإحلال السلام في السودان تحصيل حاصل فهو حصل على جائزة نوبل للسلام لكنه أشعل إثيوبيا بالحروب وعجز عبرها عن تحقيق حلول، بالتالي ما فشل فيه في إثيوبيا لن ينجح في السودان. وسيبحث في لقائه بالبرهان عن ضمان عدم دعم السودان للقوات المناوئة له لقاء وضع حد للنزاع على الفشقة وهو عرض ظل يكرره آبي أحمد باستمرار كلما تأزمت علاقاته مع السودان. وهناك من يرى أنه سيطلب من البرهان تعاون الجيش السوداني معه للقضاء على فانو. أيضًا سيبحث معه أوضاع اللاجئين في البلدين.
وتبقى الحقيقة التي ثبتت بالحواس الخمس أن من استخدموا الدعم السريع كمطرقة لتدمير الدولة السودانية وإخضاع شعبها سيلقون بها في أقرب مكب نفايات متى ما شعروا بأنها قد أدت غرضها المتمثل في تركيع الجيش ومن وراءه الشعب السوداني.
في الحقيقة الدعم السريع لم يعد موجودًا كقوة عسكرية ولا دور سياسي له. توجد مليشيا يجري استخدامها كأداة لتركيع الدولة السودانية.
القوى التي استخدمت الدعم السريع كأداة في مرحلة الحرب وبمجرد تحقيق الأهداف المرجوة ستلقي هذه الأداة التي لا مستقبل لها؛ قوات مجرمة من الأوباش والمرتزقة لا أحد يريد أن يرتبط بهم. الأداة الجديدة لمرحلة ما بعد إخضاع الجيش باستخدام المليشيات هي القوى السياسية السودانية عديمة الإرادة والوطنية. إن تم هذا المخطط، وهو ما لا ينبغي أن يحدث، برضوخ الجيش للتفاوض، سينتهي الدعم السريع وتبدأ مرحلة القوى السياسية ومؤتمر القاهرة هو البداية. هذه المرحلة هي مرحلة حصاد ثمار الحرب بالنسبة للقوى التي تقف وراء الحرب أساسًا والقوى المتواطئة معها.
بلد مهزوم، جيش منكسر، شعب مشرد ضعيف فاقد للإرادة، قوى سياسية هشة مفككة بلا رؤية وبلا إرادة وجزء كبير منها عبارة عن خونة وعملاء؛ لا توجد وصفة أفضل من هذه لإخضاع السودان والتحكم به وإعادة تشكيله بواسطة القوى الخارجية التي ظلت تنتظر هذه الفرصة بل عملت لها طويلاً.
التصدي لهذا المخطط وإفشاله يكمن في عدم الخضوع والاستمرار في الحرب حتى القضاء على المليشيا التي هي العصا الأساسية للأعداء وبكسرها وتحطيمها يفقدون كل كروتهم. بدون تفاوض أو تسوية. المليشيا ضعيفة وحلفاؤها في قحت ضعفاء وأسيادها وداعموها في الخارج لا يملكون أن يفعلوا أكثر مما فعلوه؛ من دعموا المليشيا ومن تآمروا على الشعب السوداني ومن تواطأوا ومن صمتوا، لا يوجد ما يفعلونه أكثر.
بهزيمة المليشيا والقضاء عليها يتخلص السودان إلى الأبد من الضغوط ومن الابتزاز ومن الوصاية؛ سيستعيد سيادته وإرادته وقراره ويتحرر. أما إن ذهب للتفاوض يفقد كل ذلك. ولا يجب أن يعول إلا على الشعب السوداني وإرادة المقاومة وروح الكرامة فيه.
ولذلك.
هناك تحركات دبلوماسية دولية وإقليمية كثيفة على السودان تهدف للضغط على قيادة الجيش السوداني لإيقاف الحرب بعد إدراك هؤلاء أن الجيش دمر النواة الصلبة للدعم السريع وتشرذمت قواتها وتفرغت للنهب وارتكاب جرائم الحرب. كما اختفى تمامًا قادتها من آل دقلو من المشهد تمامًا ولا أحد يعرف أين الإخوان دقلو لم يظهروا عيانًا فقط تصريحات تنسب إليهم فيما صار الدعم السريع تحت قيادات أخرى تحارب بالوكالة لقوى إقليمية ودولية.
أما في إطار مساعي القوى السياسية لإيقاف الحرب فقد نشرت تنسيقية القوى المدنية السودانية (تقدم) بيانًا لها على منصة إكس اعتذارها عن المشاركة في الحوار السوداني الذي يتزعمه الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا وتعللت القوى المدنية بحجة دعوة قيادات المؤتمر الوطني والإسلاميين للمشاركة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.