تقام الانتخابات الرّئاسية في إيران اليوم الجمعة 28 يونيو 2024، وهي الانتخابات الرّابعة عشرة من نوعها منذ زوال نظام الشّاه سنة 1979، وقيام إيران تحت قيادة ولاية الفقيه. وتجري هذه الانتخابات الرّئاسية في ظروف استثنائيّة، لخلافة إبراهيم رئيسي الذي قضَى في حادثة طائرة هليوكوبتر في 20 مايو الماضي. ويُنتخب الرئيس الإيراني لمدّة أربع سنوات، وله صلاحيّات في توجيه الحكومة، وسياساتها العامّة إلا أنّ الكلمة العليا تعود إلى السّيد علي خامنئي (85 سنة) الذي يتولّى منصب المرشد الأعلى منذ 35 سنة.
وتعتبر هذه الانتخابات امتحاناً لقدرة القيادة الإيرانيّة على إجراء انتخابات شفّافة ونزيهة، في ظلّ الاضطرابات الإقليميّة الجديدة، والحرب الإسرائيليّة على غزّة، كما أنّها تأكيد على استقرار البلاد واستتباب الأمن، بعد الموت المفاجئ لرئيس البلاد في شهر مايو الماضي.
المتنافسون الستّة هم أبناء النّظام المحسوبون على المحافظين
ويتنافس في هذه الانتخابات ستّة مرشّحين من مجموع 80 مترشّحاً، تمّ تزكيتهم من قِبَل مجلس صيانة الدّستور الذي يضمّ 12 عضواً. وجُلّ هؤلاء المرشّحين من أبناء النّظام، أو من الذين تقلّدوا مناصب في الحكومة، أو في الدّولة ومؤسّساتها. والغالب على الظّن أنّ هذه الانتخابات الرّئاسية لن تُحدث المفاجأة، ولن تغيّر من طبيعة الأشياء في إيران. ولكنّها ستحقّق أمرَين اثنين:
الأمر الأوّل أنّ نتائجها ستكون تزكية للسّياسات العامّة للبلاد، أو تشديداً لها في ظلّ المتغيّرات المتسارعة التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على غزّة، والجارية فصولها منذ تسعة أشهر.
أمّا الأمر الثّاني فإنّه سيتمّ توظيف نتائج هذه الانتخابات الرّئاسية، لتأبيد هيمنة نظام ولاية الفقيه على الحياة السّياسية، وتحقيق سيطرة المحافظين على مساحات كبرى من السّلطة في إيران، ومنع كلّ محاولات الانفتاح السّياسي الذي قد يهدّد نظام ولاية الفقيه الذي استحدثه الخميني وطوّره، والذي يواجه معارضة واسعة داخل البلد.
إيران والعرب: هل من رؤية جديدة تؤسّس لتعاون مسؤول؟
وبعيداً عن نتائج هذه الانتخابات ومآلها، وما ينشأ عنها فإنه ينبغي الاعتراف بأنّ إيران قد استطاعت منذ ثورتها على نظام الشّاه سنة 1979، أن تكون قوّة إقليميّة تَجمّع في يدَيها الحلُّ للكثير من القضايا والمعضلات. إنّ إيران بلد كبير له رؤية هو شديدُ الوفاء لها، وله استراتيجيّة هو يتّبعها وينفّذها. وقد استطاعت إيران، منذ أمَد بعيد، أن تنجح في تحقيق المزاوجة بين العقيدة والاستراتيجية، وتبسط تأثيرها خارج حدودها فحصدت المكاسب وحقّقت النّفوذ. وإنّ الذين كانوا يتابعون المفاوضات القائمة حول ملفّ إيران النّووي، منذ بدايتها، ونتائج هذه المفاوضات والمواقف اﻹيرانية المختلفة في مراحل هذه المفاوضات، يدركون أنّ إيران استطاعت أن تتكيّف مع اﻷوضاع العالميّة القاهرة، وتصنع لنفسها مكاناً لائقاً في هذا العالم المضطرب.
وإذا ما قُمنا بمقارنة بسيطة بين إيران ومجموع الدّول العربيّة، يتبيّن لنا بوضوح مجموع ما حقّقته إيران في خمسة وأربعين عاماً، وحجم ما تتفوّق به على الدّول العربيّة مجتمعة.
ومن مظاهر هذا التّفوق هو تأكيد الإيرانيِّين في خطابهم السّياسي ومواقفهم السّياسية وعلاقاتهم الدّولية، على سيادتهم الكاملة في شؤونهم الدّاخليّة وتأكيدهم أيضاً على استقلال قرارهم السّياسيّ.
والذي يُقضَى منه العَجَب أن يكون سلاح العرب الوحيد لمواجهة إيران، ومقاومة أطماعها والحدّ من عبثها في المنطقة العربيّة، هو محاربة المذهب الشّيعي، والاكتفاء ببعض الصَّيحات من فوق المنابر المختلفة لا يسمعها أحدٌ، سرعان ما تتلاشى كالفُقاعات حين يلامسها الهواء، أو الاعتماد على سياسات عربيّة مترهِّلة تخبط خَبط عشواء لا رؤية لها بعيدة تقودُها، ولا استراتيجيّة متماسكة تَسندها تُخلِّف من الرّزية والبَلوَى ما لا يطاق، وتصنع من المُضحكات ما هو شَبيهٌ بالبُكَى.
وقد يَغيب عن ذهن هؤلاء العرب جميعاً ويَغيب عن وعيهم، أنّ إيران تستعمل المذهب الشّيعي ولكنّها لا تعتمد عليه. وإنّما يكون تعويلها الكبير في نهضتها واعتمادُها الأوّل في تطوّرها على الثّقافة الفارسيّة وقيم الحضارة الفارسيّة التي استطاعت مقاومة المؤثّرات الخارجيّة، واستطاعت التّواصل والتّجدد والانبعاث. ولتقريب هذا المعنى وإيضاحه، ينبغي الإشارة إلى أنّ إيران هي الدّولة الوحيدة في الشّرق الأوسط، التي بقيت محافظة على تراثها القديم، وثقافتها الفارسيّة خلافاً لمصر وسوريا والعراق التي تحوّلت من الثّقافة الرّومانية أو اليونانيّة إلى الثّقافة العربيّة.
نعم.. إنّ الوجود اﻹيرانيّ الذي يتمدّد في المنطقة العربيّة بطرق واضحة أو ملتوية، ليس مقبولاً البتّة، وينبغي التّصدي له وإيقاف تسلّله، ولكنّ الذين يتصدَّون لمثل هذا العمل، في أيّ مستوى من المستويات، مِن غبائهم الشّديد ركوبُ حصان المذهبيّة اﻷهْوج، أو أنْ يكون سائقَهم خطابُ الكراهيّة والأحقاد الذي يعود بهذه اﻷجيال المعاصرة إلى الخلافات المذهبيّة القديمة، وينتقل بعقولها وعواطفها إلى عهد بني أميّة، وصراع العباسيّين مع خصومهم.
إنّ إيران بلد كبير بحضارته وبموارده، وهو قوّة إقليميّة يُحسب لها حساب، وليس من الذّكاء السّياسي، أو الرّؤية الاستراتيجيّة النّاضجة أن يُعادي العرب إيران لأنّ الدّول الاستعماريّة والصّهيونية تُعاديها. إنّ الحاجز المذهبيّ لا يمثّل عائقاً حيوياً، وهو ليس بمانع من التّواصل والتّعاون. وإنّ ما يتقاسمه هذا البلد مع العالم العربيّ من قيم في الثّقافة، ولقاء في التّاريخ، ووحدة في المصير ليس بالهيِّن وليس بالقليل. وكلّ ذلك يستلزم وجود رؤية عربيّة جديدة، لا تقع تحت تأثير الدّول الاستعماريّة الكبرى، ولا تكون تابعة لها، تجعل الموقفَ الرّسمي العربيّ من إيران موقف الشّريك أو الجار الذي نتبادل معه المصالح والمنافع في ظلّ التّفاهم الواضح والتّعاون المسؤول والاحترام المتبادل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.