أظهر توثيق مصور نشرته قناة الجزيرة الفضائية، مقاطع مسرّبة حصلت عليها من كاميرا تم تركيبها من قبل الاحتلال الإسرائيلي على كلب بوليسي مدرب، تظهر لحظة مهاجمته للمرأة المُسنّة أثناء نومها خلال اقتحام منزلها في جباليا شمال قطاع غزة.
تُظهر الصور اعتداءً شرساً دام مطولاً من قبل كلب بوليسي مرافق لقوة للاحتلال في مشهد إرهابي مرّوع لا يمكن تصوره، ويثبت للعالم أجمع حقيقة إرهاب ونازية قوات الاحتلال التي تنم عن همجية وقذارة ضاربة في أعماق المجتمع الصهيوني وفي جيناته الوراثية حتى تحول إلى نهج وسلوك وعقيدة حياتية تُمارس وتتجلى بأبشع صورها ومظاهرها في التعاطي اليومي مع الشعب الفلسطيني، منذ أن غرس فيها أنيابه الصهيونية في أرض فلسطين إلى يومنا هذا الذي يرتكب فيه أبشع الجرائم في قطاع غزة والضفة الغربية.
لم تكن المرأة المسنة في جباليا تحمل بندقية أو قنبلة، بل كانت نائمة في بيتها، فأي همجية وقذارة أفظع من هذه الصورة؟ وهي صورة حقيقية تعكس طريقة آلة الحرب لدى جنود الاحتلال الإسرائيلي، وهي صورة وطريقة نمطية تحدث في كل لحظة على مرأى ومسمع العالم، وتحظى بتأييد كافة المستويات الإسرائيلي المدنية والعسكرية والسياسية والأمنية، وتحظى بمباركة من قبل الحاخامات الصهاينة، في إبادة الشعب الفلسطيني وارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات في ظل تخاذل عربي وتآمر عالمي، وإلاّ كيف انتزعت فلسطين من يد أصحابها الشرعيين؟
ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم وحرب إبادة في قطاع غزة، لعلّه الأشد بشاعة ووحشية وهمجية في هذا العصر إن لم يكن عبر الأعوام الماضية، والصمت عنه يضفي عليه صفة الأعمال الاعتيادية، وقد آن الأوان لنشر وفضح الانتهاكات اليومية وكشف صنوف هذه الانتهاكات ووصف الواقع، كي نتغلّب على ضعف ذاكرتنا ونحرص على إنعاش الذاكرة لدى الأجيال القادمة كي لا تنسى، لأننا إن كنّا عاجزين اليوم عن وضع حدّ لهذا الإجرام الإسرائيلي والأمريكي والغربيّ بحق الشعب الفلسطيني، فإن من أقل الواجب ألا نحجب عن الأجيال القادمة حق محاكمة وتجريم الصهاينة ومعاقبتهم على تماديهم في جرائمهم.
إنّ كل صورة من صور الانتهاكات والممارسات الإجرامية الإسرائيلية التي يرتكبها هذا الاحتلال بدعم أمريكي وغربي وتخاذل وتواطؤ عربي، تقوم عليها آلاف الشواهد والأدلة والحالات الفظيعة، وكلّ حالة من هذه الحالات تكفي بمفردها ليس فقط لإدانة العدو المجرم، بل لملاحقته وتجريمه ومعاقبته بمثل ما يرتكبه من الجرائم، وهذه المعاقبة ينبغي ألا تصدر عن الشعب الفلسطيني صاحب الحق فقط، بل عن أحرار العالم وجميع الدول التي تؤمن بالقانون الإنساني وبالعدالة والحق والحرية، فكيف إذا كان الإجرام الإسرائيلي متعدد الصنوف ومتنوع الصور والأشكال ويتخذ مئات، بل آلاف المشاهد والصور.
من صور الجرائم الوحشية التي يرتكبها الإسرائيليون، صورة المسنّة وهي تصرخ، وتستغيث من الكلب الذي أطلقه جندي الاحتلال، واستمر في الاعتداء لمدة طويلة على المسنة بوحشية، أسفر عن ترهيب المسنّة وإصابتها بنزيف وكسور. ومن المشاهد المروعة صور الأطفال وموتهم تجويعاً، وسرقة الأموال والمجوهرات من المنازل والعبث فيها، واقتحام المصارف التي يداهمونها، ونبش المقابر وسرقة الجثامين ونقلها إلى الكيان المحتلّ، وكذلك سرقة أعضاء المعتقلين والشهداء، وتدمير المساجد والمدارس والجامعات والكنائس، وملاحقة أساتذة الجامعات واغتيالهم، بالإضافة إلى تدمير المعالم الأثرية التاريخية العريقة.
ومن ذلك أيضاً التفنّن في تعذيب المعتقلين وتركهم بلا علاج أو دواء وقتلهم داخل المعتقلات، فضلاً عن إذلالهم بتجريدهم من ملابسهم وإطلاق الكلاب المسعورة عليهم ومنع أهالي الشهداء من إقامة بيوت العزاء، وسرقة مواشي الفلسطينيين واقتلاع أشجارهم وحرق مزروعاتهم، وعربدة المستوطنين، وغير ذلك من الصور التي لا تعدّ ولا تحصى لكثرتها.
إنّ كلّ صورة من هذه الصور تحتاج إلى مجلّدات ضخمة عديدة لاستيعاب الحالات والممارسات التي تندرج تحتها، كما تحتاج إلى أعداد كبيرة من المؤرخين والباحثين والإعلاميين والقانونيين والمؤسسات العلمية والبحثية للقيام بها وتوثيقها، وليس للسرد الإنشائي، وإنما لكشف وتذكير كل شعوب الأرض، بأن الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، ومظاهر العنصرية والفاشية والنازية، ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل هي متجذرة في العقل الصهيوني، الذي تفوّق على الفاشيين والنازيين في العالم، والدليل السلسلة الطويلة من المذابح الوحشية المروعة، التي نفذها الجيش اللاأخلاقي القذر والعصابات الصهيونية المقززة.
وتبقى إرادة البقاء عند الشعب الفلسطيني، وعند غزة الصابرة والصامدة، في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وكرامة الأمتين العربية والإسلامية، أكبر من كل أسلحة الموت والعنصرية، وستبقى أعظم من مشاهد وصور الإجرام الفاشي الإسرائيلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.