منذ اللحظة الأولى لاحتلالهم أرض فلسطين، سعى الإسرائيليون لطمس الهوية الفلسطينية والاستيلاء على تراث هذا البلد بدءاً من حبة الفلافل إلى صحن الحمص ونبتة الميرمية، وصولاً إلى الثوب الفلسطيني الذي ترتديه اليوم بعض مضيفات طيران الاحتلال الإسرائيلي على أنه جزء من مورثهم الثقافي المسروق والمزور.
في هذه الأسطر القليلة سأسعى للتعريف بمفهوم التراث والفلكلور الفلسطيني، كما سأستعرض معكم تاريخ الثوب الفلسطيني الذي لا يعد رمزاً فولكلوريا فحسب، بل إنه أحد أهم ركائز المقاومة الفلسطينية لهذا الاحتلال على امتداد 76 عاماً من النضال.
في الانتفاضة الأولى لعب الثوب دوراً مهماً في التصدي للمحتل، فقد كان ارتداؤه رمزاً للهوية الفلسطينية بديلاً عن رفع العلم أحياناً، وراحت النساء يطرزن عليه خارطة فلسطين، وحمل ثوب الانتفاضة نقوشاً جديدة أبرزها أغصان الزيتون وحمامة السلام.
وفي عام 2021 أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) "فن التطريز في فلسطين على لائحتها للتراث الثقافي غير المادي"، لتحقق المقاومة الثقافية انتصاراً آخر يحمي أحد أهم عناصر الهوية من محاولات السرقة الإسرائيلية.
اليوم، ربما قل ارتداء الثوب الفلسطيني خصوصاً عند الجيل الجديد من النساء الفلسطينيات إلا أنه لدى كل امرأة أو فتاة ثوب مطرز أو شال مميز تحتفظ به للمناسبات المهمة، فمنذ تأسيسها عام 1963 حرصت رابطة المرأة الفلسطينية في مصر على عمل أكبر تجمع نسائي للحفاظ على التراث، كما تحرص الرابطة على تعليم الفتيات الصغيرات أنواع القطب أي (غرزة التطريز) للحفاظ على هذا الموروث.
تكلفة التطريز اليدوي مرتفعة بالمقارنة بالأثواب المطرزة الصناعية، وهو ما يهدد التطريز الفلسطيني، لكن الجهود لا تتوقف كي يحمل كل منزل فلسطيني شيئاً ما يعبر عن الهوية الفلسطينية، من حقائب أو ثياب أو صناديق ومرايا وغيرها من القطع التي تحكي عن فلسطين كما عرفها الأجداد والآباء والأحفاد.
ويُحيي الفلسطينيون في الخامس والعشرين من يوليو من كل عام يوم الزي الفلسطيني، حفاظاً على تاريخهم وهويتهم، وصوناً له من السرقة والتهويد الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي.
والآن دعونا نذهب في رحلة تعريفية بزي المرأة الفلسطينية من رأسها إلى أخمص قدميها، لنتعرف ونتذكر أجزاء ومسميات الثوب الفلسطيني كما توارثها أجدادنا، لكن بداية لنسأل: ما هو الفلكلور؟ وأهميته لدى الشعوب؟
بمعناه الأدبي الفلكلور هو مجموعة من القصص والفنون القديمة والحكايات والأساطير التي تنحصر بمجموعة من السكان في بلد ما، وتنتقل هذه المعرفة والفنون من جيل إلى آخر عن طريق الروايات الشفهية والأغاني التي يرويها الأجداد للأبناء والأحفاد. لكن بمعناه الشعبوي، فهو الهوية والجذور الأرض والأسلاف، هو جدي وجدك وجدتي وجدتك وأعمامنا وأخوالنا والمدني والفلاح منا والمعول والمنجل وأوف وعتابا والديماية (لباس الرجل الفلسطيني) وثوب جدتي المطرز وحزامها الحريري الذي يزين خصرها، بالمختصر هو أنت وأنا.
وبما أننا ذكرنا الجدات والأجداد والأسلاف فلا بد من التطرق إلى أقدم الأقوام الذين استقروا في فلسطين ألا وهم الكنعانيون، وإليهم يعود تأسيس حضارة فلسطين القديمة وما لهذه الحضارة من أثر في تراثنا الحاضر خصيصاً الثوب الفلسطيني. ترجع حضارة الكنعانيين إلى عصور قديمة بقدم الزمن. وبطبيعة الحال هؤلاء التجار لعبوا دوراً مهماً في صناعة الأقمشة واستخراج الأصباغ الأرجوانية أو حمراء اللون وفي زخرفة الملابس وصناعة النسيج، ويؤكد ذلك الرسوم الجدارية الفرعونية من مقابر بني حسن حوالي 1900ق.م، وقاموا بتسويقها في رحلاتهم وتجارتهم في جزر البحر المتوسط وجنوب أوروبا، فقد كان التطريز عندهم مكرساً لنبلاء والمعابد بسبب توفر الأموال والخيوط الذهبية. ثم توالى استمرارها في العصور الكلاسيكية اليونانية والرومانية حيث كان الجنود يحملون معهم الملابس الفلسطينية المطرزة. وبشكل عام اشتهرت العديد من المدن الفلسطينية في حرفة النسيج كأجدادهم الكنعانيين من هذه المدن، المجدل والناصرة، ولكن تبقى غزة أقدمها رغم عدم تحديد متى وكيف وصلتها هذه الصناعات.
منذ انتهاء الخلافة العثمانية ودخول الانتداب البريطاني ثم الاحتلال الإسرائيلي نجد أن الكثير من التغيرات طرأت على الزي الفلسطيني، سواء من خلال الغزو الثقافي أو بتشجيع الناس على ارتداء الملابس الحديثة والابتعاد عن القديمة والشعبية منها والترويج على أنها عنوان للتخلف وعدم مواكبة التطور والموضة وهذه الخطوة الأولى لطمس الهوية والثقافة.
لم يكن السعي لطمس الهوية الفلسطينية والتراث الفلسطيني أمراً مستهجناً من قبل الانتداب البريطاني في فلسطين، فلو عدنا في التاريخ وتحديداً لسلوك المتبع من قبل المستعمر الإنجليزي إبان تأسيسه لمستعمراته في العالم الجديد (الولايات المتحدة) ابتداءً من القرن الثامن عشر، وجدنا أنه سعى وبكل ما أوتي من قوته لطمس ومسح هوية المواطنين الأصليين (الهنود) في الولايات المتحدة وتحولهم إلى نسخة ممسوخة من ثقافته البيضاء.
كانت الاستراتيجية المتبعة هي مسح الثقافة والتقاليد والعادات واللغة واللباس، بمعنى آخر طمس ومسح من جوهر وأصل الذاكرة الجمعية الهندية كل ما يمت بصلة للهوية الهندية. بطبيعة الحال قاوم من قاوم وتبدل من تبدل وقتل من قتل حيث يقدر عدد من قتل في كل من أمريكا وكندا بـ100 مليون من المواطنين الأصليين. لذلك نرى اليوم أن الهنود يؤكدون على إظهار موروثهم والتذكير بما تبقى منه في احتفالاتهم عبر استعراض موسيقاهم ورقصاتهم ولباسهم الشعبي، وهنا نعود للثوب الفلسطيني حامل الهوية الثقافية الفلسطينية الذي لعب دوراً كبيراً في التعبيرعن المقاومة والنضال، وبطبيعة الحال يقف الثوب الفلسطيني بغرزه وألوانه وتنوعه الجغرافي كدرع مقاوم لهجمات الاحتلال على هذا الموروث.
ولنتعرف الآن على لباس المرأة الفلسطينية:
العصائب (غطاء للرأس) التي ارتدتها المرأة الفلسطينية ومنها:
(الصّفة) نسبة لما يصفّونه عليها من الدراهم الفضية أو الذهبية، ربما زاد عددها على ثمانين قطعة. وقد تكون هذه الدراهم حصة المرأة من مهرها، ويحق لها التصرف بها وتحيط بمحيط الرأس وهي منتشرة على وجه الخصوص في قضاء رام الله.
أما (الصمادة) فتصنع من قماشة الثوب وتربط بما يحيط بأسفل الذقن وتعلق بها قطع نقود ذهبية للزينة، ولكن يندر أن تلبس العزباء الصمادة، فإن لبستها صفت فيها نقوداً أقل مما يصف للمرأة المتزوجة. أما في بلدات بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور فتشتهر (الشطورة) وهي قبعة أسطوانية صلبة تغطى من الخارج بقماش أحمر أو أخضر، وتصف في مقدمتها نقوداً ذهبية وفضية، تزين مؤخرتها بالنقود الفضية فقط، وتربط الشطورة بحزام يمرر تحت الذقن ويتدلى الزناق من جانبيها. وكانوا يصفون فوق الدراهم صف مرجان ليزداد عدد الصفوف إلى خمسة كان هذا في العشرينيات من القرن الماضي. وتطرز الشطورة تطريزاً دقيقاً وتوضع فوقها خرقة مربعة من الحرير الأبيض تعرف بالتربيعة.
أما في أقضية القدس ويافا والخليل فتلبس النساء (الطفطاف والشكة أو العرقية) وتصف عليها حتى الأذنين نقود في صفين فتسمى الطفطاف وتسمى الشكة أو العرقية إذا كانت النقود صفاً واحداً، وتصف في الخلف أربع قطع من النقود أكبر حجماً من النقود التي تصف في الأمام.
الطواقي (الوقاه) منها ما يصنع من قماش الثوب ويطرز تطريزاً زخرفياً، ويربط بشريط أو خيط من تحت الذقن؛ ومنها طاقية المخروطية المصنوعة من المخمل الأرجواني والمزينة بالنقود الذهبية، وهي للأعياد والاحتفالات وتصنع من قماش ثوب، ويوضع فوقها غطاء شاش غير مطرز، ومنها طاقية الشبكة وتلبس تحت الشاش أيضاً، وهي خيوط سود تنسجها الفتاة بالسنارة وتزينها بالخرز البراق وتلبسها الفتيات.
أما الأغطية ومنها الغطاء الأسود ويسمى (القنعة) وهي قماشة سوداء غير مطرزة تلبس في قطاع غزة على زي نصفي والغطاء الأسود البدوي وبه تطريز وشراشيب وزخارف والغطاء الأبيض، وهو قماش مستطيل بشراشيب من ذاتها به زخارف بسيطة على الأركان الأربعة ومجال انتشاره في الساحل. (البرقع) يسمى في بعض الأحيان الشناف، والبرقع عادة يضاف إلى الصمادة.
وأخيراً الحزام ويسمى (الشملة او الشداد) ويوضع حول الخصر، وهو مصنوع من الستان أو حرير تضعه الفتاة بعد لفه عدة لفات؛ أما المرأة المتزوجة فتضعه بشكل عريض.
الثوب الفلسطيني
يختلف الثوب الفلسطيني من مدينة إلى أخرى، كل مدينة لها ثوبها الخاص بألوانه وشكل التطريز ولكنها تتشابه في شكل ونوع القماش وينقسم الثوب الفلسطيني إلى عدة أجزاء:
فهناك (البشنيقة) وهي منديل بإطار يحيط المنديل بزهور أشكالها مختلفة، وفوق المنديل يطرح على الرأس شال أو طرحة، وهي أوشحة من حرير وصوف. و(الحبرة) قماش من حرير أسود أو من غير لون، لها في وسطها شمار أو دكة فيصبح أسفل الحبرة مثل التنورة وتغطي بأعلى الحبرة كتفيها.
أما (الملاية) فهي أشبه بالحبرة في اللون وصنف القماش ولكنها معطف ذو أكمام يلبس من فوق يغطي الرأس ويتدلى إلى الخصر.
وهناك (الفستان أو اليلك) هو فستان من قماش أبيض المسمى بالبفت وأحياناً باليلك، وهو من القماش المخمل للشتاء، أو من الأقمشة الخفيفة كالبرلون في الصيف، وينتشر في جنين وطولكرم.
وهناك (الثوب أو الخَلَق) يتنوع قماش الثوب بين القرى ويختلف بين فئات الأعمار وباختلاف الفصول، فهو في الصيف قماش خفيف على الأغلب وأكثر سمكاً في الشتاء وغالباً ما يكون مطرزاً برسومات الورد للفتيات، ومن قماش ذي اللون الواحد لكبار السن. وفي شمال فلسطين ينتشر (ثوب المردن) وهو ثوب فضفاض من القماش الأبيض أو المطرز السميك أو الخفيف يصل إلى حد الشفافية، أما اسمه "المردن" فيعود إلى أكمامه الواسعة الطويلة.
هناك عدة تصنيفات للثوب الذي كانت ترتديه المرأة الفلسطينية فهناك الثوب (المجدلاوي)، وهو من القماش المقلم الذي تظهر في نسيجه خطوط طويلة من لون مغاير للون القماش الأصلي، وهناك نوعان منه (الجلجلي) وهو قماش قطني أزرق اللون مقلم بخطوط حريرية زهرية اللون يتراوح عرض الواحدة منهم ما بين 4 – 5 سم والمسافة بين كل حاشية 20 سم.
أما النوع الثاني (أبو ميتين) يشبه الجلجلي فيما عدا لون الحواشي، لونها ليلكي على أحد الأطراف الحاشية خيوط طولية من لون آخر تحصر فيما بينها خطوط خضراء اللون يقل عرضها عن 1سم.
الثوب (الشروقي) وهو قديم جداً، يرجع إلى أيام الكنعانيين، قديم في شكله وغرزته، تمتاز زخارفه بالاتصال عبر الأشكال الهندسية تتخللها قطع من قماش الستان وهو منتشر في منطقة أسدود والمجدل ونابلس وجنين.
أما الثوب المقلم فهو مصنوع من الحرير المخطط بأشرطة كويلة من نفس النسيج، وعادة ما يكون باللون الأزرق الغامق أو أحمر برتقالي أو أبيض، وبزخارف شعبية تسمى (التنتنة أو الكُلفة) حيث توزع على أجزاء الثوب.
هذا الثوب ترتديه المرأة في أوقاتها المعتادة الخاصة أثناء العمل في الحقل أو المنزل. أما الثوب (الدجاني) فهو ثوب ارتبط اسمه بمعبود كنعاني قديم (إله داجون) كان على شكل خرافي، نصفه الأعلى إنسان والنصف الأسفل سمكة. وقد ارتدت النساء الساحليات الفلسطينيات هذا الثوب بكثرة في مجدل عسقلان وغزة وأسدود وبيت دجن قرب يافا التي هي موطن هذا الثوب.
هذا الثوب من الأثواب اللافتة، يمتاز بكثرة الرسومات التربيعية التي بداخلها زمر الشكل الخرافي القديم، ويميل هذا الثوب إلى اللون الأبيض وتطريزه باللون الأحمر، وهو نوعان ذو أكمام ضيقة وأكمام واسعة.
وبطبيعة الحال لن يغيب عن المشهد الثوب المطرز وهو الثوب المزين بنماذج زخرفية معينة، في جزء أو أكثر من أجزائه، وهي القبة والأبدان والبنادق والذيل والردفة والأكمام، وهذا الثوب ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: ثوب القطبة الفلاحي، وهو تطريز يدوي، تطرز فيه كل أجزاء الثوب التي تم ذكرها.
بينما ثوب المناجل هو ثوب الذي يتركز تطريزه على جوانبه على شكل أشرطة رأسية وبعرض لا يتجاوز السنتمتر الواحد لكل شريط منها. أما ثوب النول هو الثوب الذي يطرز بقطبة اللف بواسطة الماكنة أو بواسطة الإبرة اليدوية؛ وفي حالة تطريزه بالماكينة تستخدم الطارة. الثوب الفلاحي هو الثوب المطرز بالقطبة الفلاحية، وعملية التطريز عليه هي عملية تفصيل وقص القماش حيث تبدأ المرأة بتطريز أجزاء الثوب حسب اختيارها للجزء الذي تبدأ به، لكنها تبدأ غالباً بتطريز الأبدان ثم الردفة فالقبة فالأكمام ثم تطرز المناجل في مواضعها بعد أن تنهي جميع الأجزاء.
ختاماً، وبعد أن تعرفنا على الثوب الفلسطيني أخبريني أيتها الفلسطينية الأصيلة، إلى أي المدن والقرى الفلسطينية تنتمين؟ وأي الأثواب تلبسين؟ تذكري أنت هوية فلسطينية تسير على قدمين تزين المكان أينما حطت وارتحلت.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.