لمن فاتته الفريضة.. كيف يمكنك تحصيل ثواب الحج من البيت؟

تم النشر: 2024/06/20 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/20 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش

كل مسلم يتوق للحج، ولا تكفيه المرة ولا المرتان، وإنما أكثرنا نتمناه في كل عام، فالحج له روحانياته وخصوصيته التي تنعش القلب، وتجدد الإيمان وتصقل الصبر… ومنه تعود النفس وكأنها قد ولدت من جديد.

ولخصوصية الحج سُمّيت سورة في القرآن باسمه، في حين لا توجد في القرآن سورة اسمها "الصلاة" وهي عماد الدين، وليس فيه سورة اسمها "الزكاة"، وللحج سورة!

ولقد فَصّل الله في القرآن أحكام الحج وبيّن أكثر شعائره، في حين لم نعرف تفاصيل الصلاة وأركانها إلا من السنة.

فما السبب؟!

ذلك أن الحج حدث عظيم، ومؤتمر كبير، لا يكون كل يوم، ولا يحضره المرء كل عام، ويكون مرة في الحياة، فكان لزاماً أن يتفهمه كل مسلم ويستعد له، ويقدر له قدره، ويقوم به على أكمل وجه، لأنه قد لا يستطيع تكراره، ولا العودة لمكة.

وكثيرون يُحرمون من هذا الفضل، بل من "حجة الفرض"، بسبب تراجع صحتهم، أو بسبب كلفة ومشقة السفر، أو بسبب ضيق الشعائر المقدسة، وعدم قدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة التي تتشوق للحج، فيشعرون بالضيق والأسى… والمقال اليوم لكل نفس تتوق للحج، ولم ييسر الله لها، وفيه سنقول لها كيف تحج من بيتها، وتكتسب الأجر كاملاً بإذن الله، وهي في دارها:

1- أُبشّر كل نفس تمنّت الحج بصدق، أنها أخذت أجره كاملاً، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لقد ترَكْتُمْ بالمدينةِ أقواماً ما سرتُمْ مسيراً ولا أنفقتُمْ من نفقةٍ ولا قطعتُمْ من وادٍ إلَّا وَهُم معَكُم قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يَكونونَ معَنا وَهُم بالمدينةِ ؟ قالَ: حبسَهُمُ المرضُ"؛ فمن رحمة الله تعالى أنه جعل النية الصادقة، والرغبة الحقيقة بالعمل الصالح "مساوية في ثوابها للعمل"، فالأعمال بالنيات، والثواب قد يكون على النية المخلصة الصادقة، بدليل حديث: "مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً".

2- ولا بد أن هناك أناساً ولشدة حماستهم ورغبتهم بالحج، قد لا يقتنعون بأن النية الصادقة تعطي الأجر الكامل، ولهؤلاء اقترح النبي صلى الله عليه وسلم عملاً آخر، عمل يمكنهم القيام به، ويعدل ثوابه الحج، وجاء في حديث صحيح : "مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ، ثم صلى ركعتينِ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّة"، وكرر "تامة" ثلاث مرات للتأكيد.

3- وفي أعمال الحج مسألة مهمة ينبغي الالتفات لها:

فرغم أن الحج عبادة لله، وأنه أقرب القربات، وكله طاعات… فرغم ذلك تُقصر فيه الصلاة، وتُجمع (وحكم القصر يختلف عن الجمع)، ويمتنع على الحاج صوم عرفة، وأعمال الحج بمجملها قليلة ومعدودة (وإن كانت شاقة)، فيمكث الحاج -مثلاً- في يوم الحج الأكبر ما لا يقل عن سبع ساعات، في مكان واحد لا يصنع أي شيء (من العبادات والقربات) سوى الوقوف هناك والمناجاة والدعاء.

وفي مزدلفة، يجلس ليلة يصلي فيها جمعاً وقصراً وينام! ولا يؤمر بالتهجد والقيام.

وأيام منى أيام أكل وشرب، وما فيها سوى الرمي وهي ثلاثة!

فلماذا؟! وماذا يصنع الحاج بالأوقات الفضيلة المتوفرة لديه؟!

تحيّرت مدة، ثم وفيما كنت أقرأ القرآن، وجدت الجواب في هذه الآية الكريمة العظيمة: "وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ".

وكأن الله سبحانه وتعالى قد خفف من أنواع العبادات على الحاج ليتفرغ للذكر والتأمل والتعارف، وإن من أهداف الحج الكبرى "ذكر الله": "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ"، "فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً".

ويحلو الذكر أثناء الانتقال بين المشاعر المقدسة وتأمل تلك البقاع الطاهرة… في حين قد لا يتوفر مكان (للإكثار من الصلاة)، وقد يكون الصيام شاقاً مع كثرة أعمال الحج، فلم يحبذ للحاج. ومع مشقة الحر والزحام والخوف من التخلف عن الحملة، ومع طول الانتظار فيكون العمل الصالح المتوفر دائماً وفي كل وقت للحاج ولغيره هو "ذكر الله".

ولكل نفس فاتها الحج، أذكرها بأن "الذكر" من أكبر العبادات ومن أعظهما أجراً: "والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً"، والذكر يكون بالقلب أو باللسان، أو بهما معاً.

والذكر لا تشترط له الطهارة، ولا يشترط له زمان ولا مكان، ولا أركان… مما ييسر تلك العبادة على الحاج وعلى غيره في كل وقت، وعلى أي هيئة، فاذكروا الله ما استطعتم واملأوا صفحتكم بالحسنات.

 فكيف يكون الذكر؟

– يكون بتكبيرٍ وتحميد وتهليل. 

– ويكون بالاستغفار والتوبة.

– ويكون بقراءة القرآن بتدبر وفهم، وبتمجيد الله وتنزيهه وتقديسه وتوحيده. 

– ويكون بمجالسة الصالحين المصلحين.

– ويكون بالتفكر في خَلْقِ الله.

والقصد هو "الذكر" الذي يُلين القلب ويذكي الفؤاد ويصل بالنفس للخشوع والخضوع والتفكر، الذكر الذي يجلو الشك ويُذهب الخوف والقلق، الذكر الذي يعلو بالإيمان ويقلل من قيمة الحياة الدنيا… الذكر الذي يجعل المؤمن مؤمناً حقاً، فأكثروا من الذكر تؤجروا. 

4-  وكان من مقاصد الحج "التعارف": "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، ولذا لم يُطلب من الحاج: الاعتزالُ في خيمته، وإنما يكون مع الناس؛ ولقد هيأت لنا وسائل التواصل هذه المكرمة، فقربتنا من إخواننا في كل بقاع الأرض، وجعلتنا على اطلاع كامل بما يجري من أحداث محزنة ومفرحة، ويسّرت لنا سبل الدعم المعنوي والمادي، وتبادل الفوائد الدينية، والخبرات الحياتية.

فصلوا أرحامكم، وتواصلوا مع معارفكم، تؤجروا بإذن الله، ويرتفع مقامكم عند الله ويبسط رزقكم.

5- وأُبشّر كل نفس سبق لها الحج، أنها قد أجرت بإذن الله، كونها أفسحت مكاناً للنفوس التي تحج أول مرة، ولقد كانت هذه الفكرة عنوان مقالة قديمة لي "الحج وثوابه العظيم، أم إيثار المسلمين؟"، وكانت هذه أفكارها الأساسية:

الحرم، وعرفة ومنى، ومكة… مهما وسعوها فإنها ستضيق بأعداد المسلمين الهائلة، وكلما خف عدد الحجاج تمكنوا من الطمأنية ومن الخشوع، فكم من مسلم باع بيته وجاء من أقصى الأرض لكي يحج حجة الفرض… فينبغي أن نساعده ليهنأ، ولا نفسد متعته "بالزحام".

ولعل الأولى لكل نفس حجت فرضها: أن تتصدق بهذا المال، أو تجعله في سبيل الله، خاصة في الظروف العصيبة التي يعيشها إخواننا المسلمون، فهذا من فقه الأولويات والموازنات، وهو ما بات يفتي به كثير من الفقهاء المعاصرين.

6- ويمكن لكل مسلم تحصيل الثواب العظيم من دون حج، وذلك بالعمل الصالح في هذا العشر المبارك، مثل: الأضحية، والصيام، والصدقة… بل إن النفس لتثاب بإغاثة الملهوف وإعارة الماعون وتؤجر بالكلمة الطيبة…

وأعجبني ما قرأته على الواتس من اقتراحات للعمل الصالح، والتي اشتقت من مناسك الحج، حيث نصحوا بما يلي، على سبيل الطرافة، مع قصد المعنى:

عليكَِ في هذا العشر:

– "نية" ضبط اللسان عن المحرمات.

– و"الطواف" على الأرحام.

– و"السعي" بحاجات الناس.

– و"المبيت" بصدر سليم.

– و"رمي" الضغائن.

– و"نحر الأضحية".

–  و"التحلل" من الأمانات وحقوق الناس…

وبهذه الأعمال الصالحة السهلة يتحقق بهذا لكل نفس ما كانت تصبو إليه من المغفرة، ومن ثواب أعمال الحج.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد