الحج صانع المفاهيم الحركية 

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/14 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/14 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش

مع تقدم الوقت في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، واقتراب أيام الحج، والوقوف بعرفة، ترى النفوس تهفو وتحن، وإلى تلك الديار تطير وتئن، وهذه أفكار حركية ينطق بها لسان حال الحج وأعماله.

يقول الله سبحانه {وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیق} وهذا النداء المستمر إلى يوم القيامة يستجيب له كل من يُسر له وهو نداء للحركة المستمرة، فالخروج من البيوت والمشاغل والأعمال كالخروج من الدنيا الفانية إلى الدار الآخرة غير أنهم اليوم يعودون إلى أهلهم بحج مبرور وذنب مغفور والذي يخرج إلى الدار الآخرة لا يعود إلى الفانية.

والإحرام كفن المسلم يلبسه اليوم بملء إرادته، يحضر نفسه ليوم سوف يكسى به قهراً من دون قبول منه واستشارة كما هو تجسيد لمعنى التساوي بين العباد لا فرق بين غني وفقير، الكل في غير مخيط.  

وفي الحج يقف الحجيج في عرفة يسألون الله العفو والعافية والمغفرة والتوبة ويسألونه خير الدنيا والآخرة كذلك سوف يقف العباد يوم المحشر ينتظرون الحساب ويرجون الرحمة من رب العباد.  

والطواف حول الكعبة أول بيت وضع للناس {إِنَّ أَوَّلَ بَیۡت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدى للعَـٰلَمِینَ} علامة الوحدة بين المسلمين، كما أن الطواف حول الكعبة يشكل تناغماً رهيباً مع حركة الكون والكواكب، فالكل يدور إلى اليمين، كما يطوف المسلم حول البيت الحرام.

والسعي بين الصفا والمروة تجسيد المثابرة واستمرار السعي الذي جسدته أمنا هاجر يوم كانت تسعى بحثاً عن ماء في أرض غير ذي زرع صحراء لا يرجى بها حتى قطرة ماء مع ذلك لم تفقد الأمل، وثابرت تبحث عن مخرج لها، وكذلك نحن نسعى في مسالك الحياة نجتهد في تحصيل فرج من الله من حيث ندري أو لا ندري.

ورجم الجمرات يمثل الصراع المستمر بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الإنسان والشيطان، يمثل ذلك الصراع اليومي بين الغريزة والطهارة التي تعيش فينا، ونحن نميل بين هذه وتلك.

وعدد الحجاج يفوق الثلاثة ملايين حاج، يتحركون مع بعضهم البعض في أوقات ضيقة وأماكن معينة، بتناغم جميل، يغفر بعضهم لبعض، ويساعد قويهم ضعيفهم، ولا يرفث أحدهم على الآخر حتى يعود الجميع بحج مقبول. 

وهكذا يجسد الحج بيئة للفكر الإسلامي المتجدد بروح إيجابية فاعلة منتجة، ولو أطلنا التفكر في معانيه أكثر لوجدنا ما يملأ النفس قوة ويشحن النفوس بالخير، والحج كما سائر العبادات في الإسلام، غايتها صناعة التقوى عند العباد {ٱلۡحَجُّ أَشۡهُر مَّعۡلُومَـٰت فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡر یَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ}.

وكل عام وأنتم بخير

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
وجدي علي
مهندس وباحث
مهندس وباحث
تحميل المزيد