"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"
ردِّد هذه العبارة ثلاث مرات، ثم صف لي شعورك وأنت تردد هذه العبارة الرائعة، اعزل نفسك عن شواغل الدنيا وكررها، حدثنا عن انطباعك وعن العالم الذي عشت فيه، هذه العبارة ستنقلك من عالم إلى عالم، ستطوف بك حول البيت الحرام، وستسعى بك بين الصفا والمروة، تأثيرها وأنت ترددها أكبر من تأثير شاشات وعدسات ونظارات الواقع الافتراضي؛ لأنها أروع عبارة تحوي أجمل كلمات، تُقال من خيرة الناس في أفضل الأماكن وفي أفضل الأيام، عبارة تشعر بأنها تجمع الأذكار وتلخص العبادات، فيها تلبية واعتراف وحمد ورجاء، فيها ذكر وشكر وحب ودعاء، عبارة لها تأثير كبير على القلوب والعقول، تتوحد اللغات واللهجات والألسنة والألوان في وقت واحد ومكان واحد ونداء واحد، فتصعد لبيك اللهم لبيك إلى السماء حاملة دعوات وآمال قائليها.
لبيك لها أكثر من معنى وأكثر من دلالة، تحمل الكثير والكثير؛ ففيها توحيد خالص، وشكر تام، لبيك معناها أنّي مقيمٌ على طاعتك، مقبل يا رب عليك، تركت كل الدنيا بمباهجها وزخارفها واستجبت لدعوتك وأقمت على طاعتك يا رب وحدك لا شريك لك، وفي الكلمة معنى الترحيب بالتكليف وصفاء النفس، كما لبى إبراهيم أمر ربه، فيها تلبية لنداء إبراهيم حين أذن في الناس، فيها استعداد تام للطاعة وهروب كامل من المعصية.
لبيك اللهم لبيك، لبيك عدت تائباً نادماً واقفاً بين يديك، لبيك فاقبلني وأرجعني يا رب إليك، تقبل توبة عبدك النادم وأوبة عبدك المقصر ودمعة عبدك المذنب، اعف يا رب عن عبدك الضعيف بعيوبه وذنوبه القوي بك وبرحمتك.
لبيك الله لبيك، لبيك إنّا مُتعَبون، لبيك إنّا مغلوبون فانتصر، لبيك جئناك طائعين دامعين داعين، نعرض عليك حال أمتنا -وأنت أعلم- نطلب منك نظرة رضا لعبادك المقاومين الثابتين، ونظرة رحمة لعبادك النازحين المتعبين، ندعوك أن تنصرهم وتفرج كربهم وتنتقم من عدوهم، لبيك جئنا إليك فليس لنا إلا أنت، أنت الناصر والمعين، لبيك فوضناك أمرنا وأمرهم؛ فلا تردنا أو تردهم خائبين، وعدتنا بالنصر وأنت أكرم الواعدين.
لبيك اللهم لبيك، لبيك حتى وإن كنا نقولها خارج حدود الحرم غير محرمين، نرتدي ملابس التضرع ونطوف بذنوبنا حول باب رحمتك نادمين، نسعى بين الطاعة والقبول آملين متفائلين، نرمى معاصينا وذنوبنا بجمرات التوبة والأوبة والحزن الدفين، فاقبلنا يا أرحم الراحمين، فأنت أكرم من أن تقبل من حجاج بيتك وترد الباقين، فكلنا حجاج بقلوبنا ودموعنا ونياتنا:
أنا لست في الحجاج يا رب الورى لكن قلبي بالمحبة كبــّرا
لبيك ما نبض الفؤاد ومـــا دعا داع وما دمع بعين قد جرى
لبيــك.. أعلنهـــا بكل تـــذلـل لبيك ما امتلأت بها أم القرى
لبيــتك يا ذا الجود ما قلب هفا للعفو منك وبالخضوع تدثرا
لبيك ما دعاك داع أو ناداك مناد أو تاب إليك تائب، يا رب هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فأكرمنا كما ستكرمهم، وأنت أجود من أن تردَ عبداً ناداك وناجاك في أي مكان كان.
استدعى بعضُ الخلفاء شعراءَ مصر، فصادفهم شاعر فقير بيده جرّة فارغة ذاهباً إلى البحر ليملأها ماء فتبعهم إلى أن وصلوا إلى دار الخلافة، فبالغ الخليفة في إكرامهم والإنعام عليهم، ولما رأى الرجل والجرّة على كتفه ونظر إلى ثيابه الرّثة قال: من أنت؟ وما حاجتك؟ فأنشد الرجل:
لما رأيت القوم شدوا رحالهم إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي
فقال الخليفة: املأوا له الجرة ذهباً وفضة.. هذا عبدٌ أكرمه عبدٌ فغير حياته، فما بالكم بكرم أكرم الأكرمين وبعطاء رب العالمين؟ أنت أكرم يا الله، املأ حياتنا خيراً بذهاب المعصية وبريق ذهب الطاعة، اغمر حياتنا فرحاً وسعادةً ونصراً وكرماً.
لبيك يا رب، لبيك ما تصدق متصدق، وما استجاب غني لفقير، وما عطف كبير على صغير، لبيك ما كبّر مُكبِّر وما ذكر ذاكِر أو شكر شاكِر، لبيك حباً، لبيك قرباً، لبيك شوقاً، لبيك رجاءً، لبيك كأننا نبكي هناك على عرفات مع الباكين:
لبيك ما لبى الحجيج وكبروا وعلت بمكة أصدق الدعوات
لبيك ما لبيت دعوة تائب وعفوت عن ذنب وعن عثرات
اهتف يا صديقي في الأيام العشر وفي غيرها بقلبك وجوارحك ولسانك مكبراً مهللاً ملبياً، اجعل التكبيرات تخرج لتهدم أصنام العادات السيئة، وتزلزل عروش المعاصي الجاثية، اجعل التلبية تخرج من بيتك ويتردد صداها في مكة، زين بها حياتك وعطِّر بها أيامك وجمِّل بها بيتك، وثق بأنها ستكون سبباً في نجاتك وسعادتك، رددها عملياً باستجابتك لأوامر الله، رددها تطبيقياً بنصرتك لإخوانك، طبقها فعلياً بمسارعتك للخيرات، حققها بخشوعك في العبادات.. والآن لا تنشغل كثيراً بقراءة الكلمات أو متابعة مواقع التواصل والفضائيات، وردد باستمرار أروع العبارات وأجمل الشعارات: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.