لقد قربنا على العام ومازالت قوات الاحتلال وبآلة الحرب الغربية الأمريكية الحديثة تدك مساحة صغيرة جغرافياً والمتبقية من الدولة الفلسطينية وبأسلوب انتقامي إجرامي لم يسبق له مثيل في التاريخ، وبقوة تدميرية هائلة وقوية، حتى إنها أوشكت وبأسلوب متعمد ومُمَنهَج على تدمير البنية التحتية وجميع المنازل والمباني في قطاع غزة بالكامل وإبادة عشرات الآلاف من سكانها معظمهم من النساء والأطفال.
تخيلوا معي أن هذه القوة التدميرية الضخمة التي قيّمها بعض الخبراء العسكريين بأنها تعادل عدة قنابل نووية يتم استخدامها بكل بشاعة وبدون مراعاة للقوانين الدولية على مساحة صغيرة وشريط ممتد على البحر الأبيض المتوسط طوله 41 كيلومتراً وعرضه يتراوح بين 6 كيلومترات و12 كيلومتراً، وهي تعد المساحة الصغيرة المتبقية من دولة فلسطين، بجانب ما تبقى من الضفة الغربية. فكم من الإجرام إذاً الذي يرتكب؟ وكم من الرغبة وحب الانتقام والتعطش لسفك الدماء يمتلكه هؤلاء بين ضلوعهم ومدى الغل والفجور الذي يحملونه في صدورهم، والنية المبيتة لديهم في مسح وإبادة ومحو شعب بأكمله من خريطة دولته!!
حتى إن المتابع للتدمير والمذابح والقتل اليومي الذي يمارس هناك، وللكمية الهائلة من المتفجرات التي تلقى على القطاع طوال ما يقارب العام، يشعر المرء وكأن مخازن الأسلحة الأمريكية والغربية توشك أن تفرغ تماماً من محتوياتها.
ولكن من الواضح أن هناك من تكسّب من جرّاءِ هذه الحرب الطويلة بعد أن انتعشت تجارتهم في السلاح وارتفعت أسهم شركاتهم إلى عناء السماء، ألا وهم تجار السلاح ومصانع الأسلحة في الولايات المتحدة، وإذا عمقنا البحث سوف نجد أنهم نفس هؤلاء الذين منهم من يجلسون على قمة الهرم في المنظومة الأمنية في بلادهم، التي تتخذ قرارات الحرب وتحرك الجيوش لضرب العالم الثالث وفرض إرادتهم عليهم، والبعض الآخر منهم من هم يجلسون على رأس السلطة سواء كانوا في مجالس النواب أو على رأس سلطات الدولة المتحكمين في القرار السياسي والداعمين والممولين لهذه الحروب، وزارعي القلاقل في دول كثيرة والساعين إلى الهيمنة على العالم والتحكم في ثرواته.
وهذا ما يفسر السر في دعمهم المطلق وبدون تحفظ لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ضاربين بالقوانين الدولية والأعراف الإنسانية عرض الحائط، لا يأبهون بقرارات محكمة العدل الدولية التي أدانت ما يحدث من انتهاكات في القطاع، رافضين لقرار الإدانة التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس وزراء الكيان المحتل ووزير الحرب في حكومته، بل قاموا بالاحتجاج على ذلك عازمين على إصدار تشريع يتم به فرض عقوبات على هذه المحاكم الدولية، إنها غطرسة القوة وأسلوب المستعمر الذي لم يتغير على مدى التاريخ.
فليس مستغرباً إذاً أن يكون هذا منهجهم، ونكون نحن شعوب العالم الثالث وخصوصاً شعوب الشرق الأوسط بنك أهدافهم، من أجل تنفيذ مشروعهم وأجندتهم لإحداث تغيير جغرافي وديموغرافي وثقافي في المنطقة، ثم فرض قيمهم وثقافتهم علينا بعد إزالة ومحو ثقافتنا وقيمنا، بواسطة جيش الاحتلال الذي يسعى للتمدد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ومن خلال عملائهم وقوتهم الناعمة الذين تم تجنيدهم في دول المنطقة من أجل تنفيذ ذلك، نراهم جلياً من خلال أبواق مدعومة وممولة لتشويه ثقافتنا وقيمنا وزعزعة الثوابت الدينية لدى شعوب المنطقة وفي دول عدة، متناسيين أن تعدد الثقافات هام جداً ولا غنى عنه في التنوع الصحي والاختلاف المحمود الإيجابي من أجل الإثراء الفكري والتفاهم بين الشعوب. ولكنها ثقافة المستعمر الذي يسعى لتدمير كل شيء للهيمنة على العالم وتركيع الشعوب.
إن هؤلاء هم أعداء السلام والاستقرار الإقليمي والدولي، إنهم أعداء الإنسانية، إنهم مجرمو الحرب الذين يضاعفون ثرواتهم على حساب أمن الناس واستقرارهم.
فمتى يدرك هؤلاء أن الشعوب هي الباقية حتى وإن أمعنوا في القتل والتدمير، وأن مصير المعتدين القتلة أعداء الشعوب إلى نهاية، وأن مسعاهم وأهدافهم الخبيثة سوف تؤول إلى الفشل، وسوف يلاحقهم الخزي والعار، وسوف يدونون في التاريخ مع مجرمي الحرب.
إنها بالتأكيد نهاية الطغاة الحتمية التي قد تروهنا بعيدة، ولكنني أراها قريباً أقرب مما تتصورون، فهذه هي سنة الحياة على الأرض، فكم من الإمبراطوريات التي انتهت في العالم، وكم من الطغاة الذين ألقي بهم في مزبلة التاريخ وعلى مر العصور.
لعلنا نتعظ، لربما نوقف سفك الدماء في المنطقة ونرفع الظلم عن شعوبها، فدماؤنا ليست أرخص من دمائكم، وقيمنا ليست أدنى وأقل من قيمكم.
ولنُدرك تماماً، إنه كلما زاد الطغاة في طغيانهم وازدادوا قسوة، واشتد الكرب وكثر البلاء وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، ثبت الأجر وعظم الثواب، وظهر الفرج، ونصف الله المظلومين من عباده، وأنزل السكينة في قلوب المؤمنين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.