حرب التكنولوجيا الباردة وطاقة المستقبل.. هكذا تتغلب الصين على أمريكا

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/02 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/02 الساعة 08:24 بتوقيت غرينتش
تعبيرية - عربي بوست

إن التحول العالمي إلى مستقبل مستدام يمثل سباقاً مع الزمن، حيث تأتي التكنولوجيا الخضراء في طليعة هذا المسعى الحاسم. على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تقليدياً رائدة في مجال الابتكار، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى تراجع مكانتها في سباق التكنولوجيا الخضراء، خاصة عند مقارنتها بالتقدم الهائل الذي حققته الصين.

تبرز الصين اليوم، كقوة مهيمنة في قطاع التكنولوجيا الخضراء، مستثمرةً بشكل كبير في الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وتكنولوجيا البطاريات. وتظهر التزاماً متيناً بأن تصبح رائدة عالمية في التصنيع الأخضر من خلال أهدافها الطموحة ومبادراتها السياسية. فعلى سبيل المثال، تهدف الصين إلى أن تمثل الطاقة المتجددة 25٪ من إجمالي استهلاكها للطاقة بحلول عام 2030، كما حددت هدفاً لوجود 5 ملايين سيارة كهربائية على طرقها بحلول عام 2025.

إذ تبنت الصين سلسلة من الخطط الوطنية الطموحة مثل مبادرة "صنع في الصين 2025" والخطة الخمسية الرابعة عشرة، التي تركز على تطوير التكنولوجيا الخضراء. هذه الأهداف، بالإضافة إلى الإعانات الحكومية الكبيرة والتركيز على التصنيع المحلي، ساهمت في دفع صناعة التكنولوجيا الخضراء في الصين بوتيرة غير مسبوقة.

فعلى سبيل المثال، ارتفعت حصة الصين في سلسلة توريد الألواح الشمسية من 55% إلى 84% في فترة قصيرة. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن Bloomberg NEF، تنتج الصين 84% من وحدات الطاقة الشمسية في العالم. بالإضافة إلى ذلك، تنتج الصين 89% من الخلايا الشمسية في العالم، و97% من الرقائق والسبائك الشمسية، و 86% من خلايا البولي سيليكون والبطاريات، و87% من كاثودات البطارية، و 96% من أنودات البطارية، و91% من أقطاب البطارية، و85% من فواصل البطاريات.

في عام 2019، بلغت قيمة صادرات الصين من السيارات الكهربائية 400 مليون دولار. وبحلول عام 2023، ارتفع هذا الرقم إلى 34 مليار دولار، وهي زيادة مذهلة بمقدار 85 ضعفاً. هذا النمو الملحوظ حول الصين من لاعب ثانوي في صادرات السيارات العالمية قبل خمس سنوات فقط إلى المصدر الرائد لجميع السيارات على مستوى العالم اليوم.

حالياً، يتم بيع ما يقرب من 60 % من جميع السيارات الكهربائية في العالم في الصين، التي تعد موطناً لثلاث من أكبر أربع شركات مصنعة للسيارات الكهربائية في العالم. في أواخر عام 2023، أصبحت شركة BYD لفترة وجيزة أكبر بائع للسيارات الكهربائية، ما يؤكد الريادة الصينية في هذا القطاع.

حرب التكنولوجيا الباردة وطاقة المستقبل.. هكذا تتغلب الصين على أمريكا
تُعتبر الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم – رويترز

إذ تعد شركة BYD مثالاً حياً على كيفية تحقيق الصين لهذه الهيمنة. فقد طرحت الشركة الصينية السيارات بسعر أقل من 10,000 دولار، ما يعادل نصف سعر السيارة الأمريكية تقريباً. هذه الاستراتيجية السعرية التنافسية، إلى جانب الدعم الحكومي والتكنولوجيا المتقدمة، مكنت الشركات الصينية من اجتياح الأسواق العالمية بسرعة هائلة.

على الرغم من أن تخفيضات الكربون كانت أكثر إثارة للإعجاب في الغرب، فإن الطفرة الخضراء كانت في الأغلب قصة شرقية في الصين تحديداً. فقد تمكنت الصين من الاستحواذ على أكثر من نصف الطاقة الشمسية الجديدة المركبة في العالم العام الماضي، بينما كانت حصتها من طاقة الرياح أكبر، حيث كانت الصين مسؤولة عن حوالي 60 % من جميع القدرات العالمية الجديدة.

ففي غضون ثلاث سنوات فقط، ضاعفت الصين كمية الطاقة الشمسية والرياح التي تنتجها. في المقابل، زادت الولايات المتحدة من طاقتها الشمسية والرياح بأقل من النصف من الزيادة التي حققتها الصين. 

بالإضافة إلى هيمنتها في الطاقة الشمسية والرياح، تتصدر الصين أيضاً إنتاج البطاريات. في العام الماضي، صنعت الصين كمية كافية من البطاريات لتلبية احتياجات العالم بأسره، مما يعزز مكانتها كمركز عالمي لتكنولوجيا الطاقة المتجددة.


استراتيجية الصين متعددة الجوانب للسيارات الكهربائية: الدعم الحكومي والبنية التحتية والابتكار


إن نجاح الصين في سوق السيارات الكهربائية ليس من قبيل الصدفة. إنها شهادة على استراتيجية مدروسة ومتعددة الأوجه تشمل الدعم الحكومي وتطوير البنية التحتية والابتكار التكنولوجي. ولعبت الحكومة الصينية دوراً محورياً في تعزيز نمو صناعة السيارات الكهربائية من خلال الإعانات السخية والحوافز الضريبية والأهداف الطموحة لاعتماد المركبات الكهربائية. وقد أدى هذا النهج الاستباقي إلى تحفيز الطلب، وشجع المصنعين على الاستثمار في الإنتاج، وخلق بيئة مواتية لاعتماد السيارات الكهربائية.

 إن التزام الصين ببناء بنية تحتية قوية للسيارات الكهربائية أمر مثير للإعجاب، إذ تمتلك البلاد أكبر شبكة في العالم من محطات الشحن مع ملايين أجهزة الشحن المنتشرة في جميع أنحاء المناطق الحضرية والريفية. وجعلت هذه الشبكة من محطات الشحن الناس أقل قلقاً بشأن نفاد البطارية أثناء قيادة السيارات الكهربائية وجعلت من السهل استخدامها كل يوم. علاوة على ذلك، قامت الصين باستثمارات كبيرة في تكنولوجيا البطاريات ومرافق إعادة التدوير، مما يضمن نظاماً بيئياً مستداماً وفعالاً للسيارات الكهربائية.

أظهرت شركات صناعة السيارات الصينية مرونة وابتكاراً ملحوظين في مجال السيارات الكهربائية. فقد قامت شركات مثل BYD و SAIC Motor و NIO بتوسيع محافظ منتجاتها بسرعة، مقدمةً مجموعة واسعة من طرازات السيارات الكهربائية لتلبية احتياجات وتفضيلات المستهلكين.

فتركيز الشركات الصينية على التقدم التكنولوجي أدى إلى تحقيق اختراقات كبيرة في كفاءة البطارية، المدى، وسرعات الشحن. هذه التحسينات التقنية جذبت المزيد من المستهلكين وزيادة الثقة في التكنولوجيا الصينية.

لماذا تتخلف الولايات المتحدة في مجال السيارات الكهربائية؟ 

بينما تمتلك الولايات المتحدة إمكانات كبيرة في قطاع التكنولوجيا الخضراء، فقد أعاقت عدة عوامل تقدمها في سباق السيارات الكهربائية. فقد أدى الاستقطاب السياسي والسياسات غير المتسقة إلى خلق مناخ استثماري غير مؤكد بالنسبة لمصنعي السيارات الكهربائية ومقدمي البنية التحتية. وأدى غياب استراتيجية وطنية شاملة للسيارات الكهربائية إلى نهج مجزأ، يفتقر إلى التماسك والرؤية الطويلة الأجل اللازمة للتنافس مع الجهود المركزة التي تبذلها الصين.

بالإضافة لذلك، تواجه الولايات المتحدة أيضًا فجوة كبيرة في البنية التحتية للمركبات الكهربائية. وعلى الرغم من أن محطات الشحن أصبحت أكثر انتشاراً، إلا أن توزيعها لا يزال متفاوتاً، خاصة في المناطق الريفية. هذا النص في خيارات الشحن التي يمكن الوصول إليها يعيق اعتماد السيارات الكهربائية على نطاق واسع ويساهم في تردد المستهلك. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على مكونات المركبات الكهربائية المستوردة، وخاصة البطاريات، مما يجعلها عرضة لاضطرابات سلسلة التوريد.

كانت صناعة السيارات الأمريكية، التي تركز تقليدياً على السيارات التي تعمل بالبنزين، بطيئة نسبياً في احتضان ثورة السيارات الكهربائية. في حين أن بعض الشركات مثل تسلا وجنرال موتورز قامت باستثمارات كبيرة في تطوير وإنتاج المركبات الكهربائية، إلا أن شركات أخرى كانت مترددة في الالتزام الكامل، خوفاً من تعطيل نماذج أعمالها الراسخة. وقد سمح هذا التردد لشركات صناعة السيارات الصينية بالحصول على موطئ قدم كبير في سوق السيارات الكهربائية العالمية.


سباق ذو تداعيات عالمية

إن سباق السيارات الكهربائية بين الولايات المتحدة والصين له آثار بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي والاستدامة البيئية والديناميكيات الجيوسياسية. يمكن أن تترجم هيمنة الصين في سوق السيارات الكهربائية إلى مكاسب اقتصادية كبيرة، بما في ذلك خلق فرص العمل، والقيادة التكنولوجية، وزيادة الصادرات. وعلى العكس من ذلك، تخاطر الولايات المتحدة بالتخلف عن الركب في صناعة سريعة النمو وفقدان ميزتها التنافسية في السوق العالمية.

علاوة على ذلك، يرتبط سباق السيارات الكهربائية ارتباطاً وثيقاَ بمكافحة تغير المناخ. توفر السيارات الكهربائية بديلاً أنظف وأكثر استدامة للسيارات التي تعمل بالبنزين، مما يسهم في تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتخفيف الآثار السلبية لتغير المناخ.

يشكل سباق السيارات الكهربائية أيضاً منافسة جيوسياسية. يمكن أن يعزز النفوذ المتزايد للصين في سوق السيارات الكهربائية العالمية من مكانتها كقوة تكنولوجية واقتصادية. ومن ناحية أخرى، تخاطر الولايات المتحدة بالتخلي عن دورها القيادي في صناعة حيوية ذات آثار استراتيجية كبيرة. اليوم، تسيطر الصين على أكثر من 80% من العديد من الجوانب الأساسية لسلسلة توريد الطاقة النظيفة العالمية، بينما لا تسيطر الولايات المتحدة على أي منها تقريباً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد