إن حكم محكمة العدل الدولية ومن ثَمَّ قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مع سلبياته حول الحرب في قطاع غزة يعد حكماً تاريخياً، ومن شأنه أن يجعل من إسرائيل دولة منبوذة داخل النظام الدولي.
فمنذ ذلك الحين باتت تخضع تصرفات إسرائيل الهمجية في حرب غزة للتدقيق القانوني الذي قد تكون له عواقب مهمة، بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، في لاهاي، سلسلة من الإجراءات الاحترازية الملزمة لإسرائيل، التي تعترف بسلطة المحكمة. وتهدف هذه الإجراءات إلى تخفيف الوضع اليائس الذي يعيشه السكان المدنيون في القطاع، وتجنب أي عمل يشكل إبادة جماعية وفقاً لاتفاقية عام 1948.
بالإضافة إلى ذلك، فإنها تفرض الالتزام بعدم تدمير أي دليل من شأنه أن يدين إسرائيل، والمحكمة أيضاً لم ترفض الجزء الأكثر أهمية من الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وهي نية الإبادة الجماعية ضد السكان الفلسطينيين . وترى المحكمة أن هناك مؤشرات لتقييم الاتهام الخطير، لكنها تدرك أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يصدر حكم في هذا الشأن، وتأمر بسلسلة من الإجراءات ذات الأثر الفوري لوقف ما يحدث والحفاظ على أدلة الجريمة ويجب على نتنياهو أن يقدم أدلة خلال شهر على أنه يلتزم في الواقع بأحكام الهيئة القضائية التابعة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة، فإنها لا تتمتع بسلطة إنفاذها. فقد أمرت، على سبيل المثال، روسيا بوقف غزوها لأوكرانيا، ولكن دون أي أثر لذلك. لكن التاريخي اليوم، أنه وللمرة الأولى، تواجه إسرائيل بقيادة رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو نظاماً دولياً يؤدي عدم الامتثال له إلى عواقب بعيدة المدى أكثر من التجاهل المعتاد لقرارات الأمم المتحدة.
فلأول مرة يواجه نتنياهو وأعضاء من حكومته تهديداً بالاعتقال، رغم أن القرار ساوى بين الجلاد والضحية، لكنه قد يجعل من إسرائيل دولة معزولة ومنبوذة، مما يضع علامات استفهام على أساطير الاحتلال كدولة ديمقراطية وحضارية وحيدة في الشرق الأوسط.
يزداد الضغط على الاحتلال وقادته بشكل غير مسبوق، إذ يواجه بنيامين نتنياهو اليوم نظاماً دولياً ربما يؤدي عدم الامتثال له إلى عواقب بعيدة المدى أكثر من التجاهل المعتاد لقرارات الأمم المتحدة التي اعتادت إسرائيل على تجاهلها، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث مرة أخرى لو طلبت محكمة العدل الدولية وقفاً فورياً لإطلاق النار.
فاستمرار أفعاله في غزة قد تؤدي بإسرائيل إلى المحاكمة بتهمة الإبادة الجماعية، وهذا سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على إسرائيل وصورتها في العالم، فبداية تم تدمير سرديتها لصالح المزيفة، وأصبح أغلب الشعوب في العالم تدرك حقيقة الاحتلال وما يفعله بأرض فلسطين. كما أن إعلان أيرلندا والنرويج وإسبانيا أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، سيضيف إلى الضغوط التي تتعرض لها إسرائيل دولياً.
بالإضافة إلى ذلك، حتى ولو تجاهلت إسرائيل أوامر المحكمة، فإن ذلك يضع مزيداً من الضغط على داعمي الاحتلال، فقرار محكمة العدل الدولية، بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية في غزة يشكل اختباراً أيضاً للدعم غير الأخلاقي الذي يقدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة وسط ضغوط دولية متزايدة لوقف إطلاق النار، خاصة وأن الولايات المتحدة دفعت الدول الأخرى إلى احترام قرارات المحكمة الدولية في قضايا أخرى.
مما سيجعل الولايات المتحدة تجد صعوبة في قبول عدم امتثال إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية، الولايات المتحدة نفسها هي من أيدت بقوة الأوامر المؤقتة الصادرة عن المحكمة فيما يتعلق بأوكرانيا وميانمار وسوريا.
ستأخذ إسرائيل هذه القضية على محمل الجد؛ لأن أوامر المحكمة لها تأثير حقيقي، إذ ربما تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها تعامل على أنها منبوذة إذا تحدت الأوامر وبأن مسؤوليها أصبحوا مهددين، وأن هناك من يمكن أن يحاسبهم على جرائمهم .
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.