وكأنها إحدى الديكتاتوريات.. لماذا تخاف أمريكا من تيك توك؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/13 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/13 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
صورة لشعار تطبيق تيك توك فوق العلم الأمريكي (تعبيرية)/رويترز

أشعلت الحملة الأخيرة لحظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة جدلاً ساخناً حول التوازن الدقيق بين مخاوف الأمن القومي والحريات المدنية الفردية. بينما يتصارع المشرعون مع الآثار المترتبة على هذا القرار. إذ تعتبر العديد من الشخصيات الحكومية في الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك" تهديداً محتملاً للأمن القومي. على مدار السنوات الماضية، أثارت الخلفية الصينية للملكية التطبيق مخاوف متزايدة بين المسؤولين والمشرعين الأمريكيين. ما بدأ كموضوع قلق بسيط تطور مؤخراً إلى حملة مكثفة ضمن أروقة الكونغرس الأمريكي.

لكن بتجنب الذهاب وراء ما يروج له المشرعون الأمريكيون، يجب ملاحظة أن المراقبة الداخلية الأمريكية تتمتع بتاريخ مقلق في استهداف المجتمعات المهمشة. وفي ستينيات القرن العشرين، واجه النشطاء السود تدقيقاً مكثفاً، وفي فترة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، حين خضع الأمريكيون المسلمون للمراقبة بشكل عنيف، ويمكن قراءة هذه الخطوة الأخيرة لحظر تيك توك في  إطار ذلك النمط.

وقع الرئيس بايدن مؤخراً على مشروع قانون يمنح بايت دانس، يمنح المالك الصيني لمنصة التواصل الاجتماعي، شركة بايت دانس 9 أشهر (أو ما يصل إلى عام، في ظل ظروف معينة) لتجريد نفسها من أعمالها في الولايات المتحدة. إذا فشلت بايت دانس في القيام بذلك، فسيصبح من غير القانوني للكيانات الأمريكية تقديم خدمات استضافة الويب إلى تطبيق تيك توك، ما سيؤدي إلى حظر التطبيق فعلياً في عام 2025.

لكن قررت بايت دانس أن تتحدى ذلك الطعن في هذا القانون في المحكمة بحجة أنه غير دستوري، وأنها ستحاول حماية مصالحها ومنع البيع القسري أو الحظر الكامل لتيك توك في الولايات المتحدة. 

هذا التضييق على الشركة الصينية ليس بالأمر الجديد، فمنذ احتلال تيك توك أعلى رقم تحميلات على الهاتف في الولايات المتحدة عام 2018، وهو يعاني من صداع في العلاقة مع واشنطن. ففي عام 2020 ، أصدر الرئيس السابق، دونالد ترامب أمراً تنفيذياً لحظر التطبيق فعلياً في الولايات المتحدة من خلال منع الكيانات الأمريكية من إجراء معاملات مع بايت دانس. وكان من المقرر في البداية أن يدخل هذا الأمر حيز التنفيذ أواخر نفس العام. لكن استمرت المعركة القانونية، وظلت تيك توك تعمل في الولايات المتحدة. 

صعود تيك توك

تيك توك منصة فيديو قصيرة اجتاحت العالم عن طريق العاصفة. مع وجود أكثر من مليار مستخدم على مستوى العالم، فقد أصبحت ظاهرة ثقافية تسمح للأشخاص بالتعبير عن أنفسهم من خلال الموسيقى والكوميديا ​​والمحتويات الإبداعية الأخرى. ومع ذلك، فإن صعودها السريع أثار أيضاً الدهشة بين صناع السياسات، خاصة بسبب ملكيتها الصينية. 

مع الاعتراف بعيوب تيك توك، من الضروري أن ندرك أن النظام البيئي للبيانات بأكمله استغلالي وضعيف، بغض النظر عن جنسية ملكية التطبيق. لذلك، يبدو أن الاندفاع في الولايات المتحدة، لحظر تيك توك مدفوعاً بالرغبة أخرى غير ما تدعيه من حماية بيانات المستخدم من الحكومات الأجنبية. 

إذ لم نشهد نفس الغضب من جانب السياسيين الأمريكيين من شركة "ميتا" بشأن الإدعاءات التي طالت الشركة بأن البيانات الواردة من تطبيقاتها، ربما تكون قد استخدمت من قبل الجيش الإسرائيلي في استهداف الفلسطينيين. بل لم تبدِ حتى تخوفاً لما قالته منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير صدر العام الماضي خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، إن شركة ميتا عبر تطبيقي فيسبوك وإنستغرام، أسكتت بشكلٍ متزايد الأصوات الداعمة لفلسطين، وهي بذلك أساءت استخدام سياساتها بشأن "المحتوى العنيف والصادم"، و"العنف والتحريض"، و"الخطاب الذي يحضّ على الكراهية"، و"العري والنشاط الجنسي للبالغين"، وأزالت الشركة عشرات المنشورات التي توثّق الإصابات والوفيات الفلسطينية التي لها قيمة إخبارية الآلاف المحتوى الداعم لفلسطين.

لماذا تخاف أمريكا من تيك توك؟

ربما يمكن تفسير ذلك هذا السلوك الأمريكي تجاه تيك توك دون غيرها، إذ ما نظرنا في الانتشار السريع لتطبيق، ففي غضون أربع سنوات فقط، حقق تيك توك ما استغرقته منصتا فيسبوك وإنستغرام عقداً كاملاً لتحقيقه. بات التطبيق محطة رئيسية لجيل الألفية الجديد، الذين وُلدوا بين عامي 1997 و2012. وفقاً لأحدث الإحصاءات، يستحوذ مستخدمو جيل 44.7% من مستخدمي تيك توك في الولايات المتحدة. هذا في الوقت الذي تراجع فيه حضور هذه الفئة العمرية على منصات التواصل القديمة مثل فيسبوك، حيث لم تتجاوز نسبتهم 17.4%. ووفقاً لتقديرات صحيفة "فايننشيال تايمز"، بلغت القيمة السوقية لتيك توك 148 مليار دولار، مع أكثر من 1.7 مليار مستخدم نشط حول العالم، وتم تحميل التطبيق أكثر من أربعة مليارات مرة. 

فخلال فترة قصيرة، نجح التطبيق في ترسيخ مكانته ضمن الثقافة الأمريكية، وخاصة بعد الانفجار العالمي لشعبيته. ما كان يعتبر سابقاً منصة لمقاطع فيديو الرقص للمراهقين، أصبح الآن بديلاً جذاباً للتلفزيون، الصحف، وحتى محركات البحث. لذلك، لا يمكن فهم الحملة الأمريكية ضد تيك توك دون الإشارة إلى الصورة الأوسع. إذا أُقر مشروع القانون المعني، سيكون ذلك جزءاً من الجهود الغربية لاحتواء الصين والحد من تطورها التكنولوجي. وعلى الرغم من المخاوف الأمريكية المتعلقة ببيانات مواطنيها، يشير إيان بريمر في مجلة تايم إلى أن "الحظر الكامل لتيك توك لن يجدي نفعاً في معالجة المشكلة الجوهرية المتمثلة في إمكانية وصول الحكومة الصينية إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين عبر الإنترنت". 

من الصعب عدم استنتاج أن حظر تيك توك يتم التضييق عليه في هذه اللحظة بسبب تأثيره في تمكين الأصوات التي تم تهميشها سابقاً، فتيك توك اليوم أداة ذات تأثير كبير على الخطاب العام وهو ما أضر بالرواية الأمريكية الرسمية. في هذا الإطار، كان لافتاً التصريح الذي أدلى به رئيس دولة إسرائيل، إسحق هرتسوغ، في نهاية شهر ديسمبر، حيث علّق على الدعم الغربي المتزايد للقضية الفلسطينية بقوله إن "تيك توك قد غسل عقول الشعب الأميركي". بعد مثل هذا التصريح، لا يُعد مفاجئاً اكتشاف أن النائب الأمريكي مايك غالاغر، الذي قدم مشروع قانون لحظر تيك توك، قد تلقى في عام 2022 أكبر دعم مالي لحملته الانتخابية من قبل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك).إن التركيز على ممارسات تيك توك بهذا الشكل دون غيره يسلط الضوء على المعايير المزدوجة لأمريكا والتابعين لها. إذ تقوم شركات التكنولوجيا الأمريكية بشكل روتيني بجمع كميات هائلة من بيانات المستخدم، وغالبا دون موافقة صريحة. وقد واجهت شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة مثل فيسبوك وجوجل التدقيق بسبب ممارساتها المتعلقة بمشاركة البيانات، ومع ذلك فهي تواصل العمل بحرية. يكشف هذا الغضب الانتقائي من الأدارة الأمريكية بشأن ادعاءات مشاركة تيك توك المحتملة للبيانات عن تحيز يقوضه خوف الإمبراطورية الأمريكية من فقدان هيمنتها المتداعية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد