تستمر القضية الفلسطينية في جذب تعاطف متزايد ونقاش محتدم، خاصة في سياق حرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة. وقد أدت الجرائم الإسرائيلية إلى تكثيف الانتقاد الصريح والإدانة الدوليين، مما أدى إلى مناورات دبلوماسية كبيرة في الأمم المتحدة وغضب شعبي مناصر لغزة وأهل فلسطين في جميع أنحاء العالم.
على الصعيد الدبلوماسي، قدمت المجموعة العربية، برئاسة دولة الإمارات، مشروع قرار قدمته إلى الأمم المتحدة يدعو إلى الاعتراف بفلسطين دولة ذات سيادة تعادل دول العالم الأخرى. وكشف التصويت عن نصر ساحق للفلسطينيين: 143 صوتاً مؤيداً، و9 معارضين، و25 امتناعاً عن التصويت، مما يعكس إجماعاً عالمياً كبيراً على حق الفلسطينيين في إقامة دولة وتقرير المصير. ويتناقض هذا الاتفاق العالمي بشكل واضح مع تصرفات التحدي والوقاحة الدبلوماسية التي اتخذها ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الذي مزق ميثاق الأمم المتحدة أمام أعين جميع ممثلي دول العالم في رفض رمزي للرأي العام الدولي.
إن هذا التحدي في الأمم المتحدة يسلط الضوء على نمط أوسع من العزلة والمقاومة الدولية التي تواجهها إسرائيل بسبب جرائمها في غزة. وقد اتخذت شخصيات عالمية بارزة، مثل الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، مواقف حازمة. حيث قطع الرئيس بيترو العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وطالب المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، متهماً إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية. ويدل هذا على تصعيد كبير في ردود الفعل الدبلوماسية ويسلط الضوء على الاستعداد المتزايد لزعماء العالم لاتخاذ موقف ضد انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان.
ولا يقتصر خطاب التعاطف مع القضية الفلسطينية على أروقة السلطة، بل امتد إلى الشوارع والجامعات في جميع أنحاء العالم. وفي الولايات المتحدة، تجلى التضامن مع فلسطين في الحركات الطلابية والمظاهرات العامة، التي أظهرت قدراً ملحوظاً من الصمود والتنظيم، على الرغم من حملات الشرطة والأمن القمعية القاسية. على سبيل المثال، أثارت مداهمات الشرطة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة نيويورك، بهدف تفكيك مخيمات التضامن مع غزة، الغضب ولفتت الانتباه إلى أهمية جهود التضامن واستمراره على الرغم من السعي إلى إسكاته وتصفيته. هذه المعسكرات ليست مجرد مواقع للاحتجاج، ولكنها منصات مجتمعات تعليمية وازنة، تقدم برامج حول التاريخ والسياسة والاقتصاد، وتعزز المشاركة العميقة في القضايا المطروحة.
هذه المبادرات التي يقودها الطلاب هي شهادة على روح الدعوة والمقاومة الدائمة بين الناشطين الشباب. إن المخيمات المجهزة بموارد مثل مكتبة رفعت العرير، التي تحمل اسم الشاعر والأكاديمي الفلسطيني الكبير، هي بمثابة مراكز للمعرفة والمقاومة. فهي توفر منصة للتعامل مع الجمهور وتثقيفهم حول الفروق الدقيقة في المحنة الفلسطينية، مما يزيد من تضخيم صوتهم وتوسيع دائرة تأثيرهم.
لقد شعرت الدوائر الرسمية الأمريكية المناصرة لإسرائيل بخطورة هذه المظاهرات والاحتجاجات بما تحمله من وعي بعدالة القضية الفلسطينية، ولذلك اتخذت الهيئات التشريعية الأمريكية إجراءات تشريعية تهدف إلى الحد من مظاهر التضامن هذه. وفقاً للمكتبة الافتراضية اليهودية، قامت 38 ولاية أمريكية بسن قوانين أو أوامر تنفيذية لتثبيط المقاطعة ضد إسرائيل، مما يعكس الحجم والتأثير المتزايد لحملات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS). وتؤكد ردود الكونغرس، بما في ذلك القرارات التي تدين مقاطعة إسرائيل، على الطبيعة المثيرة للجدل للقضية داخل السياسة الأمريكية.
هذا الانقسام بين الدعم العام للحقوق الفلسطينية والتدابير الحكومية لتقييد الدعوة المؤيدة للفلسطينيين يسلط الضوء على الانقسام العميق في كيفية التعامل مع هذه القضية في الساحات المختلفة. ويشير الدعم الواسع لحركة المقاطعة وغيرها من أشكال الاحتجاج ضد الجرائم الإسرائيلية إلى مشاركة عامة قوية في قضايا حقوق الإنسان، حتى في الوقت الذي تسعى فيه الهيئات التشريعية إلى الحد من هذا النشاط.
وتسعى الحركة الطلابية والاحتجاجات الشعبية المناصرة لفلسطين اليوم إلى توسيع دائرة المقاطعة الشعبية والرسمية إلى دوائر الرياضة والأحداث الرياضية العالمية. ويتجلى هذا التمديد في المطالب المتزايدة داخل أوروبا لتطبيق العقوبات المتعلقة بالرياضة ضد إسرائيل. وتسلط الاحتجاجات الشعبية الضوء على ازدواجية المعايير لدى الأوربيين، حيث وعلى الرغم من التطبيق الواسع النطاق للعقوبات الرياضية والثقافية ضد روسيا من قِبل الحكومات الأوروبية نتيجة غزو أوكرانيا، لا يزال هناك تردد ملحوظ عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ويسلط هذا الاختلاف في المعاملة الضوء أيضاً على شكل من أشكال المعايير المزدوجة في السياسة الدولية، حيث غالباً ما تلون المصالح الاقتصادية والتحالفات الجيوسياسية القرارات المتعلقة بتحديد الدول التي سيتم معاقبتها على الساحة العالمية.
إن التردد في استبعاد إسرائيل من الأحداث الرياضية الدولية، مثل كأس الأمم الأوروبية، لم يمر دون منازع حيث تتصاعد الضغوط الشعبية لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل وحرمانها من المشاركة في الأحداث الرياضية العالمية، وتتراوح هذه الضغوط الشعبية من خلال المظاهرات الحاشدة والدعوة من جانب بعض الهيئات الرسمية في مختلف أنحاء أوروبا للمطالبة بطرد إسرائيل من المسابقات الرياضية الدولية. ويعكس هذا الاحتجاج العام شريحة كبيرة من الرأي العام العالمي الذي يسعى إلى مساءلة الدول عن أفعالها من خلال كل قناة ممكنة، بما في ذلك الرياضة.
ومن الأمثلة المؤثرة على هذه الحركة المزدهرة و الآخذة في الاتساع والتطور ما ظهر في عالم الرياضة الأوروبية، حيث تصدر المنتخب الأيرلندي عناوين الأخبار برفضه مصافحة الفريق الاسرائيلي في التصفيات المؤهلة لبطولة كرة السلة الأوروبية للسيدات في ريجا، لاتفيا. إن مثل هذه اللفتات، رغم كونها رمزية، إلا أنها تؤكد عمق المشاعر والجدية التي يتم بها النظر إلى هذه القضايا في المجتمع الرياضي.
ولزيادة تضخيم هذه الدعوة إلى العمل، اتخذت "الحركة من أجل الديمقراطية في أوروبا 2025″، وهي مجموعة مناصرة هامة، طريقاً أكثر رسمية من خلال تقديم عرائض رسمية إلى الهيئات الإدارية الرياضية الكبرى، بما في ذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا). وتؤكد العريضة، التي حصلت على أكثر من 70 ألف توقيع، على الشعور العام القوي والمتزايد بأن إسرائيل يجب أن تواجه عواقب في مجال الرياضة الدولية، على غرار تلك التي تواجهها الدول الأخرى التي تنتهك الأعراف والأخلاق الدولية.
إن توقيت هذه العريضة أمر بالغ الأهمية، لأنه يتماشى مع الفترة التي تسبق الألعاب الأولمبية في باريس، وهو حدث عالمي يشاهده الملايين، حيث يمكن لوجود أو غياب إسرائيل أن يحدث بياناً قوياً. ومن خلال مواءمة جهودهم في مجال الدعوة مع مثل هذا الحدث البارز، يهدف النشطاء إلى جذب اهتمام دولي كبير لقضيتهم، والاستفادة من المسرح العالمي لتسليط الضوء على التناقضات في كيفية التعامل مع البلدان المختلفة على أساس القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
هذه الاستراتيجية المتمثلة في استهداف الرياضة للتأثير على الأمور السياسية ليست جديدة، ولكنها اكتسبت زخماً في السنوات الأخيرة كشكل من أشكال الاحتجاج السلمي ولكن المؤثر. توفر الأحداث الرياضية، نظراً لظهورها الكبير والارتباط العاطفي الذي تولده بين المشجعين، منصة قوية للاحتجاج، ويُنظر إليها بشكل متزايد على أنها مكان للتعبير عن المعارضة وفرض الحوار حول قضايا حقوق الإنسان الحاسمة.
ومع اكتساب هذه الجهود زخماً، فإنها تعكس نمطاً أوسع من دمج النشاط في مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث يستفيد الأفراد والجماعات من كل منصة متاحة لإحداث التغيير وتسليط الضوء على معاناة شعب بأكمله. سواء من خلال مقاطعة المنتجات، أو تعطيل التعاون الأكاديمي، أو استبعاد إسرائيل من الأحداث الثقافية والرياضية، فإن هذه الإجراءات هي أجزاء مترابطة من استراتيجية أكبر تهدف إلى الضغط على الحكومات لإعادة النظر في سياساتها ودعمها لإسرائيل والالتزام بالمعايير الدولية.
ختاماً، في جوهرها، فإن حملات الاحتجاجات والاعتصامات الجارية ضمن حركة المقاطعة ضد إسرائيل في الرياضة والثقافة والدبلوماسية والاقتصاد والسياسة هي شهادة على الانتشار الواسع لصوت أنصار القضية الفلسطينية العادلة. وهي بالطبع انعكاس واضح لحقيقة أن الأسلحة الإسرائيلية التي تصنعها الشركات الإسرائيلية بالتعاون مع الجامعات الغربية يتم اختبارها على الفلسطينيين العزل في غزة. ولذلك فلا ينبغي لشعوب العالم الحرة أن تسمح لمرتكب هذه الجرائم بالتهرب من المسؤولية والاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إن حركات المقاطعة بجميع أشكالها هي تكريس لقوة الأفراد العاديين خارج النطاق الحكومي الذي أثبت عدم فاعليته في تحقيق العدالة لشعب يرضخ تحت الاحتلال والإبادة كل يوم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.