منذ حدوث النكبة عام 1948 ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر الشواهد الحقيقية على معاناة الشعب الفلسطيني، وشواهد حية على الجرائم الصهيونية بحقه، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه برزت كأحد أكبر معالم الصبر والصمود والعطاء الفلسطيني، والإصرار على أن اللجوء مؤقت بانتظار العودة إلى فلسطين.
غير أن هذه المخيمات، خصوصا في الشتات، أصبحت عرضة للنكبات، لقد دفع اللاجئون الفلسطينيون فاتورة غالية جراء النفاق الغربي الذي كرس كل ظروف الحياة الكريمة للاجئين الأوكرانيين فلم يحتاجوا للوقوف في طوابير طويلة للحصول على تصاريح اللجوء ولم يُحبسوا في مكان واحد دون تحرك ولم يعانوا من الفقر والجوع فشتان بين هذا وذاك اللاجئ الفلسطيني الذي يقبع في مخيمات اللاجئين في لبنان التي تنعدم بها أدنى شروط المعيشة، فلا بنية تحتية، ولا اهتمام حكوميا، وليس لهم أي حقوق مدنية واقتصادية، وليس لهم حرية التنقل والسفر، ومحرومون من الرعاية الصحية والطبية.
والحال لا يختلف كثيرا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا فلهم مأساة أخرى كيف لا وهم من فروا من حرب ليجدوا حرباً أخرى انعكست تداعياتها العميقة عليهم قتلا وتهجيرا واعتقالا وتشريدا.
فأن تكون فلسطينيا فليس شرطاً أن تكون لاجئاً خارج وطنك فيكفي أن تكون داخل غزة لتشعر بأنك مقيد داخل وطنك الأم في شريط ضيق بين البحر والأراضي المحتلة عام 48 حيث تواجه الحرب والحصار المتواصل، وتأثير الانقسام، وقلة فرص العمل، ناهيك عن سوء الأوضاع الصحية للمخيمات الفلسطينية حيث تزداد الاوضاع سوءا يوما بعد يوم نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة الى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية التي لا تكترث لأوضاع المتردية للاجئين داخل القطاع في حين يلاقي اللاجئين في مخيمات الضفة الغربية معاناة مداهمات قوات الاحتلال التي تواصل اقتحام المُخيّمات الفلسطينيّة وتشن حملات الاعتقال اليومية في مناطق مختلفة من محافظات الضفة وخاصّة في المُخيّمات، حيث تأتي هذه الاعتقالات لكسر جذوة الشباب الفلسطيني اللاجئ في المقاومة، وهذا في ظل حالة اصرارهم على النضال ضد الاحتلال بكافة الأشكال.
ومن هذه المخيمات هناك 58 مخيما مسجلا رسميا لدى وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين حيث توزع على 19 مخيما في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة وعشرة مخيمات في الأردن وتسعه في سوريا و12 مخيما في لبنان، إضافة إلى المخيمات غير المعترف بها لدى الأونروا في هذه المناطق ومنها أيضا ما تم تدميره أو نقل سكانه أو إغلاقه.
في حين، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حاليا نحو خمسة ملايين و400 ألف لاجئ، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين؛ فالكثير من الفلسطينيين رفض التسجيل لدى الأونروا لاستغنائه عن خدماتها، كما أن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الأونروا التي تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.
في بدايات اللجوء، رفض الكثير من الفلسطينيين في المخيمات تحويل الخيام التي يسكنونها إلى أبنية، غير أن طول المعاناة فرضت نفسها على واقعهم، فاضطروا للتكيّف التدريجي مع أوضاعهم.. فاتخذت المخيمات شكل أبنية بسيطة مكتظة، تفتقر للتنظيم المدني والبنى التحتية والخدمات، لتصبح نسخة محدَّثة من المعاناة اليومية المستمرة.
وعلى الرغم من استبدال الخيمة بالبيوت الطينية، ومن ثم الإسمنتية، فقد حافظ المخيم على اسمه في الوعي الجماعي للفلسطينيين، كنوع من الرغبة بأن يكون مكانًا طارئا للإقامة المؤقتة، فالمخيم شاهد على نكبة الشعب الفلسطيني، وشاهد على الجرائم الصهيونية التي ارتكبت بحقه، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، برز كأحد معالم الصبر والصمود والعطاء والنضال الفلسطيني، فمن قلب المخيم خرجت الحركات الثورية، وكان أبناء اللاجئين هم جنودا للنضال والمقاومة فالمخيم كان وما زال دافعا لتحرير الأرض وتحقيق العودة.
كانت مخيمات اللاجئين وما زالت الجسم المؤرق لحكومات إسرائيل، لذلك سعت إلى وضع الخطط والمشاريع لإنهاء وجود المخيمات وتصفيتها في محاولة لتذويب اللاجئين في المحيط المحلي وإنهاء دور وكالة الغوث، فقد صرح دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الإسرائيلية في آذار عام 1957، بينما كانت إسرائيل تستعد للانسحاب من قطاع غزة بان قطاع غزة سيبقى مصدرا للمشاكل ما لم يوطن اللاجئون في مكان آخر.
وجاء أيضا في السيرة الذاتية لشارون قوله: (إنني أعتقد أنه حان الوقت لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وإنني مستعد للقيام بذلك وسيكون من مصلحتنا إلى حد كبير أن نقضي عليها نهائيا وإلى الأبد، وفي رأيي أن مثل هذا الأمر ممكن )، حيث كان ذلك أساس خطة شارون والتخلص من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين كليا.
وما المحاولات استهداف وكالة الغوث من تقليص للخدمات وتغيير نمط توزيع الإغاثة الاجتماعية إلا محاولة يائسة لتصفيتها لأن إسرائيل تعتقد أنه بتحسين أوضاع المخيمات وإلغاء دور وكالة الغوث سيصبح اللاجئون الفلسطينيون غير مطالبين بالعودة، ويفرض عليهم المكان الذي يقيمون به مكان الاقامة الدائمة، لأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم ليس في مصلحة إسرائيل من حيث خوفها من البعد الديمغرافي على دولة الكيان وسعيها الدائم لإقامة دولة يهودية نقية في فلسطين المحتلة على ان تكون خالية من أي وجود للعنصر العربي.
أما المفتاح الذي يجب أن لا ننساه حيث يعد المفتاح أحد أهم الرموز التي يعبر الفلسطينيون بها عن تمسكهم بحق العودة إلى الأراضي المحتلة عام 1948. ولم تعد تقتصر رمزية هذا المفتاح على اللاجئين فقط، بل غدا ثقافة جمعية في الوعي الفلسطيني وبين غير اللاجئين في الضفة وغزة وفي الشتات
أخذ المفتاح أشكالا أخرى، وتحول إلى عنصر أساسي في قصص وأشعار اللجوء، وفي الفن التشكيلي، وبات ينافس الكوفية في الدلالة على الهوية الفلسطينية، وصمم البعض أكبر مفتاح إظهارا لمدى الاهتمام به.
وما زال الكثير من اللاجئين من سكان مخيمات الضفة وغيرها يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي أحضروها معهم عام النكبة، فيما سلّم من وافاهم الأجل بل توارثوه من الآباء إلى الأبناء والأحفاد، فنحن نقول إن الآباء يموتون والأبناء لا ينسون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.