حرب أهلية في أمريكا.. كيف تخيل الفيلم الفوضى في الولايات المتحدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/09 الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/09 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
الكونغرس / رويترز

في فيلم "الحرب أهلية" Civil War لعام 2024، يستعرض المخرج البريطاني أليكس غارلاند بمهارة فرضية قيام حرب أمريكية أهلية مروعة. حين يرسم صراعاً ينبثق من استئثار رئيس بالحكم ويبقى على كرسي  الرئاسة لفترة ثالثة، ويأمر بقصف المدنيين الذين يحتجون على مخالفة للدستور.

 وسط هذا السيناريو، تنفصل ولايتا تكساس وكاليفورنيا، لتشكلا معاً جبهة موحدة تقاوم الرئيس الطاغية الجديد. وإذا ما نظرنا للفيلم بعين أوسع، سنجد أنه لا يخلو من دلالات واقعية، حيث يحاكي الأحداث السياسية الفعلية التي شهدها عام 2021، إذ تسترجع الأذهان مشاهد اقتحام للكونغرس من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب اعتراضاً على نتائج الانتخابات فوز الرئيس الحالي جو بايدن. وقد شبّه بالفعل المحلل السياسي روس دوثات في مقالة بصحيفة نيويورك تايمز مشهد مثول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمام محكمة مانهاتن الجنائية بنيويورك، في قضية تزوير مستندات، بأحداث فيلم "الحرب الأهلية" للمخرج أليكس غارلاند.

في الفيلم "الحرب أهلية"، تبرز شخصية الرئيس التي تحمل بعض الصفات المشابهة لدونالد ترامب، ما قد يستثير فضول المشاهد لربط الأحداث بالواقع السياسي الأمريكي الراهن. ومع ذلك، لا يسمح الفيلم لهذه الشبهات بأن تسيطر على السرد القصصي؛ بدلاً من ذلك، ينحاز إلى تصوير طبيعة الحرب الأهلية بطريقة أكثر عمومية وشمولية، بعيداً عن السجالات السياسية اليومية.

يُعرض العنف في الفيلم بلا هوادة، حيث يتنقل المخرج بين مشاهد تعكس الوحشية الإنسانية بأشكالها المختلفة. من المقابر الجماعية إلى التعذيب في السجون، ومن معارك الأسلحة النارية إلى الإعدامات العشوائية التي تتم بعد محاكمات صورية، تُصوَّر الأحداث بطريقة تجعل الوحشية جزءاً لا يتجزأ من الصراع. يتخلل هذه المشاهد المظلمة لقطات لمناظر مألوفة، كمراكز التسوق ومغاسل السيارات، وحتى أعمدة البيت الأبيض، ما يُظهر تناقضات الحياة اليومية مع الواقع الدموي للحرب.

هذه الصورة المتباينة تعكس التفاوت الكبير بين الحياة العادية والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في أوقات الأزمات. يُشير هذا الأسلوب إلى قصد الفيلم تقديم تأمل عميق حول كيف يمكن أن تستمر الحياة بشكل طبيعي على السطح بينما تحتضن المجتمع تحت طبقاتها صراعات دامية وتحولات جذرية. يُعد هذا التوازن بين الحياة اليومية والعنف الشديد دعوة للمشاهدين للتفكير في الهشاشة الأساسية للنظام الاجتماعي والسياسي، وكيف يمكن أن يؤدي الانهيار الأخلاقي إلى آثار مدمرة.

ويبدأ الفيلم بمشهد يشبه الكابوس، حيث تكون واشنطن العاصمة حصناً للرئيس، وتظهر نيويورك كمدينة مهجورة تسودها الفوضى. ينتشر القناصون والمسلحون، والمشاهد مليئة بالرصاص والنيران التي تلتهم الأبنية والأرواح. تعبق الأجواء برائحة الحرب الأهلية المدمرة. من خلال هذه الرواية السينمائية، يستكشف غارلاند ربما مقدرة الفن على التنبؤ بالمستقبلات البديلة، ليس من خلال العرافة ولكن عبر جرأة التجريب والتفكير في المستقبل. يعد الفيلم تحذيراً رؤيوياً، يضع الجمهور أمام سؤال محير: ماذا لو تحولت الحرب الأهلية في السينما إلى واقع؟ وهل يمكن أن تنهار الديمقراطية الأمريكية تحت وطأة الانقسامات العميقة حقاً؟

بهذه الطريقة، ينجح "الحرب الأهلية" في استكشاف الديناميكيات المعقدة للصراع الأهلي من خلال عدسة السينما، مقدماً تصوراً للعنف والتفكك الذي يمكن أن يصل إليه المجتمع تحت ضغط الانقسامات العميقة.

في فيلم "الحرب الأهلية" يُثني معجبوه على الأسلوب الذي يتعامل به المخرج مع السياسة، حيث يتم التركيز على العناصر الإنسانية والوحشية دون الغوص عميقاً في النقاشات الأيديولوجية الراهنة. هذا الاختيار يجعل الرسالة المناهضة للحرب أكثر وضوحاً وإلحاحاً، ما يتيح للجمهور فهم العواقب المدمرة للصراع بغض النظر عن الأسباب السياسية. الفيلم، في هذا الإطار، يسعى لأن يكون عملاً يتجاوز الزمان والمكان، مقدماً تصويراً كونياً للحرب وتأثيراتها الإنسانية.

من ناحية أخرى، يرى المنتقدون، مثل الكاتب والمحلل السياسي روس دوثات، أن تجنب الفيلم للتعمق في السياسة يُمثل نقطة ضعف. يعتقد دوثات أن هذا الأسلوب يُسفر عن تقديم تفسير ناقص للأحداث، حيث يُظهر الحرب الأهلية كأنها كارثة طبيعية أو سيناريو خيالي يشبه أفلام الزومبي، بدلاً من أن تكون امتداداً للسياسة والانقسامات، بمعنى آخر، يُشير دوثات إلى أن الفيلم يُهرب من مسؤولية استكشاف كيفية تأثير بعض السياسات والقرارات الحكومية في تحويل الصراعات الأيديولوجية إلى عنف مسلح.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مظفر حبيبوليف
كاتب وطالب دكتوراة في الأدب من أوزبكستان
تحميل المزيد