أكد بات رايدر، المتحدث باسم البنتاغون، الخميس 25 أبريل/نيسان 2024، أن السفن العسكرية الأمريكية المتمركزة قبالة الشاطئ بدأت في بناء الرصيف المؤقت في البحر "JLOTS"، أو ما يدعى "Over-the-Shore"، أي رصيف أو لسان بحري.
تناقلت وكالات الأنباء خبر الرصيف العائم أعلاه بصياغة شديدة البراءة، تهدف أمريكا من خلاله إلى إرغام إسرائيل على زيادة إيصال المساعدات إلى غزة، رغم أن إسرائيل "المرغمة" قد قبلت ذاتها بل تعاونت في إنشاء المعبر، ومن اللافت أن خبر الرصيف قد تم الحديث عنه بدءاً من تاريخ 27 مارس/آذار المنصرم، ثم عاد الحديث عن البدء بعمليات إنشائه التي ستستغرق 60 يوماً، بجهود قوات الاحتلال الإسرائيلي والجيش الأمريكي الذي "لن يطأ أرض غزة".
قرأت العديد من المقالات التي تناولت بالتحليل النيات المضمرة لإنشائه، ولعل الهدف المعلن الموهوم هو إيصال المساعدات التي كانت تصل قبل الهجوم الإسرائيلي من خلال المعابر البرية شبه المغلقة الآن، إلا أن الأقرب للحقيقة هو أن الرصيف ما هو إلا جسر بحري تقوم به البوارج التي ستوصل المساعدات الرمزية بتهجير سكان القطاع تحت مسمى الهجرة الطوعية وأيضاً استغلال حقول الغاز في المنطقة.
الرصيف العائم واجتياح رفح
إلا أن الإضافة المهمة التي أود الإشارة إليها هي ربط البدء باجتياح رفح بالانتهاء من أعمال بناء وتشغيل الرصيف العائم، فلا ريب أن تأخير اجتياح رفح كان يهدف، وفق تخطيط مشترك من الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية إلى الأهداف التالية:
- هروب حكومة إسرائيل من التحقيقات والمحاكمات بعد الحرب، فبدون اجتياح رفح لن يكتمل اجتياح كل مناطق غزة، وبالتالي فلن تقدر على إنهاء الحرب أي جهة في الاحتلال الإسرائيلي؛ سواء من الحكومة أو من أقصى طيف من المعارضة.
- الهروب من عقدة العقد وهو الفشل الميداني أمام حماس وعدم الاعتراف بالهزيمة، وما تأخير وعرقلة المفاوضات من جانب الاحتلال إلا أداة وذريعة مماثلة لعدم إنهاء الحرب، فرفح هي المنطقة الوحيدة التي لم تدخلها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وما تأخير البدء بالفصل الأخير من المسرحية سوى هروب من إسدال ستارة المسرح نفسه، هذا المسرح الذي شهد موت وسقوط جميع أساطير الاحتلال المزعومة، بدءاً من التفوق العسكري والقدرة على الردع واليد الاستخبارية الطويلة، ولا يزال المشهد مفتوحاً بانتظار معجزة يتمنى الاحتلال نزولها.
- الهروب من رفض مصر تهجير سكان القطاع إلى سيناء، هذا الرفض الذي أقرت أمريكا لمصر به لأن التهجير إلى سيناء يعني تكرار سيناريو جنوب لبنان آخر، تصبح فيه جيوب المقاومة ملتحمة مع سكان سيناء، وتضيف صداعاً إلى مصر، وحتى عندما تم نقاش توزيع سكان القطاع على مناطق جمهورية مصر المتباعدة فلم يكن ذلك حلاً عملياً قابلاً للتطبيق.
- الاستجابة ظاهرياً للضغوط الأمريكية التي تطالب بعدم الاجتياح، تلك الضغوط المتبادلة التي تطالب بها أمريكا "الرحيمة" بعدم اجتياح رفح المكتظة بمليون ونصف "إنسان" قبل توفير خطة معقولة لحمايتهم بإجلائهم لمنطقة آمنة، وعلى الطرف الآخر نرى الاستجابة "الإنسانية" المزيفة لذلك الضغط الذي تؤخر بسببه إسرائيل الاجتياح، وحينها زعم الاحتلال الإسرائيلي البدء بإنشاء 40 ألف خيمة في وسط القطاع لتؤوي النازحين، ولا ريب أن الهجوم سيبدأ بدون إنشاء تلك الخيام وبدون خطة لإجلاء سوى ذلك الرصيف البحري.
مشهد اجتياح رفح
بناء على ما سبق فيبدو أن العد التنازلي الحقيقي لاجتياح رفح لن يبدأ إلا بعد إنهاء وتشغيل الرصيف البحري، ولا ريب أن المشهد المنتظَر للاجتياح سيبدأ بالهجوم مباشرة على السكان الآمنين في رفح بقضّهم وقضيضهم بدون أي تدابير حماية لهم، وسنرى دموع التماسيح الأمريكية تذرف على الآلاف الذين سيسقطون يومياً – لا سمح الله- أمام آلة العدوان الإسرائيلية، وسيبدو أن المخرج المتاح للهروب من حمم القصف هو البوارج التجارية التي بدلاً من أن تنزل المساعدات فستُقل ويصعد عليها الهاربون من جحيم القصف الإسرائيلي، وحينها سيتضح الهدف الحقيقي للحرب، والذي لا يتمثل أبداً بالقضاء على حماس التي استعصت على كل محاولات الدحر والإفناء، بل في تهجير سكان القطاع وإفراغه ديموغرافياً من كتلته البشرية الوازنة، ولعل ذلك سيكون التعويض عن مرارة الهزيمة العسكرية أمام حماس والبديل الاستراتيجي التعويضي عن خزي الهزيمة أمامها.
الفرص المتاحة
لا ريب أن الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية قد فكرتا بسيناريوهات إفشال المشروع السابق المتوقعة من قبل حماس، ولذلك سيتم البدء بتشغيل الرصيف العائم وتصوير عمليات إنزال المساعدات الإنسانية من خلاله، وحينها سيصبح من الصعب مهاجمة الرصيف العائم من قبل أي جهة مقاومة رغم وضوح هدفه الحقيقي في التهجير، وستُتهم أي جهة تحاول إفشال هدفه الحقيقي بالمساهمة في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية التي كان من الممكن أن تصل عن طريق البر لا عن طريق البحر ولا عن طريق المظلات في الجو.
ولم تحدد وزارة الدفاع الأمريكية مكان الرصيف البحري في غزة بشكل رسمي بعد، إلا أن صور الأقمار الصناعية تكشف بدء العمليات في منطقة البيدر بمدينة غزة، إذ بدأت بإقامة لسان بحري بالتعاون مع "المطبخ العالمي" (World Central Kitchen).
وفقاً لما أعلنه الجيش الأمريكي، فإن 5 سفن أمريكية تشارك في عمليات بناء الرصيف البحري في غزة، وهي من لواء النقل السابع في الجيش، انطلقت من قاعدة لانغلي-يوستيس المشتركة، وقاعدة كورونادو البحرية البرمائية، وكتلاهما في فيرجينيا.
ورغم كل ما سبق من دهاء ومكر إلا أن فرص نجاح هذا الميناء تتضاءل أمام ما يلي:
- الوعي والثبات لسكان القطاع أمام كل محاولات التآمر والتهجير، بدءاً من دروس الماضي حين ذاق جحيم التهجير كل من خرج من أرضه وداره، انتهاء بالمعنويات التي رفعها ثبات المقاومة، ولعل أهمها رفض البحارة من أهل القطاع استخدام قواربهم لنقل المساعدات لبناء الرصيف البحري.
- الرياح الدولية المعاكسة التي تجري بما لا تشتهي سفن التهجير، فمظاهرات الجامعات المندلعة في أمريكا مؤخراً والغليان الشعبي الذي لم يخمد ربما يفرض على إسرائيل أن تعد للألف قبل مغامرة اجتياح القطاع تلك.
- إمكانية استغلال هذا الرصيف من قبل سفن الحرية التي ستنطلق من عواصم العالم، وقد بدأت فعلياً سفينة الحرية استعداداتها للانطلاق من إسطنبول التركية والتي ستجد في الرصيف ملاذها الذي لن تستطيع إسرائيل منعه، وبالتالي سيصبح الرصيف أزمة لإسرائيل بدلاً من أن يكون طوق نجاة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.