منذ بداية حرب الطوفان تهفو قلوب المسلمين إلى تلك البقعة الصغيرة التي تشكل تقريبا 1,33% من مساحة فلسطين، بعضهم مشفقاً، ومعظمهم محباً، وجلهم يقول يا ليتي أُوتيتُ مثل ما أُوتي أهلُ غزة من صبرٍ وصدق إيمان.
يبلغ طول قطاع غزة 41 كيلومتراً، بينما عرضه من 6 إلى 12 كيلومتراً، وبذلك تبلغ مساحته الإجمالية 365 كيلومتراً مربعاً. في هذا الشريط الضيق يعيش مليونا فلسطيني، بعضهم مهجّرون من مدن وقرى فلسطين. المنطقة أنهكتها حروب بدأت من عام 332 قبل الميلاد، عندما احتلها الإسكندر الأكبر، ثم أُبيدت على يد رئيس الكهنة اليهودي الحشموني ألكسندر جانيوس، في عام 96 قبل الميلاد، مروراً بالانتداب البريطاني بين أعوام 1923-1948، لتسقط بيد الكيان الصهيوني عام 1967، منتزِعاً إياها من الإدارة المصرية، التي أشرفت على القطاع أعوام 1959-1967.
سكان القطاع روى دمهم تراب فلسطين حتى انتشى لسنوات، نذكر منها: مذبحة خان يونس 1956، إثر أزمة السويس، بحصيلة 250 شهيداً، ثم إثرعملية الفرقان من قبل المقاومة الفلسطينية، حيث شنَّ الاحتلال الإسرائيلي حرباً على غزّة في السابع والعشرين من ديسمبر 2008، واستمرّت 21 يوماً، وحسب تقريرمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة كان عدد الشهداء 1285 فلسطينياً.
مُقترِحاً اسم "عامود السحاب" الذي يعتبرونه رمزاً لإرشادهم للخلاص أثناء التيه، شنَّ الجيش الإسرائيلي حرباً عام 2012، استمرت 8 أيام، ليرتقي 105 شهداء فلسطينيين. الجرف الصامد، العصف المأكول، والبنيان المرصوص، كلها أسماء لحرب 2014، تواصلت خمسين يوماً، بحصيلة 2147 شهيداً.
وفي أعوام 2022-2023-2024 اختتمت بالطوفان، وبينما سماء العزة كانت مغبقة بدخان القصف، نشرت ملائكة السماء أجنحتها لتستبشر بقدوم 30 ألف فلسطيني لجنّة الخلد. لم تَخْلُ سنوات الصراع من اشتباكات ومناوشات على مر سنوات الاحتلال. وكان الهدف المعلن دوماً للكيان مسح المقاومة عن بكرة أبيها، وكان ديدن المقاومين رباط حتى النصر أو الاستشهاد.
أليس حبيبنا المصطفى يشهد لهم بأفضل الرباط قائلاً: "وإن أفضل رباطكم عسقلان" ، فهي إسلامياً "غزة عسقلان"، وبين عسقلان وغزة حوالي 21 كم. مَن منّا لم تراوده رغبة أن يكون من بين هؤلاء، متنسماً جلدهم بعتادٍ صنعته أيادٍ مباركة، تتحدى ترسانة الأسلحة الغربية، مضافاً إليها استخدام البرمجيات والذكاء الاصطناعي، وحتى القنابل المسماة بالقنابل الغبية، والتي لا تحتوي على نظام توجيه بغرض قتل الناس والشجر والحجر.
مَن منا لم تذهله أُم غزاوية صابرة محتسبة، وطفل غزاوي حافظ لكتاب الله، عزيز النفس، وكهل غزاوي لاهجاً بالشكر لرب السماء وهو يدفن من كان مفترضاً أنهم ورثته. ألم يَدُر بخلدك يوماً أن تكون المقاتلَ الأنيق أو الشبح الجسور مواجهَ الدبابات بصدرٍ مفعم باليقين؟ ألم تغبط مُخطِّطي كمين الزنة وأنت ترى أن محيطهم كان مصحفاً وسبحة وعود سواك وكتاباً؟ ألم تلاحظ أن المولى قد أبدع بخلق سكان غزة، فلا ترى إلا طفلاً جميلاً وفتاةً صبوحاً لم تستطع أنقاض المباني ولا نار القنابل أن تطفئ جذوة فتنتهم.
هل نحن -بقية البشر- لدينا إيمانهم، وصبرهم، وحسن ظنهم بالله عز وجل؟ ألم يراودك حلم مستحيل أن تكون معهم؟ لا عزيزي/عزيزتي لم يكن من قبيل الصدفة صعوبة العبور إلى غزة، فهولاء مصطفَون، ميلادهم بغزة مقدّر، فهُم الطائفة التي "لا يضرهم من خذلهم"، كيف لا والإمام الشافعي مِن بني جلدتهم؟
لم نكن محظوظين كفايةً لنولد بغزة، ولكننا محظوظون بميلادنا مسلمين، وكفى بالإسلام نعمة، ولكني أهمس لك بنصيحة: لا تدع إسلامك عادياً، شدّ مئزرك واشحذ هِمّتك، فنحن سنحاسب مع فئة صعّبت دخول الجنة علينا باتّباعهم خلق الصحابة رضوان الله عليهم، والعالم بدأت إرهاصات انقسامه إلى فسطاطين، فلا يفوتنك فسطاط الحق بسبب ضغينة أو مؤلب رأي أو غي نفس.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.