في هذه المقالة سيتم إثبات بطلان نظرية "فصل الرياضة عن السياسة" من بوابة الجريمة المتواصلة في غزة بشكل رئيسي، وبأن نظرية الفصل تلك إن طبقت في العديد من المناسبات فهي عبارة عن قرار سياسي بحد ذاته وليست فصلاً بين الرياضة والسياسة من أصحاب القرارين الرياضي والسياسي العالميين، إذ إن عدم اتخاذ موقف حيال جريمة ممنهجة تشنها دولة معترف بها يعد موقفاً سياسياً بحد ذاته.
منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وثقت مصادر رياضية وطبية اغتيال قوات الاحتلال عشرات الرياضيين الفلسطينيين واستهدافاً ممنهجاً للملاعب والبنى التحتية الرياضية، حيث استشهد عشرات لاعبي ومدربي وحكام كرة القدم والرياضيين الأبطال في رياضات فردية وجماعية، ودمرت آلة الحرب الإسرائيلية غالبية البنى التحتية الرياضية، ولا سيما ملاعب كرة القدم ومنشآت الأندية المحلية الناشطة في الدوري المحلي، في جريمة حرب متدرجة ممنهجة كجزء من جريمة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني ككل، في وقت لم تؤد كل هذه الجرائم بحق الرياضة والرياضيين الفلسطينيين إلى أي ردود فعل من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أو الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) أو غيرهما من اتحادات الرياضات الدولية أو القارية تقضي بتجميد عضوية إسرائيل عقوبة لها على جرائمها أو لإشعارها على الأقل أنه لا يمكنها الاستمرار في إبادة شريحة كاملة من الرياضيين والأسرة الرياضية العالمية دون عقاب، ما يشكل ازدواجية معايير فاضحة من قبل هذه الاتحادات على المستويين الأوروبي والعالمي واستخداماً مزيفاً لكليشيه "فصل الرياضة عن السياسة" لحماية الجريمة الإسرائيلية سياسياً ورياضياً، وهو الكليشيه الذي يستخدم بين الحين والآخر على حسب الرغبة، إذ لم يكن الحال مماثلاً مع مجرمين آخرين، فقد جمد اتحاد فيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم عضوية روسيا لديهما بعد يوم واحد فقط من غزوها لأوكرانيا، أي قبل أن ترتكب أي جريمة حرب موثقة هناك، كما تم تعليق مشاركة روسيا في معظم الرياضات عالمياً وأوروبياً بدعوى انتهاكاتها حقوق الإنسان في أوكرانيا، وهو ما لم يقع ضد إسرائيل.
وبالعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، أي قبل عملية طوفان الأقصى، اغتال الاحتلال طيلة سنوات عشرات الرياضيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة والقدس، كما أدت سياساته القائمة على الفصل العنصري إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين والفلسطينيين في الداخل المحتل وفي الشتات والمنافي من المشاركة الرياضية أو تمثيل فلسطين، ما يدلل على أن سياسة إسرائيل ضد الرياضة والرياضيين الفلسطينيين تقوم على التصفية والحرمان وهي ثابتة منذ عقود، وأن ما يجري في غزة هو تكثيف للاغتيالات واستثمار إسرائيلي لفرصة قتل أكبر عدد ممكن من هذه الفئة وليس تحولاً جذرياً في النهج الذي يقوم أصلاً على هذا الأساس، والثابت أكثر هو إفلات الاحتلال من العقاب رياضياً أو قانونياً على خلفية كل تلك الجرائم بحق الرياضة الفلسطينية والرياضيين ليصبح فصل الرياضة عن السياسة بهذه الحال وكل مزاعم الحيادية من قبل الاتحادات الرياضية الدولية سلاحاً مسلطاً على رقاب الفلسطينيين لا يقل ضرراً وأذى عن جرائم الاحتلال.
وقد وثق في قطاع غزة منذ الثامن من أكتوبر استشهاد كثير من الرياضيين المحترفين والكادر الرياضي، من بينهم لاعب نادي خدمات البريج لكرة القدم، نظير عطا النشاش، وعبد الحفيظ المبحوح لاعب المنتخب الوطني الفلسطيني لرياضة الجودو، وعمر أبو شاويش، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الثقافة الرياضية.
كما ارتقى باسم النباهين، لاعب نادي البريج لكرة السلة، ومحمد الدلو، رئيس اتحاد كرة الطاولة في غزة، ورشيد دبور لاعب نادي أهلي بيت حانون والمنتخب الفلسطيني الأول لكرة القدم.
كما استشهد اللاعب الدولي لمنتخب فلسطين لكرة القدم محمد بركات هو وعائلته بغارة إسرائيلية. هذا واستشهد الحكم الدولي محمد خطاب واللاعبان تامر ترامسي لاعب نادي التفاح الرياضي وموسى مصلح لاعب نادي المشتل وهما فريقان ينشطان في الدوري الفلسطيني بغزة. واستشهدت نغم أبو سمرة لاعبة المنتخب الفلسطيني للكاراتيه وبطلة فلسطين، بعد دخولها في غيبوبة استمرت شهراً كاملاً بسبب إصابتها بشظايا قصف الاحتلال منزل عائلتها في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة في أواخر العام الفائت.
وأعدمت قوات الاحتلال بدم بارد الكابتن فريج الحلاق، أحد أعلام الحركة الرياضية في فلسطين وقطاع غزة أمام مستشفى الشفاء وتركوه ينزف لساعات طويلة رغم أنه أحد مرضى الحالات المزمنة ومصاب بداء الزهايمر، والكابتن فريج هو حكم دولي سابق في كرة القدم واستشاري قوة بدنية سابق لعدة أندية داخل قطاع غزة وخارجه وتم تكريمه عدة مرات.
ويشار هنا إلى أن كل تلك الأسماء ما هي إلا غيض من فيض أمام المجزرة المستمرة بحق الفلسطينيين بكل تخصصاتهم ومهنهم والرياضيين منهم بشكل خاص، فالشهداء من العائلة الرياضية أكثر من ذلك بكثير، ولا يكفي هذا المقال لذكر أسمائهم جميعاً، يضاف إلى ذلك تسبب الاحتلال بعاهات مستدامة لمئات الرياضيين الفلسطينيين طيلة العقود الماضية حرمتهم ممارسة الرياضة نهائياً.
وإن أخذت النسبة والتناسب لأعداد الرياضيين الذين قتلهم الاحتلال في غزة وحدها لاكتشفت كم هي مخيفة ومرعبة تلك الأرقام، فهناك نسبة وازنة من الرياضيين في كل اتحاد ورياضة تمت تصفيتهم، مما يؤدي بالضرورة إلى إلحاق ضرر فادح في بنية الرياضة الفلسطينية، ويؤكد وجود نية إسرائيلية مبيتة لتدمير الرياضة الفلسطينية أو على الأقل منع عودتها طبيعية أو تطورها، وهي التي كانت ضعيفة ومتواضعة في الأصل وتعاني ظروفاً قاهرة بسبب انتهاكات الاحتلال والحصار قبل العدوان الحالي، وليس نتيجة عدم وجود موهوبين أو أيرة رياضية فاعلة، ما يصعب على الفلسطينيين بالنتيجة التعافي رياضياً في المستقبل القريب، وهذا دليل مباشر على أن ما يشنه جيش الاحتلال هو حرب إبادة جماعية تؤدي إلى إبادة رياضية، باعتبار أن الرياضة انعكاس حضاري وثقافي لوجود الأمة التي تتعرض للاعتداء.
ويمكن التأكد في هذا الخصوص بأن إعدام وقتل الاحتلال للرياضيين الفلسطينيين ليس منفصلاً عن سياسة الاغتيالات التي تمارسها إسرائيل ضد العقول والأكاديميين والمبرمجين والمفكرين والأدباء والشعراء والصحفيين، ولاسيما خلال حربها المتواصلة على قطاع غزة، حيث وثق استشهاد المئات من هذه النخب دون استثناء، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الأكاديمي والعالم الفلسطيني سفيان تايه، أستاذ الفيزياء في الجامعة الإسلامية، والذي يعد من ضمن أفضل 2% من الباحثين على مستوى العالم، والأكاديمي والشاعر الفلسطيني رفعت العرعير، فضلاً عن اغتيال عشرات المبرمجين من أمثال المبرمج محمد النباهين، وزوجته نسمة صادق، والمبرمج طارق ثابت، وفقاً للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بالإضافة لأكثر من 140 من الصحفيين الذين اغتيلوا وهم على رأس عملهم.
وبطبيعة الحال هذه ليست جرائم جديدة تسجل على أي مستعمر محتل يهدف لتحطيم الأمة التي يستعمرها ولإخضاعها، بل هو انعكاس مباشر لطبيعته الاحتلالية الاستعمارية، ومثال حي على التعريف النظري لجريمة الإبادة الجماعية من خلال ارتكاب قوة الاحتلال أحد الأفعال التي تصنف كجريمة إبادة جماعية، وهو "إلحاق ضرر فيزيائي ونفسي يهدف إلى إضعاف الجماعة جزئياً أو كلياً"، وهو ما تفعله إسرائيل منذ أكثر من 75 عاماً بحق الفلسطينيين.
كما أن تدمير الملاعب والمنشآت الرياضية في مدينة غزة ومدن الشمال، من بينها بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وملاعب مدينة البريج والمغازي وملاعب خانيونس، كله يصب في نفس الخانة التي تقوم على الإثبات بالدليل على ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة، عندما يتم التأكد بالربط مع ذلك أن جيش الاحتلال دمر كل الجامعات الفلسطينية والمدارس والمستشفيات وكل مقومات الحياة والمواقع التي تبرر للناس بقاءهم ونشاطهم البشري وتفاعلهم مع بعضهم ومع المكان الذي هو وطنهم، بهدف إلحاق ضرر مستدام بهم على المستويات كافة.
وبالرغم من كل هذه الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال، وتواصل ارتكابها ضد الرياضيين الفلسطينيين وارتكاب الإبادة الرياضية الموثقة في قطاع غزة، إلا أنها، أي إسرائيل، ما زالت تشارك في شتى البطولات الرياضية دون توقيف أو تجميد أو عقوبة تذكر من الاتحادات المعنية، وكأنها لم تفعل شيئاً مما سبق.
وللوقوف على مزاعم "فصل الرياضة عن السياسة"، وفهم الأمر بشكل أكثر وضوحاً بالنظر إلى انتهاكات أخرى خارج فلسطين لإثبات ما يحدث فيها من منظور أوسع، يمكن التأكد أن ازدواجية المعايير ضد الرياضيين العرب والمسلمين عموماً -والفلسطينيون جزء من هذه الفئة- واضحة بقوة عند النظر للمجزرة التي ارتكبتها كل من روسيا والنظام السوري بحق السوريين والرياضيين السوريين، فنظام الأسد رغم كل جرائمه ضد الرياضيين السوريين ما زال يسطو على اتحادات الرياضات كلها منذ العام 2011، خاصة اتحاد كرة القدم السوري، ويسرق تمثيله وتمثيل سوريا رياضياً، رغم أنه قتل مئات الرياضيين السوريين المحترفين، ودمر معظم المنشآت الرياضية والملاعب بالقصف في مختلف المدن والمحافظات، أو حوَّلها إلى مخازن سلاح ومعتقلات للتعذيب، وكان يقتل الرياضيين تحت التعذيب في سجونه بتهمة أنهم معارضون، أو بالقصف والاغتيال أو يبتزهم بعوائلهم ويجبرهم على البقاء خارج سوريا خوفاً من الاعتقال والقتل، وبالرغم من كل ذلك، يستمر مهيمناً على الاتحادات الرياضية السورية بدل تجريده منها، دون أي عقوبة تذكر، أو على الأقل دون رد فعل من الاتحادات الرياضية العالمية والقارية، يتمثل بنقل للتمثيل الرياضي إلى المعارضة، وهو ما مثل مشاركة من تلك الاتحادات التي تدعي الحياد في قمع الرياضة السورية والرياضيين، باستخدام شماعة الحياد السياسي، ومزاعم فصل الرياضة عن السياسة من قبل فيفا والاتحادات القارية، وهذا بالنتيجة يفسر الحالة الفلسطينية المذكورة أعلاه.
القائمة طويلة جداً لاغتيال لاعبي كرة القدم والرياضيين الفلسطينيين والعرب خلال الحروب، في سوريا مثلاً حارس المرمى المعارض وأحد رموز الثورة السورية عبد الباسط الساروت قتل بغارة روسية، كما صنفه النظام كـ"إرهابي مطارد" منذ كانت الثورة في مراحلها الأولى السلمية غير المسلحة؛ لأنه كان من قادة الحراك السلمي في مدينته حمص وكان يشارك بالمظاهرات السلمية، كما قتلت القوات النظامية محمود قطيش الجوابرة وهو لاعب كرة قدم سوري من أبناء محافظة درعا، وذلك في أوائل الثورة؛ حيث يعتبره البعض أول شهيد في الثورة. وقتلت الأجهزة الأمنية السورية لاعب المنتخب السوري سابقاً جهاد قصاب، تحت التعذيب في سجن صيدنايا سيئ الصيت العام 2016 بعد اعتقاله على خلفية نشاطات معارضة للنظام.
ويلاحظ مما تقدم اقتران الرياضة بالسياسة، وعدم القدرة على الفصل بينهما إن كان شعبياً بأن تبنى رياضيون قضايا شعوبهم، أو من قبل السلطات التي تدرك علاقة الرياضة بالسياسة وتأثيرهما المتبادل وتأثير الرياضيين على الجمهور، فتغتال الرياضيين وتستهدفهم بشكل شخصي في مسعى لاحتواء الحراك وقمعه، وفي المقابل، لم ينل النظام السوري أي تجميد عضوية أو عقوبة تذكر رياضياً رداً على تصفيته المتعمدة للرياضيين السوريين.
في ذات السياق، فإن روسيا نفسها التي حظرت عضويتها الرياضية في فبراير 2022 بعد غزوها لأوكرانيا، لم تعاقب إطلاقاً أو تجمد عضويتها كروياً أو رياضياً عقاباً على جرائمها بحق السوريين، رغم أنها ترتكب انتهاكات وجرائم حرب في سوريا منذ العام 2015، بل توجت جرائمها الممتدة منذ تدخلها في سوريا في العام المذكور باستقبالها كأس العالم في العام 2018، ومشاركة كل وسائل الإعلام الغربية في حفلي الافتتاح والختام دون أي حديث عن ملف حقوق الإنسان والجرائم الروسية ضد السوريين بين 2015 و2018 لا من الإعلام الغربي أو السياسيين أو اتحادي كرة القدم فيفا ويويفا، حيث وثقت مصادر حقوقية قتل الغارات الروسية آلاف المدنيين وتدمير البنى التحتية في كل من حلب والغوطة الشرقية ودرعا وحمص، خلال تلك السنوات، أي قبل كأس العالم 2018، وبالرغم من ذلك لم يقرر اتحاد فيفا واتحاد اليويفا تجميد عضويتها أو سحب استضافتها كأس العالم كما جرى حين أقدمت على غزو أوكرانيا رغم أن أعداد الضحايا والتدمير أكبر مما هو في أوكرانيا في حال المقارنة، ما يبين حجم ازدواجية المعايير في الرياضة وارتباط مسألة فصل الرياضة عن السياسة بالاستخدام السياسي نفسه وبجنسية الضحية وليس فقط الجاني، إذ إن روسيا نفسها عوقبت رياضياً لغزوها أوكرانيا قبل أن تنتهك حقوق أي إنسان هناك (وهذا لا يبرر الغزو والانتهاكات)، في حين لم تعاقب رياضياً لقتلها عشرات آلاف السوريين، ما يوحي أن دماء الأوكرانيين أهم وأعلى شأناً من دماء الفلسطينيين أو السوريين ليس بالمنظور السياسي فحسب؛ بل من منظور القائمين على الرياضة العالمية، وكأنهم يتبنون نفس النظرة السياسية الغربية، وليسوا حياديين في النزاعات، كما يزعمون.
يتضح بالتالي حجم الجريمة الرياضية المرتكبة على المستوى الرياضي العالمي بحق غزة وفلسطين أو سوريا أو غيرهما، إذ يتم فصل الرياضة عن السياسة عند تغير الضحية وعلى أساس تمييزي، وكأن الاتحادين الدولي والأوربي يلمحان إلى أن تغير لون وعرقية وربما معتقد الرياضي والضحية هو مفتاح تغيير المعيار في ربط الرياضة بالسياسة أو فصلهما عن بعضهما.
ويبدو أن ما تقدم كافٍ لتفسير العنصرية التي تقع ضد بعض اللاعبين العرب والمسلمين في دوريات أوروبية وخاصة، حين يتخذون مواقف أخلاقية من قضية فلسطين والإيغور وغيرهما، كما يكفي لتفسير لماذا تعاقب أندية وجماهير لرفعها أعلام فلسطين أو هتافها لفلسطين من قبل الاتحاد الوطنية والقارية، خاصة في أوروبا، فقتل الرياضيين العرب والفلسطينيين بشكل ممنهج لم ينجم عنه رد فعل، ومر دون عقاب رياضي من قبل تلك الاتحادات، بل تصم الاتحادات الرياضية آذانها وتغمض عينيها عما يجري، فلماذا لم تعاقب أو تحظر من يدافع عن أولئك الضحايا والرياضيين الذين خذلتهم أو تواطأت ضدهم طالما أن الآية مقلوبة.
وإن أريد التدقيق والتعمق أكثر في حجم التحيزات والازدواجية في المعايير ومن بينها معيار فصل الرياضة عن السياسة، لكان من الأفضل وقف الرياضة وكرة القدم كلياً حيث تحولتا مؤخراً إلى أدوات تديرها مؤسسات تابعة للقوى العظمى والدول ذات الطابع الاستعماري الغربي والقمعي، وأصبح الأمر مرتهناً بالمصالح والصفقات السياسية والاقتصادية فيما بينها، وليس بأخلاقيات الرياضة والتقريب بين الشعوب.
ويمكن القول إن من يطالبون الناس بفصل الرياضة عن السياسة وهم اتحادات الكرة الدولية والقارية وغالبية الاتحادات المخلية الأوربية هم أصلاً من لديهم القرار بالفصل والربط بين هذا الثنائي، وهم من لديه الارتباطات بالحكومات والسياسيين، وهم من يمارسون لعبة تقريب الرياضة بالسياسة أو إبعادها على حسب المصلحة، وليس الجمهور من يفعل ذلك بالضرورة، وهو ما يمكن تلمسه على سبيل المثال حين قررت الاتحادات الأوروبية لكرة القدم تبني القضية الأوكرانية في الملاعب، وكذلك قضية المثليين وغيرهما، في حين قررت معاقبة كل من يجيء على ذكر فلسطين أو رفع علمها في المدرجات، والأمر لا يختلف كثيراً لدى الاتحادات القارية الأخرى، وحتى لدى كثير من الاتحادات الرياضية العربية (السوري كمثال مباشر)، فالسياسي الذي قد يكون ديكتاتورياً هو من يتحكم بالرياضي ليس بقرار للشعب أو الجمهور حتى يقرر أن يتبنى فصل الرياضة عن السياسة.
كما أنه يصعب فصل الرياضة عن السياسة حتى على المستوى الشعبي، وليس فقط على المستويات الرسمية، فالرياضة تمثل في كثير من الأحيان انتماءات وخيارات سياسية للشعوب والأفراد، وليس فقط خيارات رياضية بالنسبة لمن يشجع منتخباً أو فريقاً من مدينته أو منطقته، ويزداد ارتباط الشخص وطنياً ومناطقياً تحت تأثير الرياضة والرياضيين، فمن المستحيل تقريباً الفصل بينهما في الحياة العامة.
وهناك نماذج كثيرة عربية وعالمية وتاريخية لمشاركة الرياضيين بالثورات الشعبية في بلادهم ضد الاستبداد، وكذلك في وصول رياضيين إلى مناصب سياسية بنيت على سيرتهم ونجوميتهم وشعبيتهم الرياضية التي تسبق في بيئات محلية أو عالمية شعبية وشهرة الرؤساء أنفسهم، ويكون لها وقع عاطفي كبير على عامة الناس من الجماعة البشرية التي ينتمي إليها الرياضي، كما يمتد تأثير الرياضي ولاعب كرة القدم إلى ما هو خارج ملعب كرة القدم وخارج الحدود أيضاً.
وبالتالي، فإن مشاركة منتخب فلسطين لكرة القدم "الفدائي" وبعثته في بطولة كأس الأمم الآسيوية التي أقيمت في قطر قبل فترة قريبة هي مثال حي ومباشر على مشاركة رياضية سياسية، ويستحيل معها فصل الرياضي عن السياسي، سواء لما يتعلق بخصوصية قضية فلسطين أو لما يتعلق بطبيعة العلاقة بين الرياضة والسياسة التي تم توضحيها أعلاه، وتمثل المشاركة الفلسطينية بل وتعبر عن وجود فلسطين وشعبها في هذا العالم، وتعد أحد أشكال المقاومة، ولا سيما أن العديد من اللاعبين لديهم عوائل محاصرة أو قابعة تحت القصف في قطاع غزة، كما أن الحدث الرياضي الآسيوي وتأهل فلسطين له يتصادفان مع وقوع الحرب الإسرائيلية ضد القطاع، وهو ما لا يمكن تجاوزه أو الفصل فيه بين الرياضة والسياسة سواء أريد ذلك أم لم يرد.
وبالمثل، فإن مشاركة منتخب سوري يسيطر النظام السوري على تمثيله يشارك فيه لاعبون تناسوا كل ما وقع بحق زملائهم الرياضيين الذين قضوا في السجون أو القصف هو موقف سياسي، وليس حياداً أو فصلاً للرياضة عن السياسة، وهو استثمار سياسي من قبل نظام الأسد، وبغطاء ممن يواصل منحه التمثيل الرياضي بدلاً من عزله أو على الأقل سحب صلاحيات تمثيل سوريا رياضياً وكروياً من يده، فالرياضي والسياسي مرتبطان هنا.
كما أن إبقاء إسرائيل فاعلة رياضياً وكروياً دون تجميد لعضويتها من قبل الفيفا ويويفا وغيرهما هو موقف سياسي وليس فصلاً للرياضة عن السياسة، بهدف تقريب الشعوب والترويج للتعايش والسلام، فهذا غير عادل إطلاقاً بعد كل الجرائم الممنهجة التي ارتكبتها وما زالت بحق الرياضيين الفلسطينيين على الأقل.
وفي الحالات السابقة، هناك جرائم حرب وإبادة موثقة ضد الشعب وكل والرياضيين، وليس مجرد خلافات سياسية بين فرقاء سياسيين، فالمسألة أخلاقية وليست سياسية فحسب، والأخلاق لا يمكن فصلها عن الرياضة حتى إن أريد فصل السياسة عنها.
وخلاصة القول أنه لا أحد يعلم إن كان من الممكن من الناحية العملية أن تتم معاقبة إسرائيل على أي من المستويات سياسياً كان أم رياضياً أو إدانتها قانونياً بصورة حاسمة؛ نظراً للغطاء الأمريكي والدعم الغربي الذي تحظى به بضغط من لوبيات صهيوينة ضخمة تدعمها سياسياً ورياضياً وقانونياً واقتصادياً، ولأن المعاقبة والتجميد الرياضي أو مجرد التوبيخ والإدانة جميعها أفعال تصب في الخانة السياسية، وهذا دليل آخر على ارتباط الرياضة بالسياسة، فكيف سيسمح بمعاقبتها رياضياً بناء على ماسبق؟ وما هي الإجراءات الممكنة بهذا الخصوص طالما أنها دولة مفلتة من كل أشكال العقاب أو حتى التوبيخ؟!
وقبل الإتيان على ربط الرياضة بالسياسة والفصل والوصل
الممكن وغير الممكن بينهما بل قبل الحديث عن كل الرياضة والسياسة وتجميد عضوية مجرمي الحرب في الاتحادات الرياضية، هل يتم تصنيف من تقتلهم إسرائيل وأنظمة القمع في الدول المحيطة بفلسطين سواء كانوا رياضيين أو غير رياضيين على أنهم بشر متساوون مع غيرهم من البشر وفقاً للمنظور الأممي الدولي وبنظر النظام الدولي قبل أن يتم فرزهم إلى رياضيين صحفيين أطباء أو غيرها من النخب؟!
ولعل التساؤل السابق هو التساؤل الأبرز الذي يبعث على البحث عن إجابة شافية، والشك والإحباط من الحصول على حد أدنى من المساواة والعدالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.