"إذا كان الأجنبي الذي لديه حصانة دولية تم قصفه وقُتل، فما بالك بنا نحن؟".
هكذا بدأ الشاب الفلسطيني محمد أبو رجيلة حديثه عن ظروف عمله الإغاثي في قطاع غزة، بعد مقتل 7 من موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي الخيرية في غزة في قصف إسرائيلي استهدف سيارتهم؛ إذ كان الموظفون الذين قتلوا ينتمون إلى جنسيات أسترالية، وبولندية، وبريطانية، وفلسطينية، وأمريكية كندية.
خلال الـ24 ساعة التي تلت ما بات يُعرف بـ"مذبحة المطبخ العالمي"، أثارت وسائل الإعلام والأوساط السياسية في الغرب ضجة كبيرة حول مقتل سبعة من عمال الإغاثة على يد إسرائيل، ضجة تفوق بمراحل تلك التي أحيطت بمقتل 32 ألف فلسطيني خلال ستة أشهر من الصراع الإسرائيلي. على سبيل المثال، خصصت صحيفة التايمز البريطانية العنوان الرئيسي لها لتغطية "الاحتجاج على وفاة عمال الإغاثة"، معززة صفحتها الأولى بصور ثلاثة من ضحايا الهجوم الإسرائيلي. وهي نفس الصحيفة التي ألقت قبل شهرين فقط خبر حكم محكمة العدل الدولية بضرورة التحقيق مع إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية إلى الصفحة 42 من صفحاتها (الصفحة الثالثة من القسم الدولي).
من جانب آخر، كان رد فعل الرئيس بايدن تجاه نتنياهو سريعاً، حيث وبخه ودفعه لاتخاذ خطوات فورية لتخفيف الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة، عن طريق السماح بشكل مؤقت بتوصيل المساعدات الإنسانية عبر ميناء أسدود ومعبر بيت حانون (إيرز) البري، بالإضافة إلى زيادة المساعدات الأردنية عبر معبر كرم أبو سالم.
بالإضافة إلى ذلك، ظهر نتنياهو وعبر عن اعتذاره لمقتل موظفي المطبخ العالمي، مبرراً ذلك بأنه كان قتلاً غير مقصود لأبرياء، بينما منذ أكثر من نصف عام لم يعتذر عن مقتل عشرات الآلاف في غزة، والذين كان غالبيتهم من الأطفال والنساء، إذ يعتبرهم غير أبرياء أو أن قتلهم كان مقصوداً، مما يوضح لمن به صمم أو عمى في أي بقعة في العالم الدوافع العنصرية التي تكمن وراء حرب الإبادة في غزة.
انتفض الغرب لاغتيال إسرائيل لسبعة من عمال الإغاثة في منظمة المطبخ المركزي العالمي بينما لم يحرك ساكناً على المذابح التي تجري أمام الكاميرات لمدة أكثر من نصف عام في غزة وقتل فيها أكثر من 32 ألف فلسطيني، مما دفع إسرائيل لاتخاذ إجراءات فورية لتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع بسبب الضغط والأوامر الغربية.
مذبحة موظفي المطبخ العالمي ليست فقط دليلاً جديداً على وحشية إسرائيل؛ بل أيضاً دليل على عنصرية الغرب الفجة، إذ يبدو أن شهوراً من المعاناة والقتل العشوائي كان بالإمكان تجنبها بمجرد مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ظل لأشهر يتردد في إجرائها. كان من الممكن إنقاذ حياة مئات، بل آلاف، وربما عشرات الآلاف من الأشخاص بمجرد تلك المكالمة التي امتنعت الإدارة الأمريكية عن إجرائها لنصف عام. بينما في بريطانيا، تغيرت الآراء ضد إسرائيل بشكل مفاجئ، إلى درجة أن برلمانياً بارزاً في الحزب المحافظ الحاكم وصف الأعضاء المؤيدين لإسرائيل في حزبه بأنهم متطرفون. هذا بالإضافة إلى الضغوط من قضاة ومحامين وأساتذة قانون لحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. هذا التحول كله جاء بعد أن قتلت إسرائيل 6 أجانب من جنسيات غربية في غزة. ولمدة ستة أشهر، كان جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي يوثقون أنفسهم وهم يرتكبون جرائم حرب وينشرونها على تيك توك يومياً، يرقصون ويغنون ويضحكون، وكل ذلك كان يُنظر إليه على أنه أمر عادي، لكن قتل ستة أجانب لا يمكن التغاضي عنه بأي حال من الأحوال.
غضبة بايدن من نتنياهو
بعد مرور ستة أشهر على بداية المجازر، لا أظن أن يأتي غضب بايدن تجاه نتنياهو بجديد في عالم يسوده النظام الأحادي القطب، حيث تبرع واشنطن في لعب دوري القطبين، بل وأكثر. فرأينا كيف يمكن أن تصرح الولايات المتحدة بخطابات تدعو لحل الدولتين ولوقف إطلاق النار قبيل شهر رمضان، من ثم تستخدم حق الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية لوقف إطلاق النار. ورأينا كيف يبرع البيت الأبيض في توجيه اتهامات ضمنية ومنمقة لإسرائيل، بينما يستمر في رفض أي دعوات لفرض شروط على الإمدادات العسكرية المتواصلة لإسرائيل.
إن النفاق الأمريكي ليس بجديد؛ لكن ما يجعله أكثر وضوحاً خلال هذه الحرب هو بايدن، الذي يواجه تمزقاً بين الرغبة في إرضاء الناخبين اليهود والخوف من فقدان دعم الناخبين العرب والمسلمين، لذا يجد نفسه مضطراً لإرسال الأسلحة إلى إسرائيل لإبادة أهل غزة بيد، بينما يوزع المساعدات على نفس أهل غزة باليد الأخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.