الاعتدال والوسطية منهجٌ رباني، نتعبّد الله سبحانه وتعالى به في كل شأن من شؤون حياتنا، فالتوسط والاعتدال، هو الكمال، وكلما انحرف الإنسان عن الوسط، اتجه إلى النقص والابتعاد عن الكمال، فالتوازن هو قانون الحياة الرشيدة التي أرادها الله لنا، والمسلم الحق: هو المسلم المتوازن في كل مجالات الحياة، فالتزام منهج الله في التوسط والاعتدال فيه نجاح الإنسان وراحته وسعادته، وكلّ خروج عن هذا المنهج وشطط في أي ناحية من مناحي الحياة، نتيجته الفشل والمعاناة والبؤس.
وقد دعا ربنا جل وعلا إلى الاعتدال في كل شيء، ومدح عباده الذين اتصفوا بهذه الصفة، فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، ولهذا فإن شهر رمضان شهرٌ يتدرب فيه المسلم على هذا المنهج القويم، في التوازن والاعتدال وعدم الإسراف، على عكس ما نراه اليوم عند كثير من المسلمين، إذ يجعلون من هذا الشهر المبارك شهراً للخروج عن منهج الله في الاعتدال، وذلك بالإسراف في الطعام والشراب والاستهلاك للحاجات الضرورية وغير الضرورية، والزيادة عن الحاجة والكفاية تعد من الإسراف المنهي عنه، وهي أسوء استخدام للنعم التي أنعم الله بها على العباد، وهي النعم التي أنعم عليهم بها ليحسنوا الانتفاع بها بتوسط واعتدال، لا لكي يغيب عنهم هذا الفهم فتتضاعف موائدهم في رمضان بكميات تفوق الحاجة، فيُؤكل قليلها، ويُرمى كثيرها، وفي هذا إتلافٌ للمال الذي هو عصب الحياة، وهو نوع من التبذير، قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: "وكَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ".
وبالتالي فإنه لا يمكن في حال من الأحوال أن يكون شهر رمضان بهذا الشكل البعيد عن منهج الله، ولا يمكن أن تكون هذه صورته وحقيقته، بل حقيقته تكمن في كبح النفس عن شهواتها وترويضها على الاعتدال، وأخذها بالشدة لامتثال أوامر الشرع القاضية بالتوازن، وعدم الإسراف في الإنفاق، وترشيد الاستهلاك وخفضه، هذا وإذا كانت التقوى من أهمَ مقاصد الصيام، فإن من معانيها دفع الأذى عن الجسد باتقاء الأمراض والأسقام، وهذا لا يتم إلا باتباع الهدي النبوي الشريف والذي يتلخص في التقليل من الطعام والشراب إلى الحدّ الذي تستقيم فيه صحة الإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.