صادماً جاء تصريح الفلسطينية الناجية من مذبحة مستشفى الشفاء "جميلة الحاسي" في غزّة عن انتهاكات جنسية أقدم عليها جنود الجيش الإسرائيلي -الأكثر أخلاقية في العالم وفق تصريحات مسؤوليه- بحقّ الفلسطينيّات.
وإذ أوضحت "الحاسي" أنّ جنود الجيش المقتحم لحرمة المشفى أقدموا على اغتصاب عدد من النساء وفق شهادات بلَغت أسماعها، يأتي كلامها -ولو كان انفعالياً وغير موثق بحسب البعض- متمماً لرواية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي أكدت هذا النوع من الانتهاكات في تقاريرها.
هي ليست المرّة الأولى التي تعيش النساء فيها حرباً من نوعٍ آخر على هامش الحروب المستعِرة، وهي حرب انتهاك الكرامة والإهانة الجنسية والاغتصاب الممنهج، فقد صار هذا النهج منذ سنوات ديدن الأطراف المتناحرة في الحروب.. لأسباب وأسباب!
معتقد تلمودي يبيح فضح النساء؟
لم تبدأ الانتهاكات الإسرائيلية بحقّ النساء في أكتوبر، بل رسّخت إسرائيل هذه التجاوزات بُعيد قيامها عام 1948، إذ كشف عدد من الجنود المتقاعدين من لواء ألكسندروني -بالصوت والصورة- أنهم أقدموا على اغتصاب عشرات الفلسطينيات قبل قتلهن أو إحراقهن، في الفيلم الوثائقي "الطنطورة" للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتس، نسبة للمجزرة التي حصلت في القرية المذكورة إبان النكبة.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى تاريخنا الحديث، وثّقت المنظمات الحقوقية عدداً لا حصر له من الانتهاكات الجنسية والجسدية بحقّ الفلسطينيات في الأراضي المحتلة.
وهذه الانتهاكات ترجع في نظر الباحثين إلى معتقد تلموديّ قديم يبيح للمستوطنين "قتل أبناء أعدائهم وفضح نسائهم"، وهو يجعل من هذه الانتهاكات جزءاً لا يتجزأ من العقلية الإسرائيلية، بمباركة دينية!
بطون عراقية مدنّسة إبّان الغزو
عقب الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، أودعت السلطات الأمريكية – العراقية الجديدة الموالية لطهران أعداداً كبيرة من الرجال والنساء في السجون، تحت ذرائع "الإرهاب".
وقد سجّلت شهادات جمعتها وكالة الأنباء الفرنسية نقلاً عن سجينات عراقيات في سجن "أبو غريب" وغيره عمليات اغتصاب وإذلال متنوعة، ما دفع ببعض الحوامل اللواتي أطلق سراحهن إلى "الانتحار"، وفق الوكالة، في حين لم يسلم بعض الرجال أيضاً من الانتهاكات الجنسية!
وامتدّت مأساة العراقيات إلى ما بعد قيام تنظيم "دولة العراق والشام" وسيطرته على عدد من المناطق في العراق، والذي عمد وفق شهادات حيّة إلى "سبي" النساء، خصوصاً من المكوّن الأيزيدي، وقد سجّلت مئات الانتهاكات في هذا الإطار.
سوق نخاسة لبيع السودانيات!
على جبهة أخرى في حرب السودان الدائرة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع تظهر تجاوزات فظيعة بحقّ النساء السودانيات، واللائي صرن يوجّهن الرسائل لإغاثتهنّ من براثن المسلّحين الذين لم يسمعوا بالقوانين الإنسانية ولا بأنظمة الحروب.
فقد أكدت الناشطة السودانية "مها بخيت" في شهادتها أنّ مجموعات المسلحين استحدثوا، على هامش الحرب السودانية، سوقاً لبيع النساء كـ"سبايا حرب"، في جريمة تتعدى كونها "ضدّ الإنسانية" بل ضدّ كلّ ما هو آدميّ في هذا العالم!
ولا تزال النساء السودانيات حتّى هذه اللحظة تتخوفن من مثل هذه التصرفات وما ينتج عنها حكماً من انتهاك للأعراض والكرامة الإنسانية، وقد يحدث مثل هذا أمام أعين أزواجهنّ وأبنائهنّ، وفق بخيت.
نار الحرب تطول السوريات
لم تكن سوريا بعيدة عن مشهد الحروب والانتهاكات التي تصاحبها، خصوصاً بعد انقلاب حزب البعث على السلطة بين عامي 1963 و1970، وما تبعه من اضطرابات في الجمهورية السورية.
وإذ قامت تظاهرات عام 1982 ضدّ الرئيس السوري حافظ الأسد، وجّه الأخير بقمع المتظاهرين، وقد سجّلت على هامش التصعيد الحاصل في حماة السورية آلاف الانتهاكات بحق نساء المدينة.
وعقب اندلاع "الربيع العربي" عام 2011 ضدّ نجل الرئيس الوالد، أطلق الأخير عنان الجنون لآلاف المسلحين الموالين تحت مسمى "محاربة الإرهاب"، قتلاً وتعذيباً وهتكاً لأعراض وحرمات المعارضين.. وقد وثقت "هيومن رايتس ووتش" عشرات آلاف الانتهاكات في هذا الخصوص.
لتحييد النساء عن فظائع الحروب
وإذا كانت الفظائع التي شهدتها بلاد كفلسطين والعراق والسودان وسوريا مستجدة وصادمة، فإنّ ذلك لا ينفي معاناة النساء في العالم كلّه على هامش النزاعات المسلحة وغياب الضمير الإنساني والقوانين والأخلاقيات التي تنظم هذه النزاعات.
إنّ استهداف النساء يهدف إلى الضغط على الخصوم والدفع بهؤلاء إلى الاستسلام، لكنّه يشكّل تحوّلاً فارقاً في شكل الحروب من النزاعات الإنسانية إلى الصراعات البهائمية، مع تنزيه الحيوانات عن مثل هذه الجرائم، فكيف بالإنسان الذي فُضّل عن غيره بالعقل؟
من هنا صار لزاماً على المتنازعين أن يحفظوا كرامة النساء وأجسادهن بعيداً عن فظائع الحروب، لأنّنا إن تجاوزنا حرمة الأعراض والكرامات وفق "البديهيات" الإنسانية، فإن هذا الانحدار الأخلاقي يشكّك في جدوى الحروب وأهدافها، ويطعن في "بشرية" المتحاربين!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.