في عالم كرة القدم، حيث الأضواء الساطعة تلمع على النجوم الكبار والأندية العريقة، تُروى قصص لا تقل شجناً وإثارة، تختبئ في ثنايا الدوريات والمسابقات، بعيداً عن صخب الشهرة والتتويجات المتكررة. شهدت الجولة الـ36 من دوري الدرجة الثانية الإنجليزي لحظة كروية مذهلة، حيث استطاع نادي إف سي ويمبلدون تسجيل هدف الفوز الحاسم في الدقيقة الـ94 ضد ضيفه وخصمه العنيد ميلتون كينز دونز. قد يبدو المشهد عادياً لفريق يسجل هدفاً حاسماً في الدقائق الأخيرة من المباراة.
في الواقع، هو كذلك، لكن هذا الحدث ربما يمثل إحدى القصص الدرامية البارزة في تاريخ كرة القدم الإنجليزية. قبل أكثر من20 عاماً، بدأت مسيرة الانزلاق لنادي ويمبلدون، التي انتهت بالنادي إلى نقطة اللاعودة، وعندها، مثلما هو الحال مع الأندية الأخرى التي واجهت مصيراً مماثلاً، كان الحل هو بدء حياة جديدة.
غيّر مالك النادي موطن وموقع نادي ويمبلدون الجغرافي من مدينة لندن إلى مدينة ميلتون كينز شمال غرب لندن، وطالت الثورة التي حدثت داخل أروقة النادي أن تتبدل هويته بشكل كامل، وذلك عبر تسمية الفريق بـ"ميلتون كينز دوانز".
لم ينل هذا التغيير إعجاب مشجعي ويمبلدون؛ ليس لأنه سيتعين عليهم أن يُسافروا مسافة 55 ميلاً لمشاهدة الفريق الذي ارتبطوا به منذ سنٍ صغيرة، بل لأن النادي الجديد لا يُمثل القيم والمبادئ الذين يؤمنون بها.
من بعدها اشتهر النادي وتحديداً خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي باللعب الخشن والاستفزازي، واعتبرت بيئته غير احترافية، نظراً لأسلوب الحياة البعيد عن الالتزام الذي اتبعه لاعبو ويمبلدون إف سي، وعلى إثر ذلك، أطلق عليهم لقب العصابة المجنونة، نسبةً لمجموعة من الكوميديين والمهرجين الذين نالت أعمالهم شهرة واسعة في ثلاثينيات القرن الماضي في إنجلترا، ما أكسب النادي سمعة خاصة بفضل سلوكيات اللاعبين وأجواء النادي التي كانت أشبه بالكوميديا السوداء، فقد كانوا يسحبون سراويل بعضهم البعض في التدريبات ويتشاركون النكات البذيئة، ويعيشون حياة بدون قيود.
كان نادي ويمبلدون أحد الأندية المؤسسة للبريميرليج، ولعب لمواسم عديدة في دوري الأضواء، لكن إنجازه الأفضل على الإطلاق كان عندما هزم ليفربول (الذي كان بطلاً للدوري في ذلك الموسم) في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي في عام 1988، وحينها قال المعلق الإنجليزي جون موتسون عبارته الشهيرة: "لقد فازت العصابة المجنونة على فريق الحضارة والثقافة".
نادي ويمبلدون يعود من جديد
واستمر حال فريق بهذا السلوك، إلى أن جاء عام 2002، حين قرر المشجعون أن ينقلبوا على مالك النادي الذي غيّر اسم ومكان الفريق الذين يعشقونه، قررو عدم الاستسلام للوضع الجديد وعملوا على إحياء ناديهم من جديد وأسسوا إف سي ويمبلدون، الذي انطلق من دوري الدرجة العاشرة، حتى وصل إلى دوري الدرجة الثانية الإنجليزي، ليستعيدوا الروح الأصلية للفريق.
لذلك كان الهدف الذي سُجل في الدقيقة الـ94 ضد ميلتون كينز دوانز، في نهاية عطل الأسبوع خلال بداية هذا الشهر، لم يكن مجرد لحظة فارقة في مباراة كرة قدم مدتها 90 دقيقة، بل كان لحظة عاطفية أعمق بكثير، تحكي عن القصة والرحلة الطويلة التي قام بها إيه إف سي ويمبلدون. قصة عن الهوية والانتماء والوقوف ضد التغييرات التي لا تحترم تاريخ وقيم النادي.
في عالم كرة القدم حيث المال والتجارة باتا يهيمنان، يبرز هذا الانتصار كتذكير بأن قلوب المشجعين وتفانيهم يمكن أن يحدثا فرقاً، وأن الروح الأصلية للنادي يمكن أن تظل حية بغض النظر عن التحديات.
المشجعون الذين أسسوا إف سي ويمبلدون أظهروا أن النادي ليس مجرد مؤسسة تُباع وتُشترى وفقاً لإرادة الأغنياء، بل هو تجمع للأناس متحدين بحبهم وشغفهم. لذلك، الانتصار ضد ميلتون كينز دوانز لم يكن مجرد فوز في مباراة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.