إن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى من أحب الأعمال إلى الله، وهو خير ما أُمضيت فيه الأوقات وصُرفت فيه الأنفاس، وأفضل ما تقرَّب به العبدُ إلى ربّه سبحانه وتعالى، وهو مفتاحٌ لكلِّ خير يناله العبد في الدنيا والآخرة.
فالدعاء من أجلّ العبادات وأعظمها، وهو حقٌ لله سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يُصرف لغيره، وله مكانة عظيمة في الدين، ومنزلة رفيعة فيه، وذلك لما في الدعاء من التضرع وإظهار الضعف والحاجة لله، ولأن العبادة كلما كان القلب فيها حاضراً فهي أفضل وأكمل، والدعاء أقرب العبادات إلى حصول هذا المقصود، والدعاء فيه ملازمة للتوكل والاستعانة بالله، والتوكل هو اعتماد القلب على الله وثقته به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات؛ والنصوص في فضل الدعاء وعظيم شأنه كثيرة لا تُحصر، ومما يبين مكانة الدعاء وعلو شأنه قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
ولشهر رمضان المبارك خصوصية في الدعاء، فإن الصائم ممن لا تُرد دعوتهم، إذا أخلص في صيامه، ونصح في عبادته، وصدق مع الله، ففي الحديث، قال صلى الله عليه وسلم : (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ). [رواه البيهقي في السنن الكبرى].
وشهرُ رمضان هو شهرُ الدُّعاء، وشهر الإجابة، وشهر التوبة والقبول، وينبغي على المسلم عندما يدعو أنْ يكونَ على حالٍ من الانكسار والاضطرار والانقِطاع من الأمَل في غير الله، وألَّا يكون دُعاؤه على سبيل التجربة غير الواثقة، فإنَّ الرسول ﷺ يقول: (ادعُوا الله وأنتُم مُوقِنون بالإجابة، واعلَمُوا أنَّ الله لا يستجيبُ دُعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ) [رواه الترمذي].
والدعاء دليلٌ على التوكل على الله، فسرُّ التوكلِ وحقيقتُه هو اعتمادُ القلبِ على الله، وفعلُ الأسباب المأذون بها، وأعظمُ ما يتجلى هذا المعنى في حال الدعاء، ذلك أن الداعيَ مستعينٌ بالله، مفوِّضٌ أمرَهُ إليه وحده، وهو وسيلة لعلو الهمة، ذلك أن الداعيَ يأوي إلى ركن شديدٍ، يُنزل به حاجاتِه، ويستعين به في كافّة أموره.
وكان السلف الصالح رحمهم الله يخصصون لرمضان دعوات، يلحّون عليها طيلة شهر رمضان، في السجدات، وأدبار الصلوات، وقبل الإفطار، وعند الإفطار، وفي الأسحار، وكانوا يهتمون برمضان اهتماماً بالغاً، ويحرصون على استغلاله في الطاعات، وكانوا سبّاقين إلى الخير، وخاصةً في مواسم الخيرات، ومضاعفة الحسنات، ولقد ثبت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إني لا أحمل همّ الإجابة، ولكن همّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه". وعن الحسن البصري رضي الله عنه قال في قوله عز وجل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، قال: اعملوا وأبشروا، فإنه حق على الله عز وجل أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله [أخرجه الطبري].
فإن التماس أوقات الدعاء التي يرجى القبول فيها يجعلها أقرب للإجابة، كوقت الأذان وبين الأذان والإقامة، وفي ثلث الليل الآخر، فينبغي على المؤمن أن يُعنى بهذه العبادة، وأن يغنم أوقات هذا الشهر الشريف بالإقبال على الله بالدعاء والسؤال والإلحاح راغباً راهباً، مع العناية بشروط الدعاء وآدابه، راجياً أن يكون من الفائزين بثواب الله العتقاء من النار، فإن لله عتقاء من النار، وذلك كلَّ ليلة من ليالي رمضان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.