أوقعت قرعة الدور ربع النهائي لبطولة دوري الأبطال لهذا العام، برشلونة الإسباني أمام نادي باريس سان جيرمان الفرنسي؛ وهي مواجهة تكررت كثيراً في السنوات الأخيرة.
لم يعرف لمباراة برشلونة وباريس سان جيرمان مهيمن مطلق، فمرة يفوز باريس سان جيرمان، ومرة أخرى ينتصر برشلونة، مرة يكتسح برشلونة باريس سان جيرمان والعكس بالعكس، مرة يتقابلان في مرحلة المجموعات، ومرة في الأدوار الإقصائية.
لكن، هذه المواجهة الحالية قد تكون هي الأكثر أهمية بعد كثير من المواجهات الماضية، حيث يوجد على خط القيادة الفنية لفريق باريس سان جيرمان، المدرب نفسه الذي تسبب في حسرته بقميص نادي برشلونة!
البرشلوني الذي لا يختلف على حبه اثنان
إنه لويس إنريكي؛ الرجل غريب الأطوار، الذي قرر أن يقفز قديماً من قارب ريال مدريد، وينتقل مرة واحدة إلى قارب نادي برشلونة، ويترك خلف ظهره كثيراً من التفاصيل والسخط المدريدي الذي يصل إليه، حتى يومنا هذا.
لعب لويس إنريكي بقميص نادي برشلونة، وأصبح قائده، وأحب الفريق والمدينة أكثر حتى من حبه للفترة التي قضاها في صفوف نادي ريال مدريد، الغريم التقليدي لنادي برشلونة.
"من الصعب وصفها بالكلمات، أي طفل حضر المباراة من الملعب سيظل يتذكر هذه الليلة طوال حياته، إنها خليط من المشاعر، أريد أن أبكي لكن الدموع لا تأتي، احتفلت مثلما احتفل الجميع، مثل الذين بكوا بالفعل، أخبرت سيرجي: لقد سجلت في كل الفئات السنية، لماذا لا تسجل للفريق الأول؟ ثم ذهب وأحرز الهدف، الإيمان هو أدق ما يصف هذا، فوق كل شيء هذا انتصار للإيمان، إيمان الفريق بالعودة، إيمان الجمهور، لقد رأيت الملعب بهذه الهيئة مرة واحدة، حينما كنت لاعباً، لكن اليوم يتبقى عشر دقائق على النهاية، من الطبيعي أن يغادر الجمهور لكنه لم يحدث، لو فعلوا لأضاعوا ليلة تاريخية، أريد أن أهديها لكل مشجع لبرشلونة، خاصة لأولئك الذين آمنوا بالعودة منذ أن هُزمنا هناك في باريس، حينما حدث الحداد ليلة عيد الحب، كنا قد خسرنا كل شيء في باريس، لكن هذه الرياضة فريدة من نوعها، لأنها تمنحك دوماً فرصة للانتقام، كم أريد أن أنظم حفلة بمناسبة هذا النصر، لكن للأسف لا بد من أن نعود للعمل من الغد".
كانت هذه الكلمات، هي الكلمات التي نطق بها لسان لويس إنريكي بعد مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان التاريخية التي أقيمت على أرضية الكامب نو منذ 7 سنوات، في تلك الليلة سجل برشلونة 6 أهداف كاملة، منها 3 في أقل من عشر دقائق!
وصل لويس إنريكي في تلك الليلة إلى ملعب الكامب نو منذ الصباح، وجلس في ممرات الكامب نو يُفكر في حيلة تمنح فريقه فرصة عظيمة للاحتفال في أمسية، قال الجميع إن الاحتفال فيها سيكون مستحيلاً.
هذا الرجل الإسباني، بطريقة ما، يعرف كيف يزرع في لاعبيه القوة والهيمنة النفسية، حيث كان عادياً أن تقرأ تصريحه قبل لقاء العودة في الكامب نو حينها: "إذا استطاعوا تسجيل 4 أهداف، فيمكننا تسجيل 6".
تصريح يبدو ساذجاً، من مدرب خسر فريقه كل سُبل التأهل، وقبل ليلة واحدة من مباراة إياب، مباراة كانت محسومة، نظرياً وعملياً، حسب اليويفا بنسبة 100%، كانت هذه النسبة هي نسبة الصعود المتوقعة لباريس سان جيرمان على حساب برشلونة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم نفسه.
فلم يسبق لأي فريق، في تاريخ الأدوار الإقصائية من بطولة دوري أبطال أوروبا، أن خسر الذهاب برباعية نظيفة، وتأهل في لقاء الإياب، لكنها حدثت تحت قيادة لويس إنريكي، الذي كان يؤمن بالفوز حتى قبل أن ينطق به!
لكن لويس كان وسيظل ملهماً في العديد من الأشياء، في شغفه لمهنته، في ثقته بأفراده، في التصريحات التي يُدلي بها؛ والأهم كونه برشلونياً لدرجة كبيرة.
لكن، لكل شيء ضريبة..
بعد أن رحل لويس إنريكي عن برشلونة، وأصبح مدربَ منتخب إسبانيا الأول، خلال صباح يوم عادي، تلقى لويس إنريكي رسالة جعلته يركض نحو المنزل، ويترك كل ما يملك في مقر الاتحاد الإسباني لكرة القدم.
تشانا ابنته الصغيرة كانت مريضة، هذه الفتاة الجميلة، التي كانت للتو قد احتفلت بعيد ميلادها التاسع، كانت بمثابة كل شيء بالنسبة لإنريكي، وفاكهة الحياة بالنسبة له، كانت تمثل كل ما هو جميل وطاهر في هذا العالم.
قال خولين ألبيرتو مورينو، إن لويس إنريكي لم يمر بفترة أسوأ من هذه في حياته كلها، الحياة التي لم تكن حياةً قبل مجيء تشانا، والتي لم تعد حياة بعد رحيلها!
لقد رحلت تشانا، في التاسعة من عمرها، متأثرة بمرض السرطان، في صدمة كبيرة بالأوساط الرياضية، التي كانت تعرف بحقيقة ابتعاد لويس إنريكي عن المنتخب، لكنها لم تهتدِ إلى الأسباب وراء ذلك.
ذكرى رحيل تشانا، كانت في يوم 29 أغسطس/آب من عام 2019، بعد خمسة أشهر قضاها لويس إنريكي بجوارها، ولم يكن يظهر إعلامياً، ولم يكن يُفكر في أي شيء غيرها، وتخلى عن منصبه في المنتخب الإسباني.
وتخليه عن المنصب عاد عليه بالضرر، حين عاد إلى قيادة المنتخب، بعد وفاة تشانا، واكتشف أن الجهاز الفني المعاون له، كان ينوي سرقة كل شيء خاص بالأفكار الخاصة به، حيث كان ألبيرتو مورينو يُحاول التملق للوصول إلى كرسي المدرب الأول للمنتخب!
عاد لويس إنريكي من نكسته، وحسرته؛ ليصطدم بحقيقة أن أكثر الناس وثوقاً بهم كانوا يُحاولون خداعه بشتى الطرق، وأصبح في الوقت الراهن يبحث عن فرصة للتعافي من كل ما مر به: وفاة ابنته، وخيانة أصدقائه!
الجميل في لويس إنريكي أنه، ظل كما هو إنساناً شغوفاً، فتجده مدرباً بدرجة مشجع، الاحتفالات نفسها التي يفعلها منذ يومه الأول كمدرب، ربما اختلفت ملامحه كثيراً اليوم، لكنه ما زال لويس، ورغم قصة تشانا ورحيلها فإنه عاد أقوى وأكثر قدرة على المواجهة.
لعل ما كان يغمر قلب إنريكي بالأسى في يومٍ مضى، يصبح اليوم هو نفسه ما يهدي خطاه نحو الغد، ذلك الحب العميق! إذ ما من سهام تقوى على إخضاع روحٍ تنبض بالشغف؛ خصوصاً عندما تتشبث بما تعشقه بكل ما فيها من قوة كالأطفال.
لماذا باريس سان جيرمان تحديداً؟!
تكتسي مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان بنكهة تنافسية فريدة من نوعها، فخلال العقد الأخير، لم يفعل مع برشلونة أي فريق، مثلما فعل معه باريس سان جيرمان بأمواله، رغم تباعد المساحة الجغرافية بينهما، واختلاف المنافسات كذلك.
فحين أراد برشلونة المدافعَ البرازيلي تياغو سيلفا لخلافة كارلوس بويول، جاء باريس سان جيرمان وأغراه بمقابل أفضل، ثم استحوذ على ماركينيوس، المدافع البرازيلي الآخر الذي رغب برشلونة بشدة في ضمه!
كان باريس سان جيرمان يُحاول إثبات قوته الشرائية من خلال التعاقد مع لاعبين لهم اسمهم وثقلهم، ولم يجد أفضل من مناطحة كبار القارة، وبالأخص، فلن نبالغ إذا قلنا إنه عادى نادي برشلونة بصورة واضحة!
فحتى حين أراد برشلونة تدعيم صفوفه، بعد رحيل تشافي هيرنانديز من الفريق، وحاول التفاوض مع ماركو فيراتي، رفض باريس سان جيرمان وأصر على ألا يسمح للإيطالي بالخروج من صفوف الفريق مهما كلفه الأمر.
وأعتقد أن الأمر لم يقف هنا، إذ استمرت إدارة النادي الباريسي في التفكير في حيلة تقضي بها تماماً على برشلونة، فبينما خرج النادي الكاتلوني إلى السوق للبحث عن لاعب وسط، وجد نفسه عائداً إلى منزله فاقداً جناحه البرازيلي نيمار دا سيلفا، في قيمة كسر عقده التي تمثلت في مبلغ 222 مليون يورو!
ظلت إدارة باريس سان جيرمان تُعادي نادي برشلونة لسبب لا يفهمه الجميع، ربما لأن برشلونة نجح في إقصاء الفريق الباريسي في بطولة دوري الأبطال يالعقد الأخير ثلاث مرات: الأولى عام 2013 من ربع النهائي، الثانية خلال عام 2015 في ربع النهائي كذلك، والثالثة في عام 2017 في الريمونتادا التاريخية خلال ثمن النهائي.
حتى دخل العقد الجديد، وسجل مبابي الانتصار التاريخي، الذي بحث عنه باريس سان جيرمان داخل الملعب، بعد أن انتصر كثيراً خارجه، وسجل الهاتريك الشهير في الكامب نو، وكانت هذه المرة هي الأولى التي ينهار فيها برشلونة فنياً أمام باريس سان جيرمان، مثلما حدث له إدارياً من قبل!
مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان.. مواجهة بين الطالب تشافي ومعلمة إنريكي
ستحمل مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان القادمة في دور ربع النهائي ببطولة دوري أبطال أوروبا، طابعاً جديداً عليها، حين سيتقابل تشافي هيرنانديز، مدرب نادي برشلونة وأسطورته، مع لويس إنريكي، مدرب نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، وأحد أساطير برشلونة تاريخياً.
هذه المواجهة ستمنح تشافي فرصة البحث عن إنجاز لم يتحقق من بعد رحيل لويس إنريكي، الذي جلب النجمة الخامسة لبرشلونة في بطولة دوري أبطال أوروبا عام 2015، في فريق تواجد فيه تشافي هيرنانديز كقائد له، وهي بطولة الأبطال الأخيرة التي حققها برشلونة!
لم يكن لويس إنريكي سيُنجز ما حققه، دون مساعدة من تشافي هيرنانديز، اللاعب الذي كان على أعتاب الرحيل بالفعل في الموسم الأول للويس إنريكي، لكن لويس إنريكي طلب منه الاستمرار؛ لأنه يعتقد أن دوره سيكون أكبر من دور القيادة داخل الملعب.
فلقد سيطر تشافي هيرنانديز على غرفة الملابس، في موسم توترت فيه الأجواء كثيراً، للدرجة التي كان فيها ميسي على مقربة من الخروج من برشلونة، واشتد الخلاف فيها بين لويس إنريكي وقامات النادي بسبب سوء التوظيف وكذلك سوء إدارة لويس إنريكي في بادئ الأمر.
بالتدريج، تدخل تشافي هيرنانديز، وحاول تهدئة الأجواء الصاخبة في النادي، واستطاع أن يمنح الفريق مساحة هادئة، أدت في نهاية الموسم إلى التتويج بالثلاثية التاريخية: بطولة دوري أبطال أوروبا، وبطولة الليغا الإسبانية، وكذلك بطولة كأس ملك إسبانيا.
لكن، في مباراة برشلونة وباريس سان جيرمان هذه المرة، الأمر لا يقبل القسمة على الثنائي، لا بالنسبة للفريقين فحسب، فالأمر يمتد ليحتضن قلوبنا كمشجعين أيضاً، حيث نقف على مفترق طرق؛ إما أن نسير خلف لويس إنريكي وفريقه باريس سان جيرمان، أو نتبع خطى برشلونة بقيادة تشافي هيرنانديز، في هذه المواجهة، حيث يلتقي التلميذ بأستاذه، ستكون مباراة تحمل كثيراً من المعاني والمشاعر داخل الملعب وخارجه.
في أروقة برشلونة، لم يظهر من يغرس في الفريق تلك العزيمة الجامحة التي نثرها لويس إنريكي بين اللاعبين في الفريق آنذاك، تلك الروح التي قادتهم نحو العودة الأسطورية في عام 2017. غادر لويس إنريكي، محملاً بأفكاره الثورية، إلى صفوف الخصم الذي عانى من براعته في تلك الليلة المصيرية. الآن، يقف إنريكي على الجانب الآخر، مستعداً لأن يجعل برشلونة يتذوق طعم الأسى الذي زرعه في قلب باريس سان جيرمان سابقاً.
بينما سيتعين على تشافي هيرنانديز، أن يقف في مواجهة الماضي الذي يُحبه، والحاضر الذي يأبى أن يصير كابوساً يطارده إلى غدٍ لا يُريد. يجد نفسه أمام قدر لا مفر منه؛ إذ سيتعين على تشافي هيرنانديز أن يُغادر برشلونة في نهاية الموسم، بالطريقة نفسها التي غادر بها لويس إنريكي.
خبر مفاجئ، وقرار في مؤتمر صحفي، لكن هذه المرة، تشافي هيرنانديز يتمنى أن يخرج بذات الأذنين بين يديه، ويمنح النجمة السادسة لبرشلونة، كما غادر الفريق لاعباً والنجمة الخامسة بين يديه، غادر تشافي هيرنانديز برشلونة كلاعب وهو محمول على الأعناق، في أرض برلين، وخرج من الباب الكبير في ليلة كان فيها الفريق يشكر تشافي، ليس فقط على مسيرته الطويلة مع الفريق؛ وإنما على إنقاذ الموسم الذي بدا مستحيلاً بسياسة لويس إنريكي في بدايته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.