منح الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، يوم الجمعة 8 مارس 2024، موافقته الرسمية للاعب رفيق غيتان لتغيير جنسيته الرياضية من الفرنسية إلى الجزائرية، بحيث سيكون بإمكان مهاجم فريق اشتوريل البرتغالي اللعب مستقبلاً مع المنتخب الأول للجزائر، بعدما سبق له اللعب ضمن مختلف المنتخبات العمرية لفرنسا.
رفيق غيتان لعب مع ديمبلي وتخرج في نفس مدرسة محرز
ولد رفيق غيتان يوم 26 مايو 1999، ببلدة "إيفرو" بشمال فرنسا، من أب جزائري وأم مغربية.
وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم في سن مبكرة جداً، في العام 2005، بحي "لامادلين" الذي نشأ به، وبالضبط بنادي "ألام إيفرو"، رفقة أطفال موهوبين، أصبح البعض منهم نجوماً عالميين، على غرار الدوليين الفرنسيين عثمان ديمبلي، المهاجم السابق لبرشلونة والحالي لباريس سان جيرمان، ودايوت إيباميكانو، مدافع نادي بايرن ميونيخ.
وفي سنة 2009، انضم رفيق غيتان لنادي "إيفرو 27″، الذي بقي رفقته حتى 2013، قبل أن ينتقل إلى مدرسة نادي لوهافر، المعروفة بتكوينها الجيد، والتي تخرج فيها العديد من اللاعبين المشهورين، كالجزائري رياض محرز والفرنسي بول بوغبا.
التحق رفيق غيتان بالمركز التكويني لنادي لوهافر، عندما كان يبلغ من العمر 14عاماً. وقد كان الأمر بمثابة أول تجربة له خارج المحيط العائلي، ولكنه نجح في التأقلم مع محيطه الجديد، خاصة أنّ والده كان يُخفّف عنه "الإحساس بالغربة"، حيث كثيراً ما كان يعيده للمبيت بالمنزل العائلي وإعادته في الصباح إلى مدينة لوهافر، التي تبعد عن مسقط رأسه بحوالي ساعتين بالسيارة.
وبعدما لعب ضمن مختلف فرق الفئات الصغرى لنادي لوهافر، وقَّع الفتى غيتان أول عقد احترافي له، في 21 يوليو 2016، لكنه اكتفى في موسمه الأول (2016-2017) بخوض مباراة واحدة فقط مع الفريق الأول، وكان ذلك في مسابقة كأس فرنسا.
رفيق غيتان تعرض لإصابتين خطيرتين في مستهل شبابه
في الوقت الذي بدأ فيه رفيق غيتان يتأقلم مع المستوى العالي في مواجهة الأندية المحترفة وهو في ذلك العمر الصغير، شاء القدر أن يتعرض لتمزق الرباط الصليبي للركبة اليسرى، يوم 6 يناير/كانون الثاني 2017، وهي الإصابة الخطيرة التي أبعدته عن الميادين لمدة 181 يوماً كاملة، أي إلى نهاية الموسم، وأوقفت بالتالي وثبته الكبيرة نحو الأعلى.
ومن مفارقات الحياة أنّ تلك الإصابة لم يتلقّها مع الفريق الأول، بل مع فريق الشباب لنادي لوهافر. وقد أكد ذلك في حوار له مع موقع "توب ميركاتو" الفرنسي، يوم 5 مارس 2022، حيث كشف أنه كان ينشط مع الفريق الأول، ثم طلبت منه إدارة النادي مساعدة فريق أقل من 19 عاماً بخوض إحدى مباريات كأس فرنسا للشباب، فشارك في حصة تدريبية عشية تلك المباراة، فتعرض خلالها للإصابة.
وقد انتظر غيتان إلى الموسم الموالي، وبالضبط يوم 19 سبتمبر 2017، ليشارك في لقائه الأول في دوري الدرجة الثانية الفرنسية، حيث أسهم في فوز لوهافر على نادي سوشو (1-0).
وواصل تألقه بالمشاركة في 10 مباريات أخرى، سجل خلالها هدفاً واحداً وصنع هدفين آخرين، ما جعل نادي رين الناشط في دوري الدرجة الأولى يتعاقد معه في يناير 2018 لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، مقابل 10 ملايين يورو، ولكن تركه مع لوهافر على سبيل الإعارة إلى صيف السنة ذاتها، وهي المدة التي خاض فيها 7 مباريات رسمية، سجل خلالها هدفاً واحداً.
ومن سوء حظ الشاب غيتان أنّه أمضى موسمه الأول مع رين (2018-2019) في التداوي من إصابة خطيرة جديدة تعرض لها على مستوى نفس الركبة، يوم 13 أكتوبر 2018، خلال وجوده بمعسكر منتخب فرنسا لأقل من 20 عاماً، أبعدته هذه المرة عن المنافسة لمدة أطول، قُدرت بـ260 يوماً.
غيتان أصبح أكثر قوة بعد التعافي من الإصابتين
صحيح أنّ الإصابتين الخطيرتين اللتين تعرّض لهما غيتان في بداية مشواره الاحترافي قد كانتا بمثابة صخرتين كبيرتين في طريقه نحو التألق، لكنهما لم تكبحا جماحه وطموحه الكبير في النجاح الرياضي، إذ وبحسب ما صرح به للموقع الرياضي الفرنسي ذاته، فإنه بعد العودة من الإصابة أصبح أكثر قوة وصلابة من الجانب البدني، ولا يخشى الالتحامات مع المنافسين في ظل ارتفاع معنوياته عندما يسمع البعض يتحدث عنه "آه.. من الصعب جداً العودة بعد تمزق الرباط الصليبي".
بعد تعافيه نهائياً من الإصابة اندمج رفيق غيتان في التدريبات الجماعية لنادي رين في صيف 2019، لكنه وجد صعوبةً كبيرةً في الظَّفر بمكان ضمن التشكيلة الأساسية للفريق، فاكتفى بالمشاركة في 4 مباريات رسمية فقط، في موسم (2019-2020)، لم يسجل ولم يصنع فيها أي هدف، ما جعله يبحث عن فريق آخر يمنح له فرصة اللعب بانتظام، فوجد ضالته في نادي ماريتيمو البرتغالي، الذي انضم إليه في أغسطس 2020 على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ.
غيتان استعاد نشوة اللعب في الدوري البرتغالي
استعاد غيتان نشوة اللعب بانتقاله لنادي ماريتيمو، حيث شارك في 30 مباراة بكل المسابقات المحلية لموسم (2020-2021)، ليعود بعدها إلى رين الذي سرحه يوم 30 أغسطس 2021 لنادي ريمس الفرنسي، والذي قام بدوره بإعارته مُجدداً لماريتيمو ليدافع عن ألوانه في موسم (2021-2022)، فخاض معه 19 مباراة رسمية، سجل خلالها 4 أهداف.
وبعد عودته من الإعارة شارك غيتان في 3 مباريات مع الفريق الأول لريمس، في النصف الأول من موسم (2022-2023)، سجل خلالها هدفاً واحداً، وصنع هدفين اثنين، كما خاض 3 مباريات أخرى مع فريق الرديف، سجل خلالها هدفاً واحداً.
وفي يناير 2023، أعاره ريمس لنادي اشتوريل برايا البرتغالي لمدة 6 أشهر، ثم "باعه" للنادي ذاته، في يوليو/تموز الماضي، بمبلغ 250 ألف يورو فقط.
ويظهر جلياً أنّ اشتوريل قد أحسن الاستثمار في رفيق غيتان، بحيث أصبح المهاجم الجزائري أحد نجوم الدوري البرتغالي في الموسم الجاري (2023-2024)، بتسجيله 5 أهداف، ومنحه 3 تمريرات حاسمة في 24 مباراة، كما أنّ قيمته السوقية ارتفعت إلى 4 ملايين يورو، بحسب موقع "ترانسفير ماركت" المختص، أي أنها تضاعفت 4 مرات عمّا كانت عليه في الصيف الماضي.
ومن المنتظر أن ترتفع القيمة السوقية لغيتان أكثر في المستقبل القريب، بعدما دخل دائرة اهتمامات بعض الأندية الأوروبية الكبيرة، أبرزها بنفيكا البرتغالي.
هل كان اختيار غيتان للجزائر صعباً؟
من المؤكد عزيزي القارئ أنك من خلال مرورك عبر كلمات المقال إلى هذا السطر قد لاحظت أنّ رفيق غيتان كان لاعباً دولياً فرنسياً.
وبالفعل فقد كان أحد اللاعبين الشباب الذين تنبأ لهم العديد من المختصين بمستقبل واعد مع المنتخب الفرنسي الأول، بعدما مرّ عبر مختلف منتخبات الفئات العمرية لفرنسا، أقل من 17 عاماً، وأقل من 18 عاماً، وأقل من 19 عاماً وأقل من 20 عاماً، وشارك فيما مجموعه 33 مباراة رسمية، سجل خلالها 8 أهداف.
ولكن الإصابتين الخطيرتين اللتين تعرض لهما، في مستهل شبابه، تسببتا في تأخر انفجار موهبته الكروية على أعلى مستوى، وتسببتا بالتالي في عدم التفات مسؤولي منتخب فرنسا الأول إليه، ولعل في ذلك خيراً له وللجزائر أيضاً.
لا ندري ما دار بخلد رفيق غيتان في السنوات القليلة الماضية، حول ما إذا كان قد اقتنع بأنه لا يملك مكاناً في منتخب فرنسا، أم أنه نضج بما فيه الكفاية ليدرك أنه من الأفضل بالنسبة له حمل ألوان بلد آبائه بدل بلد مولده ونشأته، ولكن -بحسب قوله- فإنه لم يفكر طويلاً قبل اتخاد قراره الحاسم باختيار اللعب لمنتخب البلد الأصلي لوالده أو لوالدته.
فقرار غيتان اللعب لصالح الجزائر بدل المغرب ليس له علاقة بالجانب الرياضي، فقد كان قراراً عاطفياً، إذ يرتبط رفيق ببلد والده منذ صغره، مثلما صرح بذلك لموقع "لاغازيت دو فينيك" الجزائري، يوم 13 فبراير الماضي، حيث أفصح قائلاً: "كل عائلتي موجودة بالجزائر، فأنا أقضي عدة أشهر كل سنة هناك في فترة العطل. أنا مرتبط جداً بعائلتي بالجزائر، إذ أزورهم كل سنة، فبالنسبة لي لا يوجد أي نقاش، فقد اخترت الجزائر بنسبة 100%".
غيتان ليس الأول.. لاعبون آخرون اختاروا بين الجزائر والمغرب وتونس
هو اختيار القلب إذاً بالنسبة لرفيق غيتان، وهو حر في اختياره، مثلما كان لاعبون آخرون قد سبقوه في الاختيار بين الجزائر والمغرب، على غرار رياض محزر المولود من أب جزائري وأم مغربية، أو إسماعيل بن ناصر الذي فضل منتخب بلد والدته الجزائرية على منتخب والده المغربي، أو المهدي بن عطية الذي خالفهما واختار منتخب والده المغربي بدل منتخب والدته الجزائرية.
ولم يقتصر الاختيار بين منتخبي الجزائر والمغرب فقط، بل أيضاً بين منتخبي الجزائر وتونس، على غرار ما حدث لعائلة تايدر، حيث لعب نبيل بألوان بلد والده تونس، فيما فضل سفير منتخب بلد والدته الجزائر، كما اختار عيسى العيدوني اللعب لمنتخب والدته التونسية بدل منتخب والده الجزائري.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.