حلق شعر العانة من سنن الفطرة، ولا يُترك أكثر من أربعين يوماً، والأصل أن يتولى كل مكلَّف ذلك بنفسه، فتحلق المرأة عانتها بنفسها وكذلك الرجل يحلق عانته بنفسه، إلا من كان عاجزاً عن ذلك لكبر سن، أو مرض، أو امرأة حامل، فيجوز الاستعانة بالغير لضرورة، كالعجز عن الحركة، أو مقطوع اليدين، أو ذهاب العقل، وما يشبه هذه الأعذار التي لا يتمكن منها الرجل والمرأة من حلق شعر العانة بسببها.
قال النَّووي في "المجموع": "ويَحلق عانتَه بنفسه، ويحرُم أن يوليَها غيرَه؛ إلا زوجتَه". ويعلل: "فيه تحريم نظر الرجُل إلى عورة الرجل، والمرأةِ إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عوْرة المرأة، والمرأة إلى عورةِ الرَّجُل حرام بالإجماع، ونبَّه صلَّى الله عليْه وسلَّم بنظَرِ الرَّجُل إلى عورة الرجل على نظرِه إلى عورة المرْأة، وذلك بالتَّحريم أولى".
وقال ابن تيمية: احفظ عورتك إلا عن زوجتك… قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها، قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: فالله أحق أن يستحيى منه، (ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد)، ونهى عن النظر واللمس لعورة النظير.
ولأن السؤال بات يتكرر، أضاف بعض الفقهاء المعاصرين على الجواب ما يلي: "والاستعانة بالغير لحلق شعر عانته يعتبر من المحرَّمات، ومن القبائح، ولا يليق بالمسلمة فعله من غير ضرورة، والخوف من إزالته ليس بعذر، وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم اطلاع المرأة على عورة المرأة، فروى مسلم 338: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، ومن تخالف هذا تقع هي -ومن ساعدتها- في كبيرة من كبائر الذنوب".
فعلة المنع هي "كشف العورة"، فقط "كشف العورة"، ولذلك ركزت الفتاوى على "حرمة كشف العورة"، وبالغت كثيراً وتحوطت، وما سبق هو الفتوى التي ستجدونها لدى عامة المفتين، وهي منشورة على المواقع الموثوقة، وتكون غالباً بتلك الصيغة:
"لا يجوز شرعاً وبإجماع الفقهاء كشف العورة لأجل إزالة الشعر إلا عند العجز، ولا يجوز سواء عند طبيبة متخصصة، أو كوافيرة، أو حتى: أمك، أو أختك أو امرأة قريبة لك، أو صديقتك، وعلى كل امرأة تولي هذا الأمر بنفسها. وإن كانت لا تستطيع إزالته بالحلق أو القص، فلتبحث عن أي وسيلة تمكنها من ذلك بنفسها، سواء كريمات خاصة، أو أي أمور متوفرة وسهلة الاستعمال".
هذا ما يقوله عامة الفقهاء، وبالحقيقة أنا من الذين يعز عليهم جداً جداً كشف العورة، حتى من أجل الولادة! وبالتالي فإن الامتناع عن الكشف لمجرد حلق الشعر عندي أولى، وهذا رأيي.
ولكني ورغم ذلك، أراهم بالغوا بالمنع والتحريم، وبالغوا بالتحوط وبتضييق الضرورات؛ فنحن النساء وللأسف لنا وضع فيسيولوجي خاص، وتركيبة مختلفة وهم يعرفون، ولذلك نراهم يخصصوننا بفتاوى (ثم لا يأخذون اختلافنا بعين الاعتبار بكل الأمور!): فالعورة المغلظة مكان حساس جداً عند البنات، ولا توجد امرأة إلا وتعرضت لحكة والالتهابات على مدار حياتها، لأسباب متعددة طبيعية (ليس فيها تقصير أو إهمال)، فتكشفها للتطبب. والأهم أن العورة المغلظة عندنا هي مكان الولادة، والولادة تتكرر، ويسبقها ويتبعها فحوصات ومشكلات صحية وإدخال أدوات وعمل عمليات، ولذلك يعز علينا ويؤلمنا سماع هذه الفتاوى ونحن نضطر لكشف المنطقة باستمرار، فهذا يجعلنا نشعر بالمذلة والعار، رغم أننا نفعله تحت طائلة القهر والاضطرار، وبسبب الألم والمرض.
وبناء عليه، فإن هذا الأمر المهم "إزالة الشعر بالليزر" لم يأخذ قدراً كافياً من الدراسة عند الفقهاء؛ فماذا عن التجربة الحية العامة النساء؟ وهل تدخل بالضرورات؟
فإني حين كلمت النساء وسمعت منهن، توصلت لشيء آخر؛ فإن المراهم التي تزيل الشعر لا تكاد تصنع شيئاً، والنتف مؤلم جداً، والسنة أصلاً هي حلق الشعر، فما هي عواقب حلق الشعر بشكل شخصي؟ وهل الحاجة للمساعدة بإزالة الشعر ميوعة وتساهل؟ أم ضرورة مقبولة؟
وإليكم الجواب الأولي في هذه النقاط:
1- أثبتت التجربة الحية أنه تحدث جروح بسبب الحلق بالشفرة، خاصة عند المرأة بسبب رقة جلدها فتحدث مهما تحوطت، والطب أثبت هذا:
فهناك فعلاً احتمالية إصابة الجلد بجروح وفقاً لنوع البشرة ومدى حساسيتها، وتظهر المشكلات الجلدية في منطقة العورة لأنها أكثر حساسية؛ حيث تتسم شفرات الحلاقة بسطحها الحاد، والذي يمكن أن يسبب بعض الآثار السيئة في حالة استخدامها بطريقة خاطئة أو الضغط على الجلد أثناء إزالة الشعر، وتزداد فرص ظهور آثار جانبية على الجلد في حالة وجود حبوب أو مشاكل جلدية مختلفة، حيث يمكن أن تُخدش عند إزالة الشعر فتنزف وتتلوث.
والتجربة الحية أثبتت أنه وبعد الحلاقة تصيب كثيرات حكة مزعجة في منطقة العانة، وتشعر المرأة بالحرقة لأيام قليلة بعد إزالة الشعر بالشفرات، وذلك عند ملامستها للماء أو العطور وغيرها من المواد. وقد تظهر حبوب حمراء أو طفح جلدي، يقلق الحركة والمنام. فتحتاج المرأة لمعرفة نوعها، وهل هي فطريات أم جراثيم أم فيروسات… لتعالجها بطريقة صحيحة، وتتخلص من آلامها. فرجعنا لفكرة "الكشف"!
ونشرت الجمعية الطبية الأمريكية (The American Medical Association) مؤخراً تقريراً أظهر أن ربع الأمريكيين على الأقل يلحقون الضرر بأنفسهم أثناء حلاقة وإزالة شعر العانة، خاصة بين فئة الشباب أو الرجال الذين لديهم شعر كثيف، بل إن عدداً كبيراً تم إدخاله إلى المشافي حيث استدعى الضرر الحاصل القيام بعمليات جراحية وتناول المضادات الحيوية!
وخلصت دراسة جديدة من كاليفورنيا إلى أن النساء اللاتي يحلقن شعر العانة بشكل منتظم، لديهن مخاطر أعلى للإصابة بفيروس هربس الأعضاء التناسلية والثآليل التناسلية أو فيروسات الورم الحُلَيمِيّ. وحسب قول طبيب الأمراض الجلدية البروفيسور نوربرت بروكماير: "الفيروسات التي يمكن أن تسبب الثآليل في المنطقة التناسلية تظهر بكثرة وبشكل متكرر".
وهناك ما يسمى (التهاب الأجربة الشعرية) أو (بويصلات الشعر)، وهو التهاب ميكروبي بسبب أنواع من البكتيريا العنقودية الكامنة في تلك المناطق، وعند الحلاقة أو إزالة الشعر بأي وسيلة -بدون أخذ الاحتياطات المناسبة- تدخل هذه البكتيريا في جذور الشعر، وتسبب البثور والدمامل.
وبالتأكيد علاجها يحتاج للكشف، فرجعنا لفكرة كشف العورة! فإما تكشف المرأة "لإزالة الشعر"، وإما "للفحص والعلاج".
وفي بعض الحالات عندما تتكرر تلك الالتهابات مع استعمال الشفرة؛ قد يتحول لون البشرة في تلك المنطقة إلى الغمقان بعض الشيء، وهذا يؤذي بعض الأزواج.
2- وهناك مشكلة تعاني منها كثيرات بعد الحلاقة وهي: نمو الشعر للداخل! فلا يخرج من الجلد؛ ويستمر بالنمو تحته، فيبدو وكأنه وراء زجاج، فلا يمكن لمسه أو إزالته؛ ويُحدث تهيجاً، وحكة فظيعة جداً، ويمكن أن يسبب ذلك بثوراً والتهابات وقيحاً في قنوات الشعر، وهي مزعجة جداً ومؤلمة.
3- أمر آخر لا ينتبه له الرجال، وهو "مكان الشعر في جسم المرأة"، والذي يحتاج للدقة والانتباه، ويجعل من الصعب عليها أن تحلقه بنفسها، فليس سهلاً أبداً استعمال آلة حادة لمنطقة حساسة، وهي لا تكاد ترى المكان ولا تصل إليه، مما يتسبب لها غالباً بجروح مهما حاولت الانتباه (والتي ستلتهب لا محالة؛ لصعوبة العناية بالمنطقة، وكونها تتعرض كثيراً للتلوث والمياه).
4- سرعة ظهور الشعر مرة أخرى: ففي حالة إزالة الشعر بالشفرات، ينمو الشعر بعد مرور يومين إلى ثلاث، مما يعني الحاجة المستمرة لإزالته، على عكس الطرق الأخرى التي تؤخر نموه.
كما أنه حين يظهر يعطي مظهراً غير محبب، ويكون ملمسه حاداً لدرجة أنه قد يخدش جلد اليد، وقد تعلق به الملابس.
ورغم ذلك حلاقة الشعر بواسطة الموس هي الأفضل والأسهل، وهي السنة، ولذا ينصح باحثون مختصون بمراعاة ما يلي:
– استعمال موس أو شفرة جديدة في كل مرة، وتخصص فقط لمنطقة العانة.
– تمرر الموس باتجاه نمو الشعر وليس العكس.
– غسل المنطقة المراد حلقها جيداً بالماء والصابون قبل الحلاقة، ثُم بعد الانتهاء من الحلاقة يعاد غسلها بالماء والصابون أيضاً.
– استعمال جل الحلاقة للحفاظ على الرطوبة مما يسمح للشفرة بالتحرك بسلاسة أكبر. وينبه لعدم إعادة حلاقة نفس البقعة؛ فيحمي الجلد من التهيج.
– تحريك الشفرات بحذر، ولطف.
– يفضل بعد الحلاقة مباشرة -وبعد التنشيف- استعمال طبقة خفيفة من مرهم مضاد حيوي مثل: Fucidin ثلاث مرات يومياً لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام؛ لضمان عدم التلوث.
ويمكن استعمال ماكينة الحلاقة لإزالة الشعر من تلك المناطق، مع الأخذ بالاحتياطات آنفة الذكر. أو الاكتفاء بقصه وتقصيره، أو حتى تركه (فحكم الحلق سنة، ولكن "كشف العورة" ممنوع).
فإن لم تنجح هذه الخطوات الوقائية، ووقع الضرر على المرأة، فلنر لرأي خبراء الصحة:
وهؤلاء يرجحون أن أفضل وأكثر تقنية صحية لإزالة شعر العانة هي عبر استخدام أشعة الليزر، إذا ما تم استخدامه بشكل صحيح، وبدرجة حرارة مناسبة، ومن قبل محترفة، وفي مركز متخصص ومرخص، فلن تكون له أعراض جانبية، وأوضحوا في تقرير أنه من الصعب على المرأة أن تقوم بهذا وحدها بلا خبرة، لأنها قد تتعرض لمجموعة من الإصابات، وأكثرها انتشاراً: تمزق الأنسجة، والحروق، والطفح الجلدي.
وبعد كل هذه المقدمات نأتي للحكم الشرعي لمن تتضرر حقاً، وللرأي الآخر الوسطي والمعتدل:
الأصل عدم كشف المرأة لعورتها، والأصل أن تتدبر كل أمورها بنفسها، ولكن وإذا احتاجت حاجة حقيقية، أو تضررت، فإنه يجوز كشف العورة عند الحاجة (كالتداوي)، ويشترط تأكد الحاجة وقوَّتها، كأن يكون الشعر كثيراً، أو يكون جلدها حساساً، فلا ينفع معه إزالته بالوسائل الأخرى من نتفٍ وحلقٍ، ولا يمكنها إزالته بنفسها بالليزر ولو مع توجيه الطبيبة؛ فيجوز بإذن الله؛ لأن إزالة الشعر المزعج من التداوي.
وممن توسع بالضرورة وقال بالإباحة:
ابن مفلح: "حلق العانة لمن لا يحسن حلقها بنفسه (الفروع 5/153)".
فعد الحنابلةُ حلقَ العانةِ لمن لا يُحسنه ضمنَ الضروراتِ التي تجيزُ النظرَ إلى العورةِ وفي الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف في الفقه الحنبلي: من ابتلى بخدمة مريض أو مريضة في وضوء أو استنجاء أو غيرها فحكمه حكم الطبيب في النظر والمس، نص عليه، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته، نص عليه، وقاله أبو الوفاء، وأبو يعلى الصغير.
الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (4/215): "واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمسِّ هو حيث لا حاجة إليهما، وأما عند الحاجة، فالنظر والمس مباحان لحجامة وعلاج ولو في فَرْجٍ، للحاجة الملجئة إلى ذلك؛ لأن في التحريم حينئذٍ حرجاً"، فجعل الحجامة ضرورة.
وعليه؛ فإذا كان جلد المرأة حساساً ويتضرر من إزالة شعر العانة بالطرق المعتادة، جاز لها استعمال الليزر، فإن أمكنها إزالته لنفسها بتوجيه الطبيبة فبها ونعمت، وإن عجزت على إزالته لنفسها، جاز للطبيبة إزالته لها من باب الضرورة.
وإن كشف العورة لا يجوز، على أنه ليس من كبائر الذنوب، ويجوز بالاتفاق عند الحاجة، ولذلك سمحت دار الإفتاء المصرية به؛ فقال الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
"وعن الحكم في إزالة الشعر بالليزر في المناطق الحساسة، أوضحت دار الإفتاء، أنه لا بأس من إزالة الشعر في المناطق الحساسة بأي طريقة مباحة غير ضارة، حتى إذا كانت الإزالة فيها دائمة؛ أي من خلال استعمال الوسائل الحديثة (الليزر)، لكن بشرط أن يراعى الجنس عند فعل ذلك، فيفعل ذلك الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة".
والخلاصة:
الأفضل والأوجه والأورع، أن تتولى كل امرأة نزع شعر عورتها وحدها، ولكن وفي حال صعب الأمر عليها، أو خافت أن تؤذي نفسها، أو واجهت مشكلة جلدية أو صحية فلا ضرر ولا ضرار، والأولى أن تذهب لمختصة من باب الوقاية، بدل أن تحتاجها فيما بعد لتعالج المنطقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.