بين المساعدات الإنسانية والمتفجرات.. تناقضات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/04 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/04 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

في إطار التطورات السياسية المستمرة في الشرق الأوسط، تبرز تناقضات وتشوهات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه بعض الأزمات الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بالعدوان الهمجي للاحتلال الإسرائيلي على فلسطين.

 تشهد المنطقة جدلاً متناقضاً حينما تُعلن الولايات المتحدة عن تقديم مساعدات إنسانية إلى أهل غزة، ففي قالب الغموض السياسي، يُقدم السياسيون الأمريكيون مساعدات إنسانية كنغمة تُضاف إلى سيمفونية الخير، لكنهم في الوقت ذاته يندمجون في أوتار الصراعات الإقليمية، ويتراقصون على حدود المشاركة العسكرية في مسرح النزاعات.

في هذا السياق، يتسارع الجمال الخيري الإنساني المفخخ ببصمات الشر ليبرز هذا التناقض المعقد، حيث يلتقي النعيم الإنساني بألحان الحروب، مكوناً لحظة ممسوخة تجسد التضاربات والتشوهات في سياسة الدور الأمريكي الاستعماري.

هذا التناقض يجلب إلى الواجهة استفهامات حول توجيه السياسة الأمريكية وتضارب الأهداف بين تقديم المساعدة الإنسانية والمشاركة في الأحداث السياسية والعسكرية. يثير هذا التناقض تساؤلات حول التعقيدات الجيوسياسية والمصالح الوطنية التي تؤثر على اتخاذ القرارات في الساحة الدولية.

فمنذ بداية الحرب على غزة سارعت واشنطن لدعم الاحتلال في عدوانه عكسرياً وسياسياً، حيث أرسلت الولايات المتحدة دعماً عسكرياً جوياً وبحرياً إلى إسرائيل، بل وسارعت بإرسال صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية"، وذخائر موجهة بدقة، وطلقات ذخيرة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ووفقاً لبعض التقارير، تم إرسال شحنات ضخمة من المواد الحربية إلى إسرائيل، وقد بدأت شركة "بوينغ" منذ الأسبوع الأول في الحرب إلى تسريع تسليم آلاف القنابل، والتي كانت جزءاً من عملية بيع تجارية مباشرة في عام 2021.

كل هذا الدعم على مرأى ومسمع العالم، وكأنها تصر على المساهمة في تدمير المساكن والمستشفيات فوق رؤوس أصحابها من الأبرياء المدنيين بشكل واضح للعلن، إضافة إلى رفع الفيتو في وجه كل قرار يخدم غزة وينقذها من الأزمة.

هذا السيناريو يبرز استخدام السياسة الأمريكية لمصطلحات كـ"الإنسانية" كغطاء للمشاركة العسكرية القوية، ما يوضح آلية توجيه القرارات والأهداف الحقيقية لتلك الإجراءات والسياسات المزدوجة لواشنطن.

تناقضات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

فإنزال المساعدات الأمريكية إلى غزة حملة انتخابية للديمقراطيين الذين يبحثون عن هدنة لتمرير الانتخابات وليس وقف إطلاق نار، إضافة إلى امتصاص الغضب الشعبي المتزايد بعد إحراق الطيار الأمريكي نفسه ضد الديمقراطيين، فتضحية طيار أمريكي مرموق مثل آرون بوشنل بنفسه من أجل نصرة القضية الفلسطينية تمثل عملاً فريداً من نوعه ويحمل الكثير من الرمزية والأبعاد الإنسانية والسياسية.

فهذا الفعل الشجاع والمأساوي كان وسيلة للتعبير عن غضبه واحتجاجه على الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. في ظل قوانين ظالمة ليس لها رادع، فالعالم يعلم أن بوشنل طيار أمريكي، يحمل مكانة ووزناً في مجتمعه، ويُعتبر رمزاً للقوات المسلحة. إجراؤه هذا الفعل الرمزي بإشعال النار في نفسه يعبر عن درجة عالية من التضحية والتضامن. يمكن فهم ذلك بأنه تصعيد من قِبل بوشنل للفت الانتباه إلى قضية الفلسطينيين وتأثير السياسات الداعمة لإسرائيل. وهي رسالة قوية حول الظلم والاحتلال الذي يعانيه الشعب الفلسطيني. يمكن أن يكون هذا العمل خطوة جريئة لتحفيز الانتباه الدولي والمطالبة بتغيير في السياسات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

هذا العمل الشجاع أسهم في وضع الإدارة الأمريكية والبنتاغون في موقف محرج، وخصوصاً عندما أُعلنت وفاته، إذ تتابعت الأحداث نتيجة تضحية الطيار. فقد ظهر جنود سابقون في الجيش الأمريكي وهم يحرقون زيهم العسكري الرسمي في مظاهرة احتجاجية بمدينة بورتلاند، تعبيراً عن دعمهم لفلسطين وتضامنهم مع غزة، واحتجاجاً على الحرب الإسرائيلية والدعم العسكري الأمريكي. وإلى جانب هذه الاحتجاجات المستمرة والمتنوعة، التي تمجّد بطولة الطيار الأمريكي وتعده رمزاً بارزاً للكفاح من أجل السلام، تكشف هذه السيناريوهات عن الواقع المزعج لمأزق الإدارة الأمريكية وسياستها التي باتت مرفوضة من قبل شريحة كبيرة من الشعب.

إن هذا النهج السياسي الذي تتبعه الولايات المتحدة يعكس تجاهلاً للإرادة والسياسات العربية، والتي وصلت لمستوى مقلق من التدهور. من الضروري أن تسرع الدول العربية في إعادة تقييم ومراجعة سياساتها الإقليمية، مؤكدةً على الحاجة الماسة إلى تفاعل دولي يتصدى لهذه التناقضات والتصعيدات الخطيرة. فهذا التداخل بين الجوانب الإنسانية والسياسية يبرز الحاجة الملحة للمجتمع الدولي لاكتساب فهم أعمق وأكثر دقة للسياسات الخارجية وطرق التعامل مع الأزمات الإنسانية ضمن سياق أوسع يشمل التحديات السياسية والاستراتيجية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أمال السعودي
صحفية تونسية
تحميل المزيد