لم يكن هانزي فليك لاعباً مهماً بالقدر الذي يحظى به نجوم ألمان أكبر سناً واسماً، لم يكن هانزي فليك من الصفوة في أي شيء تقريباً في الغالبية العظمى من حياته، الاجتماعية منها كما المهنية.
لقد كان هانزي فليك من رجال الخفاء الذين يعملون بلا كلل، ولا يطلبون الأضواء والأضواء لا تطلبهم، لقد كان الرجل في الجانب المُظلم من نجاحات الفرق التي تواجد بين جدرانها.
اعتزل هانزي كرة القدم، وذهب نحو التدريب، حاله حال أغلب من يعيشون في كرة القدم بنجومها عادةً، دُعي هانزي فليك إلى قائمة منتخب ألمانيا في عام 2006، بقيادة المدرب الألماني يورغن كلينسمان.
لكن هانزي لم يكن إلا رجلاً ثانوياً في هذه الحقبة، حيث كان المساعد تحت يد المدرب الألماني، ورغم أن هانزي استمر لثماني سنوات مع منتخب ألمانيا، إلا أنه لم يرتقِ أبداً لقيادة المنتخب الألماني وكان مساعداً حتى بعد رحيل يورجن كلينسمان.
كان فليك من الكتيبة التي حملت لألمانيا نجمتها الرابعة في كأس العالم 2014 في البرازيل، ونجح بالفعل في الظفر باللقب بفضل القرار الذي ظهر فيه، كالعادة في الخفاء؛ حين كان يُملي التعليمات لماريو غوتزة من دكة البدلاء وقبل لحظات من نزوله في تلك المباراة التاريخية أمام الأرجنتين في النهائي.
قرر فليك أن يبتعد قليلاً عن المنتخب الألماني، لكن القيادة الألمانية أبت إلى أن تضعه في مركز يمنحه فرصة الظهور فيما بعد؛ حيث أسدت إليه مهمة المدير الرياضي في الاتحاد الألماني لكرة القدم حتى عام 2017 بعد انتهاء بطولة كأس العالم 2014.
حتى عام 2019، العام الذي قررت إدارة بايرن ميونيخ أن تخوض تجربة فريدة بالنسبة لها، بقيادة فنية للكرواتي نيكو كوفاتش كمدرب للفريق وبجواره، وكما جرت العادة، هانزي فليك، مساعده على دكة بدلاء بايرن.
ينهار بايرن ميونيخ بفعل انهيار النتائج، ويغيب هانزي فليك عن الواجهة ويتم تقديم اللوم كله لصالح نيكو كوفاتش، ثم تتم إقالة كوفاتش، وتُقرر إدارة بايرن ميونيخ أن تمنح فليك فرصة عُمره، وللمرة الأولى يُصبح مدرباً فعلياً.. لم لا؟!
كانت الهزيمة التاريخية لبايرن ميونيخ أمام فرانكفورت بخماسية قاسية تماماً، لكنها لعلها كانت بارقة الأمل لبايرن ميونيخ في ذلك الوقت، وربما كانت لهانزي فليك أيضاً الذي لم يكن يعرف أن هذه النقطة، هذه النقطة تحديداً، ستكون أهم مرحلة في حياته كلها!
سيتولى فليك قيادة بايرن ميونيخ، من فريق تقريباً يقبع في منتصف جدول ترتيب بطولة الدوري، إلى بطل بطولة دوري أبطال أوروبا، وبطل الدوري الألماني وكأس ألمانيا، بطل كأس السوبر الألماني كما الأوروبي بالإضافة لكأس العالم للأندية، ويحصد بذلك الإنجاز الوحيد الذي كان يحتكم عليه نادي برشلونة الإسباني بتحقيق كافة الألقاب الممكنة في نفس السنة كلها!
سيُصبح معه بايرن ميونيخ هو أقوى فريق أوروبي، وسينتصر على تشيلسي بسباعية ذهاباً وإياباً، وسينتصر على برشلونة بثمانية في ربع النهائي، وسيٌقصي ليون الفرنسي ثم باريس سان جيرمان في نصف النهائي ونهائي بطولة دوري الأبطال حينها.
وصل فليك كخيار ثانوي، لكنه رحل عن بايرن ميونيخ بعد تشبث شديد من إدارة النادي التي حاولت البقاء معه لأطول فترة ممكنة رغم خروج النادي من بطولة دوري أبطال أوروبا بعد عام واحد من كل هذه الإنجازات.
هانزي، رجل الظل، لم يعد كذلك بعد الآن، وأصبح مطلوباً في منتخب بلاده، المنتخب الذي لطالما كان فيه الرجل المساعد، يصل إليه ويُصبح المدرب الأول برغبة ألمانية كاملة لذلك، لا اضطراراً إليه.
لكن خطوة ألمانيا كانت مُتسرعة تماماً من فليك، أو ربما لم يُوفق هو لمعرفة كيف يُديرها بالشكل الصحيح؛ ظن فليك أن الأوضاع الألمانية كما كانت في بايرن ميونيخ.
ذهب إلى منتخب ألمانيا، وهو قد غادر بطولة كأس العالم 2018 في روسيا من دور المجموعات، وغادر بطولة يورو 2020 من ربع النهائي.
قدرات فليك لم تتناسب إطلاقاً مع الحالة الألمانية السيئة في كافة النواحي، من شح المواهب إلى الفوضى في إدارة كل شيء في المنتخب، وخيب فليك ظن الجميع فيه عن طريق الخروج من بطولة كأس العالم قطر 2022 من دور المجموعات، للمرة الثانية توالياً من مجموعة حل فيها المنتخب الألماني ثالثاً.
رجل الخفاء، لم يتمكن من البقاء طويلاً في مساحة الأضواء، ورحل فليك من المنتخب الألماني بأسوأ طريقة ممكنة؛ ليُصبح بذلك هو أول مدرب ألماني تتم إقالته من تدريب المنتخب الألماني طوال تاريخ المنتخب!
برشلونة.. قصة مختلفة تماماً
لو بحث نادي برشلونة عن مدرب في الوقت الراهن يتناسب مع وضعية الفريق؛ فلن يجد أفضل من الألماني هانزي فليك.
الذي سيُرضي إدارة النادي وكذلك صحافته؛ رجل يغضب للانتصارات القليلة ويغضب أكثر لأن الفريق لا يلعب بجودة عالية في الملعب، كان بايرن ميونيخ معه وحشاً لا يمكن إيقافه.
بمشاهدة معظم مباريات بايرن ميونيخ والمنتخب الألماني تحت قيادة فليك، ستجد أن فليك يتمتع برغبة شديدة في الاستحواذ على كافة أطوار الملعب واللعب.
يُهاجم تقريباً بنصف فريقه، ومن كافة الطُرق التي تؤدي إلى المرمى، سواء كانت هذه الطُرق من الرواق أو العمق أو حتى بكثافة عددية كبيرة داخل منطقة الجزاء نفسها.
لكن واحدة من أخطر العيوب التي بدت واضحة في جسد الفرق التي دربها؛ هي المخاطر الدفاعية التي يحملها هذا النوع من الهجوم، حيث يذهب فليك بكافة العناصر ويبدو أن دفاعه يعتمد على وحدة الفرق ككل أكثر من قوته كخط منفصل عن الفريق.
بدت هذه المشكلة واضحة بالنسبة للمنتخب في كأس العالم قطر 2022، وبدت أكثر في خروج بايرن ميونيخ من بطولة دوري أبطال أوروبا موسم 20202-2021 على يد نادي باريس سان جيرمان بسبب سرعة كيليان مبابي وقوة نيمار وقتها.
وللمصادفة، أن هانزي فليك نفسه هو من قال هذا المعنى والذي كان واضحاً في أفكاره داخل الملعب: "الدفاع مثل الهجوم؛ على كل عناصر الفريق أن تشترك فيه".
هذه الطريقة، قد تتناسب بكل تأكيد مع فريق يمتلك جوشوا كيميتش في المنتصف، ويمتلك على الرواق كومان وألفونسو ديفيز بالإضافة لجنابري وكذلك بافارد.
ستجد بايرن ميونيخ في بطولة الدوري الألماني، كان قادراً على صناعة ما يزيد عن 60 فرصة محققة للتسجيل لنجمه البولندي روبرت ليفاندوفسكي، الذي حصد جائزة أفضل لاعب في العالم من الفيفا بسبب مستواه الخيالي مع بايرن ميونيخ، لكن، كل هذه الأفكار لا تنطبق أبداً على الجيل الألماني الذي فشل معه هانزي فليك، ولم تُطبق معه أفكاره بدرجة جيدة.
إذن؛ فإن وصول فليك لأي فريق يعتمد على أفكار الرجل نفسه، ثم النظر إلى العناصر التي ستُساعده في تقديم هذه النسخة التي يمكن الرهان عليها أو لا يُمكن!
قد يصل فليك إلى صفوف برشلونة، لكنه سيتسلم فريقاً لم يُقدم ما يلزم رغم جودة ما يملك، حيث يتواجد لديه بيدري؛ وهو لاعب يستطيع السيطرة على خط الوسط والاحتفاظ بالكرة وقيادة الفريق للأمام.
بالإضافة لعناصر دفاعية يُمكن الاعتماد عليهم في مسألة التحولات مثل آراوخو وكوندي، لكن هذا الأمر لن ينطبق بصورة صحيحة على أجنحة الفريق التي يُعاني بها ومعها برشلونة منذ سنوات، والتي لا تستطيع لتقديم ما يلزم دفاعياً مثلما يأمل فليك من أي فريق سيدخله.
قد يصل فليك إلى برشلونة، وقد لا يصل، ويمكن أن تتخلى إدارة النادي عن فكرة التعاقد معه لوساوس في رأسها وتذهب لخيار درامي لجذب الانتباه إليها، وقد تصرف النظر عنه لصعوبة التعاقد معه مادياً، وقد تصرف النظر عنه؛ لأنها لا تُحب مدرباً ألمانياً في قيادة كتالونية.
وإذا وصل، سيصل فليك إلى فريق ينهار أمام غريمه التقليدي في المنافسات المحلية في السنوات الأخيرة، إلا في لقب لبطولة الليغا الإسبانية وكأس سوبر، وهزائم أخرى في بقية البطولات.
سيصل فليك إلى فريق يُجهز غريمه لواحدة من أقوى الصحوات في تاريخ كرة القدم، بتواجد فينيسيوس جونيور وجود بيلينغهام مع اقتراب الدولي الفرنسي كيليان مبابي من صفوف الفريق الملكي.
لن يصل هانزي فليك إلى برشلونة مُصححاً حالة فنية سيئة، بل سيتعين عليه، وعلى غيره، أن يُحاول السيطرة على الحرب النفسية الهائلة التي سيفرضها وصول كيليان مبابي إلى بطولة الليغا، وإلى التفوق الكبير الذي بات يتمتع به ريال مدريد في مباريات الكلاسيكو مؤخراً، كما هو الحال في المنافسات المحلية بشكل كامل.
وصل فليك إلى بايرن ميونيخ بلا ضغوطات، ربما لو فشل فإن الفشل كان الحالة المُسيطرة على الفريق حينها، لكنه وصل إلى المنتخب الألماني بطموحات عالية، بطموحات نجاحه السابق مع بايرن ميونخ، والتأملات الهائلة بطبيب يُعالج الجروح الألمانية العميقة.
لن يكون هانزي فليك محمياً في كتالونيا، بصفته ألمانياً قبل أي اعتبار آخر، وكذلك لن يكون في جانب الراحة أبداً، وستكون تجربة ألمانيا مقياساً دائماً للذاكرة السيئة التي يحظى بها جمهور الكرة بالنسبة لمدرب ألماني لا تستطيع الوقوف عند نقطة اعتبارية للحكم عليه بصدق.
يتحدث اللاعبون الذين دربهم فليك عن حزمه وشخصيته القوية تماماً، لكن أحداً لا يُركز على أن برشلونة يعيش فترة ما بعد ميسي؛ وهي فترة لا يمكن فيها أن يجد برشلونة وصفة سحرية للعودة إلا أمجاده إلا من خلال شخص مُتمرس على مثل هذه الوصفات!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.