في فبراير/شباط الجاري، شهدت باكستان لحظة تاريخية، وهو اليوم الذي تم فيه اختبار الديمقراطية، وسادت إرادة الشعب. رئيس الوزراء السابق عمران خان، رغم وجوده في السجن، خرج منتصراً في الانتخابات العامة في البلاد عن طريق أنصاره من حركة إنصاف، فقد تميزت رحلته من السجن إلى النصر بالمرونة والتصميم والدعم الثابت من قاعدته.
كان عمران خان، الزعيم الكاريزمي لحزب إنصاف الباكستاني (PTI)، على الطرف المتلقي لغضب الدولة الباكستانية على مدى العامين الماضيين. واجهت القيادة العليا لحزبه اعتقالات، وأُجبر البعض على تغيير ولاءاتهم. وبدا أن المجال الانتخابي مصمم لتقليل أي فرص لنجاح خان وداعميه، إذ أدت القيود الصارمة إلى تقليص الحملات الانتخابية التقليدية لحزب إنصاف، وتم حظر رمزها الانتخابي "مضرب الكريكيت" بحجة مخالفته قواعد الانتخابات الداخلية للحزب، ويعني القرار أن خان وحزبه، الذي يمكن القول إنه الأكثر شعبية في البلاد وفقاً لاستطلاعات الرأي، ليس لديهم خيار سوى تقديم مرشحين كمستقلين، ولكل منهم رمزه الخاص. لكن خان وأنصاره رفضوا الخضوع.
استخدام التواصل الاجتماعي
وأجبرت هذه الانتكاسة مرشحي حزب إنصاف على خوض الانتخابات على رموز مختلفة، وهي مهمة صعبة في بلد لا تزال فيه معدلات معرفة القراءة والكتابة منخفضة. تخيل أنك تدير حملة بدون الرمز المميز لحزبك، وهو الرمز الذي لقي صدى لدى ملايين المؤيدين.
في ظل تقييدات ملحوظة على الأساليب التقليدية للحملات الانتخابية، واجه حزب إنصاف عقبات جمّة، إذ تم حظر تنظيم المسيرات ورفع الأعلام الحزبية، مما خلق جواً مشحوناً بالتوتر. على الرغم من هذه القيود، لم يجد أنصار حزب إنصاف أنفسهم في طريق مسدود؛ بل اتجهوا نحو استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والتعبئة الرقمية، مستخدمين الذكاء الاصطناعي وأحدث الأدوات التكنولوجية لتعزيز رسالتهم بقوة، دون أن يثنيهم الخوف أو الترهيب.
هذه الاستراتيجية مثلت تحولاً استراتيجياً هاماً، حيث انتقلت الحملة الانتخابية لحزب إنصاف من الاعتماد على التجمعات الضخمة إلى تكوين حركة شعبية نشطة. المؤيدون، بمختلف فئاتهم من رجال ونساء وأطفال، انخرطوا في حملات توعية من باب إلى باب، موزعين رؤية الحزب ومعتمدين على الإصرار الذي غذته المعاناة التي لحقت بزعيمهم كمحرك أساسي لهم.
مع اقتراب موعد الانتخابات، أصبح التحول الذي أحدثه حزب إنصاف محسوساً بقوة، مما أدى إلى قلق الأحزاب التقليدية التي شعرت بالتهديد بسبب تقدم مرشحي حزب إنصاف بفارق كبير، وهو ما ينذر بإعادة تشكيل الخريطة السياسية التقليدية. لكن هذه المعركة الانتخابية لم تخلُ من تعقيداتها؛ فقد طفت على السطح اتهامات بالتلاعب في الانتخابات، وتأخر إعلان النتائج، حيث اتهم حزب إنصاف الجهات المسؤولة عن الانتخابات بالتدخل في نتائج أكثر من 85 مقعداً، مما أضاف طبقة أخرى من التحديات أمام العملية الديمقراطية.
حيث أقرَّ مسؤول كبير في باكستان بأن الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 8 فبراير 2024 شهدت أعمال تزوير، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تظاهرات واسعة احتجاجاً على ما ورد بشأن تزوير أصوات الناخبين، واتهامات للجهات التي تولت تنظيمها بعدم النزاهة.
احتجاجات
في السادس عشر من فبراير، أقام حزب إنصاف مؤتمراً صحفياً هاماً في إسلام آباد، حيث جذب الانتباه على نطاق واسع داخلياً وخارجياً. هذا الحدث شهد حضوراً مكثفاً من الصحفيين المحليين والدوليين، حيث قدم حزب إنصاف بيانات دامغة. لقد عرضوا 45 وثيقة رسمية موقعة تثبت صحة النتائج الانتخابية، والتي كشفت عن ممارسات تزوير انتخابي شاملة خلال الانتخابات العامة لعام 2024. لدرجة أن رؤوف حسن، سكرتير الإعلام المركزي للحزب، وصف الانتخابات بأنها شهدت "أكبر عملية تزوير للناخبين" في تاريخ باكستان، معلناً أن الحزب كان يتوقع الفوز بـ 179 مقعداً، لكن تم الإعلان عن فوزهم بـ 92 مقعداً فقط، ما يعني أن 87 مقعداً تم سلبها منهم بطرق احتيالية. حزب إنصاف تعهد باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والدستورية لمواجهة هذه الانتهاكات.
وعن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول الأخرى، أعربت عن قلقها العميق تجاه الادعاءات بتزوير الانتخابات في باكستان. الحركة الاحتجاجية التي أطلقها حزب إنصاف لقيت صدى واسعاً وبدأت تكتسب زخماً ملحوظاً. مظاهرات سلمية نظمت في شتى أنحاء البلاد، مطالبة بالعدالة والشفافية. في يومها الأول، واجه قادة وناشطون من حزب إنصاف، بمن فيهم بعض المحامين البارزين، الاعتقال.
عمران خان الغائب الحاضر في الانتخابات الباكستانية
وجد نواز شريف، رئيس الوزراء السابق والشخصية السياسية البارزة التي لطالما هيمنت على السياسة الباكستانية، نفسه في موقف لم يتوقعه خلال الانتخابات العامة لعام 2024. بينما كان يتوقع فوزاً سهلاً، اصطدم بواقع مفاجئ: ازدياد الدعم لحزب عمران خان بشكل ملحوظ.
كانت أسرة شريف تتمتع بنفوذ طويل في الساحة السياسية الباكستانية. كان نواز شريف، السياسي المخضرم، يتنقل في أروقة السلطة ببراعة. لكن رياح التغيير كانت تهب، وهدد زخم حزب إنصاف بتعطيل الوضع الراهن. وكانت آلية حزب شريف واثقة -وربما واثقة جداً- من تأمين المقاعد الرئيسية.
وأصبحت لاهور، قلب البنجاب ومعقل حزب شريف، مركز المعركة الانتخابية. مع ظهور النتائج، كان مرشحو حزب إنصاف يتقدمون بفارق كبير. لكن شريف ظل متفائلاً، مدعياً النصر في لاهور. وهلل أنصاره، متصورين استمرار إرث شريف. لكن كشفت الحصيلة الرسمية عن رواية مختلفة. ولم يكن مرشحو حزب إنصاف في المقدمة فحسب؛ لقد كانوا يفعلون ذلك بشكل مقنع. ومع ذلك، ظهرت تناقضات. كيف يمكن لأكثر من عشرة مرشحين الحصول على صفر أصوات؟ كان الأمر كما لو أنهم لم يصوتوا حتى لأنفسهم. لم تكن الحسابات الانتخابية منطقية، وأثيرت الدهشة.
يواجه نواز شريف الآن واقعاً مقلقاً، في ظل تراجع قبضة حزبة على السلطة، فقد أتى الدعم الاستراتيجي الذي قدمه حزب إنصاف للمرشحين المستقلين بثماره، مما يشكل تحدياً لسيطرة الأسرة الحاكمة على السياسة الباكستانية. ويسارع معسكر شريف حالياً إلى فهم التحول غير المتوقع للأحداث.
حيث ترك فوز عمران خان -الذي تم تأمينه من زنزانة السجن- بصمة لا تمحى على المشهد السياسي الباكستاني. وحصل حزبه على الأغلبية في الانتخابات لكن مزاعم تزوير الأصوات لا تزال قائمة، ويتشبث الحرس القديم بالسلطة.
هذه القصة تؤكد على المرونة وتتجاوز خطوط التحزب السياسي، مؤكدة على قوة الأفراد العاديين، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، والعزيمة الراسخة لزعيم رفض الاستسلام أو الانكسار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.