خلال العقود الماضية كانت مشاركة الشباب في المشهد السياسي محدودة، إلا أن واقعنا السياسي شهد تحولاً جذرياً بفضل تزايد تأثير الأصوات الشابة. هذا التغيير يعكس اتجاهاً متنامياً نحو تمكين الشباب، ما يمنحهم الفرصة للمشاركة بشكل أكثر فاعلية في قضايا الحكم والتعبير عن آرائهم.
التأثير المتزايد للشباب في السياسة يرمز إلى تطور مهم في تجديد الديمقراطية، وتنويع الرؤى والأفكار، وتحقيق التوازن الجيلي، وتفعيل الابتكار، وبناء مجتمع مدني قوي. ومع ذلك يواجه الشباب تحديات كبيرة تعيق مشاركتهم، بما في ذلك نقص الفرص، وقلة الثقة في النظام السياسي، والتحديات التكنولوجية، والعقبات الاقتصادية، والحواجز الثقافية والاجتماعية.
لفهم أهمية تمكين الشباب والتحديات التي يواجهونها، يمكننا النظر إلى أمثلة حية من مجتمعاتنا، حيث لعب الشباب دوراً محورياً في الحركات الاجتماعية والسياسية أثناء الربيع العربي، فعلى سبيل المثال استخدم الشباب وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتنظيم والتعبير عن المطالبة بالديمقراطية والتغيير السياسي. هذا الحدث يبرز كيف يمكن للأصوات الشابة أن تُسهم في إحداث تغيير جذري عندما يتم تمكينها بشكل مناسب.
وللتأكيد على دور الشباب في تشكيل المستقبل وتجديد الأنظمة السياسية والاجتماعية، يمكن الاستعانة بتحليلات ثلاثة من المفكرين البارزين الذين أسهموا برؤى قيمة حول حتمية دور الشباب، فعلى سبيل المثال كارل ماركس، فرانتز فانون، وجون ديوي. هذه التحليلات توفر إطاراً شاملاً لفهم القوة التي يمتلكها الشباب في إحداث التغيير بشكل عام.
فنرى كارل ماركس، في تحليله للنضال الطبقي وديناميات الرأسمالية، يبرز دور الشباب كقوة ثورية يمكنها تحدي الوضع القائم ودفع المجتمع نحو مرحلة جديدة من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي. ماركس يعتبر الشباب عنصراً حيوياً في الصراع من أجل العدالة الاجتماعية، مؤكداً على قدرتهم على تجاوز الأيديولوجيات القديمة وتبني أفكار جديدة تسعى لإعادة تشكيل المجتمع بطرق أكثر عدالة ومساواة.
بينما نجد فرانتز فانون، من خلال تجربته وكتاباته حول النضال ضد الاستعمار، يشدد على الدور الحاسم للشباب في حركات التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار. فانون يرى أن الشباب لديهم الشجاعة والطاقة اللازمة لقيادة الثورات وتحقيق الاستقلال، مؤكداً على أنهم يمتلكون القدرة الفريدة على تصور مستقبل مختلف والعمل بجدية نحو تحقيقه، ما يجعلهم ركيزة أساسية في بناء الدول الجديدة والمجتمعات العادلة.
أما عن الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي جون ديوي، بتركيزه على الفلسفة التربوية والديمقراطية، فيؤكد على أهمية تعليم الشباب بطريقة تعزز من مشاركتهم الفعالة في المجتمع، إذ يرى ديوي التعليم كأداة أساسية لتمكين الشباب، مشيراً إلى أن تطوير التفكير النقدي والمسؤولية الاجتماعية من خلال التعليم يمكن أن يقود إلى تجديد الأنظمة الديمقراطية. بالنسبة لديوي، الشباب هم المفتاح لإحداث تغييرات مستدامة، وبناء مجتمعات تعتمد على المشاركة والتعاون.
عند دمج هذه التحليلات في عصرنا الذي يتسم بقوة التواصل، ربما نحصل على صورة متكاملة للدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب في تشكيل المستقبل. ماركس، وفانون، وديوي يوفرون أساساً نظرياً يُظهر كيف يمكن للشباب، من خلال النضال الطبقي، النضال من أجل التحرر، والتعليم الديمقراطي، أن يكونوا محركات للتغيير الاجتماعي والسياسي. بينما يدفعنا واقعنا وما به من وسائل تواصل أكثر ترابطاً يمكن من خلالها للشباب تحقيق هذا التغيير: من خلال رؤى جديدة، والابتكار، وقوة التواصل والشبكات الاجتماعية. تُظهر هذه الأفكار أن الشباب ليسوا فقط مستقبل المجتمعات، بل هم أيضاً القوة الدافعة وراء تجديدها وإعادة تشكيلها اليوم. فالشباب لديهم القدرة على رؤية العالم من منظورات جديدة، ما يُسهم في الابتكار والتغيير الإيجابي.
التحديات التي يواجهها الشباب
رغم الإمكانات الكبيرة للشباب في إحداث التغيير يواجهون تحديات عديدة، تحدّ من قدرتهم على المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية. هذه التحديات تتراوح بين العوائق المؤسسية مثل نقص الفرص والتمييز، إلى التحديات الثقافية والاجتماعية التي قد تقلل من تقديرهم لقيمة مشاركتهم السياسية.
هذا بجانب فرص السياسة، التي غالباً ما تكون محدودة للشباب، بسبب الهياكل المؤسسية والفساد الذي يفضل الأجيال الأكبر سناً والأكثر خبرة. في الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، يعاني الشباب من صعوبات في الوصول إلى المناصب السياسية بسبب هذه العوائق، ما يقلل من تمثيلهم ويعيق قدرتهم على التأثير في القرارات التي تؤثر على مستقبلهم.
بالإضافة لذلك، الثقة المتدنية في النظام السياسي تجعل الشباب مترددين في المشاركة. يشعرون أحياناً بأن أصواتهم لا تُسمع أو لا تُؤخذ في الاعتبار، ما يؤدي إلى انخفاض مشاركتهم ويزيد من الفجوة بين الأجيال في الحياة السياسية.
ورغم أن التكنولوجيا توفر فرصاً جديدة للمشاركة، فإن التحديات مثل انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة يمكن أن تؤثر سلباً على قدرة الشباب على اتخاذ قرارات مستنيرة. بالإضافة إلى ذلك، تحديات مثل البطالة والفقر تحول دون قدرة الشباب على المشاركة الفعالة، حيث قد يضطرون إلى التركيز على البحث عن العمل وتوفير احتياجاتهم الأساسية على حساب النشاط السياسي.
خطوات نحو تمكين الشباب
لتجاوز هذه التحديات يجب اتخاذ خطوات ملموسة نحو تمكين الشباب في المشهد السياسي. توفير الفرص المتساوية، وتعزيز التواصل والتفاعل بين الشباب وصانعي القرار، وزيادة الوعي السياسي، وتشجيع المشاركة الفعالة، كلها عناصر حاسمة في بناء مستقبل يشارك فيه الشباب بشكل فعال ومؤثر.
إذ يبرز الدور الحاسم الذي يلعبه الشباب في ضمان حيوية واستمرارية المجتمعات. لكي لا تموت المجتمعات وتظل قادرة على التجدد والنمو، من الضروري منح الشباب الفرصة للمشاركة الفعالة والمساهمة في تشكيل المستقبل. والأمر لا يقع على عاتق الشباب وحدهم، بل تتشارك فيه المؤسسات الأخرى والأجيال الأكبر سناً مسؤولية دعم وتمكين الجيل الجديد.
هذا يتطلب من الحكومات والمؤسسات توفير فرص متكافئة تشمل الدعم المادي والتعليمي للشباب الراغبين في المساهمة بالحياة السياسية، بالإضافة إلى تسهيل التدريب اللازم لتعزيز فهمهم للعمليات الحكومية وآليات المشاركة الفعالة. من الأهمية بمكان بناء جسور التواصل الفعّالة بين الشباب والمؤسسات السياسية، وتعزيز الوعي السياسي من خلال التثقيف والتوعية، وتشجيع المشاركة السياسية من خلال مبادرات تحفيزية.
كما يجب على الأجيال الأكبر سناً توفير المساحة والدعم للشباب، ومشاركة خبراتهم وتوجيههم، ولكن مع الحفاظ على احترام استقلالية الشباب وابتكاراتهم، ويجب ألّا ننسى أن تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد يعتبران أساسيين لبناء بيئة سياسية يمكن للشباب أن يثقوا بها ويُسهموا فيها بفاعلية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.