لم يستمر وجود يورغن كلينسمان على رأس الجهاز الفني لمنتخب كوريا الجنوبية سوى عام واحد فقط، وهي ثاني أقصر فترة قضاها المدرب الألماني في الإدارة الفنية للأندية أو المنتخبات التي أشرف عليها خلال مشواره المهني الممتد منذ سنة 2004.
فقد أعلن اتحاد كوريا الجنوبية لكرة القدم، الجمعة 16 فبراير 2024، إقالة يورغن كلينسمان من منصب المدير الفني للمنتخب الأول، وذلك بتوصية من لجنة المنتخب الوطني، التي اجتمعت قبل ذلك التاريخ بيوم واحد، لتحليل مشاركة الفريق في نهائيات كأس آسيا للأمم 2023، التي احتضنتها قطر في مطلع السنة الجارية، ودراسة أسباب الإخفاق في التتويج بلقب هذه المسابقة القارية.
وخلص اجتماع لجنة المنتخب إذاً إلى تحميل مسؤولية الفشل للمدرب الألماني كلينسمان، وبالتالي ضرورة رحيله عن فريق "الشمشون".
إقالة من تدريب منتخب كوريا الجنوبية بسبب "قلة احترم البلد"
وبغض النظر عن الجانب الفني الذي أدى لهذا الإخفاق فقد تمّ اعتبار طريقة عمل كلينسمان غير ملائمة لقيادة المنتخب، حيث صرح رئيس الاتحاد الكوري الجنوبي لكرة القدم، تشونغ مونغ جيو، في مؤتمر صحفي لتبرير الإقالة: "عندما يتعلق الأمر بإخراج أفضل ما في المنتخب الوطني، وتوجيه اللاعبين، وعادات عمله، لم يرقَ كلينسمان إلى مستوى توقعاتنا من مدرب المنتخب الوطني، ولم يُظهر القيادة".
وأضاف: "لقد قررنا أنه من غير المرجح أن يتطور عمل كلينسمان كمدير فني للفريق، بالنظر إلى قدراته وأخلاقيات العمل".
ويُلاحظ من كلام تشونغ عن كلينسمان أنّه استعمل عبارات تحمل الكثير من التلميحات، على غرار " عادات عمله" و"لم يظهر القيادة" و"أخلاقيات العمل".
وهي تلميحات إذاً لنفس الانتقادات التي تعرض لها المدرب الألماني بشكلٍ واسعٍ من طرف الجماهير الرياضية لكوريا الجنوبية، والصحافة المحلية، والنقاد المختصين، وحتى من بعض السياسيين، وتَصُبُّ كلها في استهجان عدم قدرته على فرض الانضباط داخل المجموعة، وتفضيله الإقامة بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر من شبه الجزيرة الكورية، ما اعتُبِر بمثابة قلة احترام لهذا البلد الآسيوي.
ابتسامة في وجه مدرب منتخب الأردن زادت من درجة الغضب
كما رأى المُنتقدون أنّ قلة الاحترام كانت حاضرة أيضاً خلال مباريات المنتخب في نهائيات كأس آسيا لكرة القدم الأخيرة، لما كان كلينسمان يبتسم عندما يمر فريقه بأوقات حرجة، ولعل الابتسامة التي "أفاضت الكأس" هي تلك التي كانت "عريضة"، وكانت في وجه حسين عموتة، المدرب المغربي لمنتخب الأردن، بعد نهاية لقاء نصف النهائي، الذي انهزم فيه المنتخب الكوري الجنوبي على يد فريق "النشامى" بهدفين نظيفين.
وقد برّر كلينسمان، في تصريحات صحفية سابقة، ابتسامته بعد نهاية مواجهة الأردن ومصافحته لمدرب المنتخب المنافس بقوله: "أعتقد أنه من الطبيعي تهنئة الفريق الذي يفوز، فبالنسية لي الأمر عادي، أنا غضبان وحزين، ولكن أعتقد أننا مطالبون بالظهور بتلك الحالة عندما نهنئ منافسينا على الفوز".
واستشاطت الجماهير الكورية الجنوبية غضباً تجاه كلينسمان بعد خروج منتخب بلدها من الدور نصف النهائي للبطولة الآسيوية، المُرفقة بتلك الابتسامة العريضة. وقد بلغت درجة الغضب إلى حد رفع لافتات أمام مقر اتحاد الكرة المحلي بالعاصمة سيول، للمطالبة برحيل المدرب الألماني.
من حق مسؤولي رياضة كرة القدم بكوريا الجنوبية وأنصار المنتخب التعبير عن غضبهم تجاه "تواضع" نتائج الفريق، والفشل في التتويج باللقب الآسيوي، ولكن لا أعتقد أنهم مُحقّون في الانزعاج من ابتسامة كلينسمان، التي تعتبر من اللباقة.
فالرجل معروف بابتسامته منذ أن كان لاعباً محترفاً في الدوريات الأوروبية الكبرى، وقد يكون ورثها من عائلته، التي تمتهن مهنة "الخباز" بألمانيا، والتي اشتغل بها هو أيضاً عندما كان فتى صغيراً، حيث كان يوزع الابتسامات على الزبائن قبل أن يتفرغ لرياضة كرة القدم.
وهنا أستسمحك عزيزي القارئ بالتعريف، ولو باختصار، بالمشوار الرياضي ليورغن كلينسمان كلاعب، ثم كمدرب.
مخبزة العائلة.. مقصد السياح بمدينة شتوتغارت
وُلد يورغن كلينسمان يوم 30 يوليو 1964، بمدينة غوبينغن الصغيرة، التابعة لمقاطعة شتوتغارت الألمانية، حيث كان والده "شيغفريد" يعمل رئيساً للخبازين، قبل أن ينتقل في سنة 1978 إلى مدينة شتوتغارت ويفتح مخبزة خاصة به، ما زالت تُسيّرها العائلة إلى الآن، ويقصدها الكثير من السياح بسبب نجومية اللاعب الدولي السابق.
بدأ يورغن ممارسة رياضة كرة القدم، ضمن نادي غينغن، لما كان يبلغ من العمر 8 سنوات، حيث نشط في عدة مراكز، من بينها حراسة المرمى، قبل أن يبرز كمهاجم موهوب في سن التاسعة، عندما سجل 16 هدفاً في مباراةٍ واحدةٍ.
وانضم الطفل يورغن لنادي غيسليغن في سنة 1974، حيث واصل تكوينه الرياضي حتى العام 1978، تاريخ انتقال العائلة للعيش بمدينة شتوتغارت الكبيرة، حيث التحق بنادي شتوتغارت كيكرز، والذي وقَّع معه عقداً احترافياً في سنة 1981، وهو في الـ17 من عمره، حيث كان يعتبر في ذلك الوقت أصغر لاعب محترف في ألمانيا.
ورغم موهبته الكروية المميزة فإنّ والدَي يورغن كلينسمان أصرّا على مواصلة تكوينه المهني كخباز، الذي أنهاه في سنة 1982، وتفرغ بعد ذلك لممارسة رياضته ومهنته المفضلة، حيث برع لسنوات عديدة كأحد أفضل المهاجمين في العالم.
تألق كمهاجم كبير .. وتُوّج بكأس العالم مع ألمانيا
بعد شتوتغارت كيكزر في دوري الدرجة الثانية الألماني، انضم كلينسمان لنادي "في إي بي شتوتغارت" في دوري الدرجة الأولى، الذي لعب له من 1984 إلى 1989، سجل خلالها 94 هدفاً في 186 مباراة، ما سمح له بكسب ثقة مدرب منتخب ألمانيا في ذلك الوقت، الراحل فرانتز بيكانباور، كما جلب اهتمام نادي إنتر ميلان الإيطالي الذي نشط في صفوفه من 1989 إلى 1992.
وانتقل بعد ذلك كلينسمان لنادي موناكو الفرنسي، ثم نشط في صفوف عدة أندية كبيرة أخرى، وهي توتنهام الإنجليزي، وبايرن ميونيخ الألماني، وسامبدوريا الإيطالي، قبل أن يعود إلى توتنهام في سنة 1998، ويعتزل اللعب في العام ذاته، ضمن هذا النادي اللندني.
وعاد كلينسمان من الاعتزال في سنة 2003 للعب لفترة قصيرة ضمن نادي "أورانج كونتري بلو ستارز" الأمريكي.
وخلال مسيرته الاحترافية مع الأندية تُوّج كلينسمان بلقب كأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم مرتين، الأولى مع إنتر ميلان في سنة 1991، والثانية مع بايرن ميونيخ في العام 1996، الذي نال معه أيضاً لقب الدوري الألماني لموسم (1996-1997).
وكان مشواره مع منتخب ألمانيا مميزاً بشكلٍ لافتٍ، حيث شارك معه في 108 مباريات رسمية، سجل خلالها 47 هدفاً، ونال معه لقب كأس العالم لكرة القدم سنة 1990 ولقب بطولة أمم أوروبا في العام 1996.
مشوار متذبذب في مهنة التدريب
بدأ يورغن كلينسمان مشواره كمدرب، في سنة 2004، من بوابة منتخب ألمانيا، حيث احتل رفقته المركز الثالث في نهائيات مونديال 2006، الذي احتضنته بلاده، ثم غادر منصبه مباشرة بعد نهاية البطولة، وتوقف عن التدريب حتى يناير، عندما تسلم الإدارة الفنية لنادي بايرن ميونيخ، لكن دون أي يحقق أي لقب مع العملاق البافاري، لتتم إقالته يوم 27 أبريل 2009.
وعُيّن كلينسمان يوم 29 يوليو 2011، مدرباً لمنتخب الولايات المتحدة الأمريكية، الذي نجح في تأهيله إلى الدورة النهائية لمونديال 2014، قبل أن يغادره في سنة 2016.
ولم تكن الولايات المتحدة غريبة على يورغن كلينسمان، إذ إنه يقيم بمدينة لوس أنجلوس منذ 1998، رفقة زوجته، عارضة الأزياء الأمريكية السابقة ديبي شين، التي تزوجها في العام 1995، وله منها بنت (ليلى) وولد (جوناثان).
واستغل كلينسمان إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتزال اللعب لتعلم قيادة الطائرات الصغيرة، حتى إنه اشتهر عندما كان مدرباً للمنتخب الأمريكي بتنقله من منزله إلى مكان عمله بواسطة "الهليكوبتر" التي كان يقودها بنفسه. وقد صرح في إحدى المناسبات بأنّ قيادته لهذه الطائرة تعتبر تحقيقاً لحلم طفولته.
وبعد مغادرته الجهاز الفني لمنتخب الولايات المتحدة، بقي كلينسمان بعيداً عن الميادين الكروية حتى تسلّمه الإدارة الفنية لنادي هيرتا برلين الألماني، يوم 27 نوفمبر 2019، لكنه استقال من مصبه بعد شهرين ونصف الشهر فقط، وذلك بسبب توتر علاقته مع مسؤولي الفريق.
وفي يوم 27 فبراير 2023، عيَّنه الاتحاد الكوري الجنوبي لكرة القدم مدرباً للمنتخب الأول، بعقد يمتد حتى سنة 2026، قبل أن يقيله يوم 16 فبراير 2024، أي بعد حوالي سنة واحدة من العمل.
وقد وصف كلينسمان فترة وجوده بالإدارة الفنية لمنتخب كوريا الجنوبية بـ"الرحلة المذهلة"، إذ كتب في منشور له على منصة "إنستغرام"، مباشرة بعد الإعلان عن إقالته: "لقد كانت رحلة مذهلة استمرت طوال الـ12 شهراً الماضية، لم نتلقَّ خلالها أي خسارة على مدار 13 مباراة متتالية، قبل اللعب بالدور نصف النهائي".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.