هل غيّرت أحداث السابع من أكتوبر شيئاً فينا؟ سؤال طرحه مستخدم على منصة إكس (تويتر سابقاً) وحصد ملايين الإعجابات وإعادة النشر وآلاف التعليقات.
طوفان الأقصى الذي حطم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر كان بمثابة إنعاش للقضية الفلسطينية بعد مرحلة الموت السريري وتمرير صفقة القرن وتطبيع أغلب الأنظمة العربية مع الكيان المحتل، إذ أعادت المقاومة طرح القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات، وراحت أبعد من ذلك بتجديد الحلم العربي عند الشعوب العربية بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتمكنت من نقل عدوى هذا الحلم لشعوب الغربية أو أحرار العالم الذين خرجوا في مظاهرات عارمة مساندة للقضية الفلسطينية، وتنديداً بمجازر المحتل في قلب العواصم الغربية التي ساهمت أنظمتها في دعمها اللامتناهي للاحتلال الإسرائيلي.
ازدواجية المعايير وعادة تعريف الإنسان
سؤال أرّقني لأيام رغم وضوحه، ما الذي تغيّر فينا بعد طوفان الأقصى؟ كان صعباً عليّ ولم أجد جواباً له، فمثلاً لو كان السؤال ماذا غيّر السابع من أكتوبر في العالم الغربي، فسأقول إنه وضعهم في مأزق أمام شعوبهم، ومع القانون الدولي الذي تم اغتصابه بقولهم من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بقصف المنازل والكنائس والمستشفيات، ولم يكتفوا بهذا القدر، بل دعموها بالأسلحة المحرمة دولياً لقتل المدنيين الفلسطينيين في غزة واعتبارهم حيوانات بشرية، حتى مؤسساتهم الحقوقية التي كانت تحفظ ماء وجههم سقطت أمام امتحان الأطفال الخدج بعد أن تركهم الصليب الأحمر يموتون وجثثهم تتحلل في الحضانات.
خمسة وسبعون عاماً من الخذلان العربي
وربما إذا سألتني ماذا غيّر السابع من أكتوبر في الأنظمة العربية، فسأجيب بشكل تلقائي لم يغيّر شيئاً لطالما كانت القضية الفلسطينية ضحية النظم العربية طيلة 75 عاماً وبعد 76 عاماً و40 يوماً من الإبادة اجتمعوا ليخرجوا بقرارات مهمة أولها كانت 20 دقوقة (دقيقة) للغذاء، وآخرها دعوة إسرائيل لضبط النفس.
ولم تكتفِ الشقيقات العربية، بهذا بل أغلقت أمنا الكبيرة على غزة المعبر ومنعت دخول أي مساعدات ما عدا الأكفان، وبكل المقاسات في ظل قصف غاشم ومجاعة قاتلة وشح في المياه وبرد قارس، ومن أخطأه القصف الجوي ونجا ولم يقتله أيّ مما سبق واستطاع الوصول لرفح، بغية الخروج للجانب الآخر، قتلته الحاجة لدفع رشوة 10 آلاف دولار أو أكثر، التي يطلبها حراس المعبر الذين يفرضون الرشاوى، أو كما يُسمى بسعر التنسيق للخروج.
مساعدات حثيثة لحفظ ماء الوجه
بعثت الأخت الكبرى حطباً لغزة بدل النفط، فربما نسيت أنها أكبر دولة لاحتياطي النفط عربياً والثانية عالمياً وأخرى بعيدة عن غزة ببضع كيلو مترات تقوم بفيديوهات هوليوودية لإنزالات جوية بوساطة أمريكية بالتنسيق المباشر مع الجانب الإسرائيلي ووفق شروطه، وأخرى غابت عنها الشجاعة التي لطالما تغنّت بها وخافت أن تدعم دعوى جنوب أفريقيا حتى وفلسطين مظلومة.
400 مليون كيفن كارتر.. يشاهدون الإبادة في صمت
ما أشبهنا بكيفن كارتر المصور الجنوب أفريقي خلال تغطيته لمجاعة في جنوب السودان، الذي فضّل السكون أمام مشهد لا إنساني حتى يستطيع تعديل عدسته ليأخذ الإطار الصحيح الذي جعله ينتظر لأكثر من 20 دقيقة، آملاً أن يفرد النسر جناحيه وينقض على فريسته الذي كان طفلاً هزيلاً لم يتجاوز السنوات الخمس ليحصل على صورة أكثر دراماتيكية، ولكن الحيوان كان أرحم منه ولم يفعلها.
وهكذا هو حالنا اليوم، نحن الشعوب، نشاهد صور الأشلاء والدماء، أطفال يجمعون الطحين المرمي على الأرض، وآخرون يقفون في طوابير بحلل فارغة ليحصلوا على حفنة طعام أو قطعة خبز مصنوع من علف البهائم يسد جوعهم، ونسمع صرخات الأطفال وأطرافهم تُبتر بدون تخدير ودموع الأطباء وأوجاع النساء أثناء الدورة الشهرية والولادات القيصرية، ونداءات الشيوخ والعجائز أين الشعوب العربية؟ بينما مسامع العرب وأبصارهم متجهة نحو مباريات كأس أفريقيا وآسيا، يحتفلون بخسارات بعضهم، غاضّين البصر عن كأس الدم التي يتجرّعها الغزاويين كل يوم وكل دقيقة، فهان علينا أهل غزة وسقطنا كما سقط كارتر في بئر سحيق من اللامبالاة نجلس في بيوتنا نمرر الفيديوهات واحداً تلو الآخر، ونتحسر عجزاً غير مدركين أننا جزء من منظومة الخذلان الدولية.
ألا يشبه حالنا حال كيفن؟ ألم يكن مبرره أنه لم يساعد ذلك الطفل لأنه يحترم التعليمات التي كانت قد منعته من الاقتراب من الضحايا؟ أليس هذا ما نبرره لأنفسنا أننا عاجزون وليس بأيدينا شيء لنقدمه لغزة؟ هل صحيح أننا عاجزون، أم أننا لا نريد دفع ثمن عملي لتحركنا؟ ألم يكن هذا الذي خاف منه كارتر ثم دفع ثمن عجزه ولامبالاته بدخوله في دوامة الاكتئاب وعذاب الضمير، ثم انتحاره؟
تُرى ما الثمن الذي سيكون علينا دفعه حتى يسامحنا أهل غزة، ونسامح أنفسنا؟ فقد جاء في الفقه الحنبلي: إذا مات أحدهم جوعاً، فعلى جاره دفع الدية. وأهل غزة ماتوا قصفاً ودهساً وبرداً وجوعاً وحزناً، ربما لا يكفينا أن نموت 20 مرة لنغفر لأنفسنا خذلاننا لهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.