صنع الإيفواري إيمرس فايي مدرب منتخب كوت ديفوار الحدث في الوسط الرياضي العالمي بقيادته منتخب "الفيلة" إلى نهائي مسابقة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم2023، بعدما ورث "فريقاً ميتاً" عند نهاية الدور الأول، ليصبح بذلك أول مدرب في تاريخ المنافسة القارية يتسلم مهامه في منتصف البطولة الأفريقية ويصل إلى الدور النهائي.
فمن يكون إيمرس فايي مدرب منتخب كوت ديفوار الذي أصبح بطلاً قومياً في بلاده؟ والذي تنتظر منه الجماهير الرياضية الإيفوارية تمديد الفرحة بمنحها اللقب، عند مواجهة منتخب نيجيريا يوم الأحد المقبل، بملعب "الحسن وتارا" بمدينة أبيدجان، في نهائي النسخة الـ34 لكأس أمم أفريقيا لكرة القدم التي تحتضنها كوت ديفوار منذ يوم 13 يناير/كانون الثاني الماضي.
ولد إيمرس فايي يوم 24 يناير/كانون الثاني 1984 بمدينة نانت الفرنسية، حيث نشأ بـ"شارع إنجلترا" بحي "مالاكوف" الذي يضم جالية أفريقية كبيرة، ومشهور بكونه خزاناً للمواهب الكروية، على غرار الغينيين عبد الله توري، متوسط ميدان نادي لوهافر الفرنسي ومختار دياكابي، مدافع نادي فالنسيا الإسباني، واللذيْن قادا منتخب بلدهما إلى الدور ربع النهائي لمسابقة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم الحالية.
تُوّج بكأس العالم للناشئين رفقة الجزائريين مغني ويبدة!
وبعد تعلمه أبجديات رياضة كرة القدم بحي "مالكوف"، انضم الطفل فايي للمركز التكويني لنادي نانت، في سنة 1995، أي لما كان يبلغ من العمر 11 عاماً، حيث تدرج ضمن جميع الفئات الصغرى للنادي، وبرز كلاعب متوسط ميدان دفاعي متميز، وأنهى تكوينه بالتتويج بكأس فرنسا للشباب (أقل من 18 عاماً) في سنة 2002.
ولم يمر تألق الفتى إيمرس فايي مع الفئات العمرية لنادي نانت دون أن يلفت انتباه مدربي المنتخبات الفرنسية الشابة، فبلغ رفقة منتخب أقل من 16عاماً نهائي بطولة أوروبا لسنة 2001، ثم تُوّج في السنة ذاتها بكأس العالم لكرة القدم للناشئين (أقل من 17 عاماً)، ضمن تشكيلة ضمت في صفوفها اللاعبين اللذيْن تحولا فيما بعد للنشاط ضمن منتخب الجزائر، وهما مراد مغني وحسان يبدة.
خسر أمام مصر نهائي كأس أفريقيا 2006
وعلى غرار مغني ويبدة، فإنّ إيمرس فايي قرر هو أيضاً تغيير جنسيته الرياضية من الفرنسية إلى جنسية بلده الأصلي، إذ وبعد أشهر قليلة فقط من تتويجه بلقب دورة تولون الدولية رفقة منتخب فرنسا (أقل من 21 عاماً)، في يونيو/حزيران 2004، فإنه اختار تمثيل المنتخب الأول لكوت ديفوار الذي انضم إليه رسمياً في سنة 2005 وشارك معه في نهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم التي جرت في سنة 2006 بمصر، حيث أسهم رفقة دروغبا والشقيقين كولو ويايا توري في بلوغ منتخب "الفيلة" نهائي البطولة الذي خسره أمام نظيره المصري بركلات الترجيح (2-4) بعدما انتهى الوقتان الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي (0-0).
ولعب إيمرس فايي 48 مباراة دولية مع منتخب كوت ديفوار حتى سنة 2012، حيث اعتزل اللعب في سن مبكرة بنصيحة من الأطباء.
مرض الملاريا حرم إيمرس فايي من التألق في الدوري الإنجليزي
وقبل الحديث عن السبب الصحي لهذا الاعتزال، أستسمحك أخي القارئ بالتطرق لمشوار اللاعب مع الأندية، فبعد انتهاء فترة تكوينه بمدرسة نادي نانت، أمضى الشاب إيمرس فايي عقده الاحترافي الأول مع نانت في عام 2003.
وفي يوليو/تموز 2007، انتقل إلى نادي ريدينغ الإنجليزي في صفقة بلغت قيمتها 3.5 مليون يورو، ولكنه اكتفى بخوض 11 مباراة رسمية فقط في موسم (2007- 2008)، وذلك بسبب قوة المنافسة على المراكز الأساسية، إضافة لتعرضه لمرض الملاريا بعد عودته من دولة غانا في شهر فبراير/شباط 2008، حيث شارك مع منتخب بلاده في الدورة النهائية لكأس أمم أفريقيا، فتمت إعارته في الموسم التالي لمدة 6 أشهر لنادي نيس الفرنسي، الذي اشترى فيما بعد عقده في يناير/كانون الثاني 2009، مقابل 2.5 مليون يورو.
اعتزل إيمرس فايي اللعب مبكراً بعد تعرضه لسلسلة من الجلطات الدموية
وبدأت المشاكل الصحية لإيمرس فايي عند انضمامه لنادي نيس، بحيث تعرض 4 مرات، من 2008 إلى 2012 لالتهاب الوريد الخثاري (جلطة دموية) في الساق، ما جعل الأطباء المعالجين ينصحونه بالتوقف عن ممارسة كرة القدم، وهو في سن الـ28.
من المؤكد أنّ التوقف الاضطراري عن ممارسة مهنته ورياضته المفضلة، قد أثر كثيراً على معنويات إيمرس فايي، لكنه تحلى بالشجاعة وقرر النظر نحو المستقبل بطموحات وأهداف جديدة دون مغادرة عالمه المفضل، ونعني به رياضة كرة القدم، إذ فضل التحول لمهنة التدريب، ولم يكن له ذلك دون العودة إلى مقاعد الدراسة، فتحصل في سنة 2015 على شهادة الدولة العليا في الرياضة تخصص كرة القدم.
وبالموازاة مع دراسته المنهجية، فإنه تعلم التدريب تطبيقياً كمساعد ضمن مختلف الأجهزة الفنية لفرق الفئات العمرية الصغرى لنادي نيس من 2012 إلى 2015، قبل أن تكافئه إدارة النادي بتعيينه مدرباً رئيسياً لفريق الناشئين (أقل من 17 عاماً)، ثم مدرباً لفريق الشباب (أقل من 19 عاماً) في موسم 2018-2019.
وفي عام 2021، أصبح إيمرس فايي مدرباً للفريق الرديف لنادي كليرمون فوت الفرنسي، وذلك قبل أن يعينه الاتحاد الإيفواري في مايو 2022، مدرباً لمنتخب الآمال لكوت ديفوار ومساعداً للمدرب الفرنسي جون لويس غاسيه في المنتخب الأول.
تم تكليف الفرنسي غاسيه بمهمة قيادة منتخب كوت ديفوار للتتويج بلقب كأس أفريقيا لكرة القدم خلال الدورة النهائية التي يحتضنها البلد الواقع بغرب القارة السمراء، فكانت البداية جيدة من خلال الفوز على منتخب غينيا بيساو (2-0) في اللقاء الافتتاحي للبطولة، ثم تعرض "الفيلة" للتعثر أمام نيجيريا (0-1)، قبل أن يتلقوا هزيمة نكراء أمام منتخب غينيا الاستوائية (0-4).
وبهذه النتائج أنهى المنتخب الإيفواري الدور الأول لـ"كان 2023″ في المرتبة الثالثة للمجموعة الأولى برصيد 3 نقاط وبفارق أهداف سالب 3، ما كان يعني حينها أنّ الفريق قد بات مُقصىً من المنافسة بشكلٍ شبه رسميٍ، فقرر اتحاد كوت ديفوار لكرة القدم الاستغناء عن خدمات المدرب الفرنسي جون لويس غاسيه، والتفكير في مواطنه هيرفي رونار لرئاسة الجهاز الفني للمنتخب بشكلٍ مؤقتٍ في حال حدوث "المعجزة" وتأهل الفريق إلى الدور الثاني.
ولحدوث تلك المعجزة كان يجب انتظار إجراء مباراة المغرب مع زامبيا لحساب الجولة الثالثة من المجموعة السادسة، وتمني انهزام المنتخب الزامبي الذي كانت تكفيه نتيجة التعادل لكسب تأشيرة التأهل.
تلقى هدية مسمومة في عيد ميلاده الأربعين
وقد جرت تلك المباراة المصيرية بالنسبة لكوت ديفوار يوم 24 يناير/كانون الثاني، وقد قام الاتحاد الإيفواري لكرة القدم، قبل ساعات من بدايتها، وفي خطوة مفاجئة، بتعيين إيمرس فايي مدرباً رئيسياً مؤقتاً للمنتخب الأول خلفاً للفرنسي غاسيه.
ومن غرائب الصدف أنّ ذلك اليوم قد صادف عيد الميلاد الأربعين لإيمرس فايي، ما اعتبره البعض بمثابة "هدية مسمومة" تلقاها النجم السابق لنادي نيس الفرنسي.
وفعلاً حدثت "المعجزة "، وتأهلت كوت ديفوار إلى الدور ثمن النهائي كرابع أفضل منتخب احتل المركز الثالث في المجموعات الست، وذلك بعدما انهزم المرشح لأخذ تلك التأشيرة، منتخب زامبيا، أمام نظيره المغربي (0-1).
تأهل منتخب كوت ديفوار، إذاً، إلى الدور ثمن النهائي، وعمّت فرحة عارمة في مختلف أرجاء البلاد، وفي غمرة تلك الفرحة، تذكر المدرب إيمرس فايي "الهدية المسمومة" وعرف أنه سيجد في طريقه، في المباراة القادمة، حامل اللقب، منتخب السنغال، ولذلك فقد كان لا بد عليه أن يُحوّل تلك الهدية من "مسمومة" إلى "قيّمة"، فكيف ذلك؟
إذا خسر المنتخب الإيفواري أمام نظيره السنغالي، فذلك سيعني فشل إيمرس فايي في أول امتحان له، وانقلاب الجماهير عليه، وبالتالي نهايته كمدرب طموح، ما يعني تأكيد "السم" الذي تلقاه في يوم عيد ميلاده، أما في حال فوزه وتجاوزه عقبة منتخب السنغال، فإنّ ذلك سيعني نجاحه في أول اختبار وبالتالي اكتسابه لثقة الأنصار.
وهذا ما حدث، بحيث انتصر المنتخب الإيفواري على نظيره السنغالي بركلات الترجيح (5-4)، بعدما انتهى الوقتان الرسمي والإضافي بالتعادل (1-1)، ثم واصل مسيرته المظفرة بالفوز على منتخب مالي، في الدور ربع النهائي، بنتيجة 2-1، بعد الوقت الإضافي، ثم تفوق على منتخب الكونغو الديمقراطية في الدور نصف النهائي، بنتيجة هدف لصفر، لتصبح الهدية فعلاً "قيّمة" بالنسبة للمدرب إيمرس فايي.
هذه هي الوصفة السحرية التي استعملها إيمرس فايي مدرب منتخب كوت ديفوار لإعادة إحياء فريقه
وعن الوصفة السحرية التي استخدمها فايي لفك عقدة منتخب بلاده، وبغض النظر عن تغييره لبعض اللاعبين في تشكيلته الأساسية، فهي الحرارة والإرادة الكبيرة والروح الجماعية التي زرعها في الفريق، والتي بدأها في أول حصة تدريبية له كمدير فني، لما قال للاعبين رافعاً من معنوياتهم: "لقد كنا ميّتين بعد الهزيمة أمام غينيا الاستوائية، ثم عدنا للحياة".
كما وجّه رسالة غير مباشرة للاعبيه لما قال في المؤتمر الصحفي قبل مواجهة السنغال: "لقد تأهلنا من الباب الضيق، ونحن مطالبون بإظهار وجه مغاير للشعب الإيفواري".
وفي المؤتمر الصحفي ذاته رد إيمرس فايي على سؤال حول رؤيته للمباراة: "هل سبق لك مشاهدتي لما كنت لاعباً؟"، وذلك في إشارة منه إلى الإرادة والحماس الكبيرين اللذين كان يخوض بهما المباريات، وهما العاملان اللذان زرعهما في لاعبي فريقه باعتراف نجم المنتخب، سيباستيان هالر، مُسجل هدف الفوز أمام الكونغو الديمقراطية، الذي صرح عقب نهاية مباراة الدور نصف النهائي: "الطريق إلى النهائي لم يكن سهلاً، ولكن الإصرار والعزيمة كانا حاضرين".
لقد أصبح إيمرس فايي بطلاً قومياً في كوت ديفوار، وسيبقى كذلك حتى في حال الانهزام في اللقاء النهائي للبطولة الأفريقية أمام نيجيريا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.