في الآونة الأخيرة ظهرت تصريحات خاطفة سريعة عن "الاعتراف بدولة فلسطين"، والبدء في ترتيب أفق سياسي لتعزيز حالة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
إذ يُعتقد أن النزاع الأخير في غزة قد أثر على موقف الإدارة الأمريكية، التي شرعت في النظر في احتمالية الاعتراف بدولة فلسطين كحل لإنهاء الحرب، هذا وفقاً لتقرير نُشر الأسبوع الماضي.
فوفقاَ لما ذكره موقع "أكسيوس"، فقد طلب أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، من الوزارة أن تقوم بمراجعة شاملة وتقديم مجموعة من الخيارات السياسية بخصوص إمكانية الاعتراف الأمريكي والدولي بـ"دولة فلسطين"، وذلك في أعقاب الأحداث الأخيرة في غزة.
هذه التصريحات والأخبار صدرت بعد مرور أكثر من 4 أشهر على العدوان في قطاع غزة، والذي يُعد من أطول الحروب التي شهدها القطاع. إلى الآن، لا يوجد حل واضح أو تراجع من جانب الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لتحقيق أهدافه الرئيسية المتمثلة في إنهاء المقاومة الفلسطينية. كما يخشى الاحتلال من الشمال؛ حيث ربما تشتعل المواجهة مع حزب الله في أي وقت، ما يقضي بتوسع الحرب.
من جهتها، المقاومة الفلسطينية لم تستسلم حتى الآن، متحدية محاولات الاحتلال للقضاء على وجودها في القطاع وتصفية القضية الفلسطينية بأكملها. في هذه المعركة الممتدة التي دخلت مرحلة الاستنزاف، بدأ المجتمع الدولي يبحث عن حلول للمأزق الراهن الذي أصبح عبئاً على الإدارة الأمريكية وحلفائها الاستعماريين القدامى.
لذا، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تفكر في طرق لإنهاء الحرب. الهدن والصفقات المقترحة تُعتبر مجرد استراحة مؤقتة، وعلى الرغم من الخلافات حول تنفيذ هذه الصفقات، فإنه لا بد من إنهاء الحرب في النهاية، حتى لو استمرت لفترة طويلة. لكن ذلك، يتطلب رؤية سياسية بعيدة المدى لإعادة ترتيب الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، كخطوة أولى نحو تشكيل نظام جديد في الشرق الأوسط، وفق منظور أمريكي يتجاهل غالباً حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
تظهر الآن تصريحات متعددة بشأن إمكانية تأسيس دولة فلسطينية، صادرة من عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة. إدارة بايدن التي أعلنت دعمها لتطوير رؤية سياسية مستقبلية تهدف لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
من جهة أخرى، أبرزت المملكة المتحدة ضمن خطتها دعم تأسيس دولة فلسطينية، دون توضيح تفاصيل حول شكل هذه الدولة، أو للتأكيد على وقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
لكن الجدير بالملاحظة أن هذه المواقف تظهر في وقت حرج بالنسبة للولايات المتحدة التي تشهد انشغالاً بالانتخابات الرئاسية؛ إذ يُلاحظ أنه خلال نهاية فترات حكم الديمقراطيين، غالباً ما يُثار الحديث عن تأسيس دولة فلسطينية، كما حدث في عهد أوباما، الذي أعلن عن البدء في الاعتراف بدولة فلسطين من منظور أحادي.
واليوم، تُعيد إدارة بايدن تأكيد هذا الموقف والرؤى المتعلقة باعتراف أحادي بدولة فلسطين دون مشاركة الواقع الإسرائيلي أو التوصل إلى اتفاق نهائي على طاولة المفاوضات.
إن المواقف الدولية بشأن تأسيس دولة فلسطينية تبدو متناقضة، خاصة فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة. رغم إعلان إدارة بايدن عن دعم تطوير رؤية سياسية مستقبلية لحل القضية الفلسطينية وتعزيز تطبيق قرارات الشرعية الدولية، فإن استخدام الولايات المتحدة للفيتو في الأمم المتحدة لمنع قرارات وقف إطلاق النار يشير إلى عدم جدية في دعم تأسيس دولة فلسطينية.
يُنظر إلى هذه التصريحات كمناورات سياسية لدفن حقوق الفلسطينيين بدلاً من دعمها بشكل فعال، ما يعكس تناقضاً بين الخطاب الرسمي والإجراءات العملية.
بينما تُظهر المملكة المتحدة دعماً لتأسيس دولة فلسطينية ضمن خطتها، دون تحديد تفاصيل حول شكل هذه الدولة، تبقى الولايات المتحدة متأرجحة بين الخطابات والأفعال، خصوصاً في أوقات الانتخابات. تاريخياً، أثناء نهاية فترات حكم الديمقراطيين، يُثار حديث عن تأسيس دولة فلسطينية، لكن دون نتائج ملموسة أو شراكة فعالة مع الواقع الإسرائيلي أو التوصل إلى اتفاق نهائي على طاولة المفاوضات. هذا يدل على وجود فجوة بين الأقوال والأفعال، حيث يبدو أن التصريحات الأمريكية لتأسيس دولة فلسطينية ليس إلا خطابات للداخل الأمريكي مربوط بالظروف السياسية الداخلية والمناورات أكثر من كونه نهجاً جاداً لحل القضية الفلسطينية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.