صوّبت الولايات المتحدة سهام الاتهامات نحو النظام الإيراني وحلفائه عقب مقتل ثلاثة من الجنود الأمريكيين بهجوم في المثلث الحدودي بين العراق، وسوريا، والأردن مطلع الأسبوع المنصرم.
ولمّا كان "حزب الله" العراقي هو المخطط والمنفذ للهجوم، تبادرت إلى الأذهان سيناريوهات الردّ الأمريكي على هذه العملية، وما سيؤول إليه مستقبل المنطقة بحكم التغلغل الأمريكي – الإيرانيّ فيها، وأثر أي صراع بين هاتين القوّتين على التاريخ والجغرافيا.
لم يكن الهجوم المذكور هو الأول من نوعه في الأشهر الأخيرة ولن يكون الأخير، كما أنه لا يمكن قراءته خارج سياق المصالح الإيرانية والأمريكية في بلدان المنطقة، لكنّ البعض يرى أن سقوط قتلى قد يُبعثر الأوراق.
الهجوم القاتل.. الأول من نوعه!
لا يخفى على مراقب للعلاقات بين الإدارتين الإيرانية والأمريكية أنّ التوتر المستجدّ يعود إلى هجمات حلفاء إيران على القواعد الأمريكية على هامش حرب غزة، فضلاً عن المناوشات الحوثية – الأمريكية، واللبنانية (حزب الله) – الإسرائيلية.
بيد أنّ التطور الحاصل في الهجوم الأخير هو سقوط قتلى أمريكيين، وهذا تفصيل لا تستطيع واشنطن تجاهله، لأن عدم الردّ يعني ضعفاً أمريكياً وجرأة إيرانية، وتهديداً مستقبلياً لمصالح واشنطن في المنطقة.
وفي حين أعلنت واشنطن أنها ستردّ على إيران، وحددت أهدافاً لم تفصح عنها رسمياً، تتراوح الخيارات بين استهداف حلفاء إيران.. أو استهداف مواقع في عقر الدار الإيرانية! فهل تشعل واشنطن حرباً توازي سقف التهديد؟ لنراجع الوقائع.
تهديد أمريكي للحوثي.. دقيق ومحدد!
تقول مصادر مطّلعة على الهجوم الأمريكي – البريطاني الأول ضدّ جماعة الحوثي، إنّ الولايات المتحدة أبلغت الحوثيين قبيل تنفيذها ضربات جوية على مواقعهم، بما يمنح هؤلاء وقتاً كافياً لإخلائها! وهذا يترجم تنسيقاً عسكرياً مع ذراع حليفة لطهران.
وفي كلّ الضربات التي تلت الضربة الأولى للجماعة، لم تؤثر الضربات على القدرات الحوثية العسكرية، ولم تحقق هدف واشنطن في تأمين ملاحة البحر الأحمر!
وفي الوقت الذي تستمر فيه المناوشات البحرية الحوثية مع المدمّرات الأمريكية في عرض البحر.. لا تزال إدارة الرئيس بايدن "تفكّر" في إعادة الحوثي إلى قوائم "الإرهاب" بعد أن منحته براءة من هذه التهمة عام 2021! وهنا تبدو واشنطن في علاقتها مع حليف طهران اليمني عقلانية إلى أبعد الحدود!
العراق ملعب مشترك بين الجانبين!
لم تكن المصالح الإيرانية – الأمريكي واضحة ومتقاطعة في بلد كما في العراق.. إذ إنّ القوات الأمريكية، وبالتنسيق مع حلفاء لإيران عام 2003، أسقطت النظام العراقي وعلّقت قادته على المشانق، لتسلّم فيما بعد طهران الحكم على طبق من ذهب!
وقد بدا الشارع العربي آنذاك مستاءً من حجم التنسيق الأمريكيّ الإيراني، لأنّ كلاً من هاتين الدولتين تعلن الحرب على الأخرى وتكيل لها الاتهامات بدعم الإرهاب والانقلاب على النظام العالمي.. فكيف يستوي هذا كله مع الشراكة في حكم العراق منذ عقدين؟
وبالعودة إلى تاريخنا الحديث، نترك لحزب الله العراقي أن يتوّج مشهد التنسيق وخفض التصعيد صبيحة اليوم بإعلان تعليق عملياته الهجومية ضدّ القواعد الأمريكية في المنطقة!
طهران تبلغ واشنطن باستهدافها مسبقاً!
ثمّ إذا استذكرنا كلام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن ردّ طهران على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، يمكن عندها أن نستنبط طبيعة الرد الأمريكي المنتظر في قادم الأيام!
عقب اغتيال سليماني صرّح ترامب بأنّه "كان على إيران أن تردّ لحفظ ماء الوجه. لقد أبلغونا أنه سيتم إطلاق 18 صاروخاً على محيط إحدى القواعد الأمريكية".
جنّدت إيران يومذاك إعلامها لتقول إنّ الردّ الإيراني سيكون بداية نهاية أمريكا، وقال بعض قادة المحور الذي تتزعمه طهران إنّ الجنود الأمريكيين سيعودون إلى بلادهم في توابيت، لكنّ ما خلُص إليه المطّلعون أنّ جندياً أمريكياً واحداً لم يُجرح بالردّ الإيراني، بل أصيب بعضهم بارتجاج طفيف!
سوريا ولبنان ضمن خطة التهدئة؟
جاء التسريب الأخير لخبر يحمل نيّة أمريكية مبيّتة للانسحاب من سوريا مؤكداً الكلام عن رغبة واشنطن في إعادة تأهيل النظام السوري، بعد أن انطلق قطار التطبيع العربي مع دمشق تحت الأنظار الأمريكية.
ولا تبدو واشنطن متحمّسة جداً لإسقاط النظام الحاكم في دمشق، الحليف لإيران كما كان الحال دائماً، وإن جاءت التصريحات الأمريكية بعكس ما تشهده التحركات العسكرية الخجولة منذ التدخل الأمريكي في سوريا!
والحديث عن سوريا يجرّ الحديث عن لبنان، وخفض التصعيد في الجولان عقب طوفان الأقصى يرافقه ضغوطات أمريكية جدية على حزب الله في جنوب لبنان، والرسالة الأمريكية مفادها تجنّب الحرب الشاملة بين الحزب وإسرائيل مهما كلّف الأمر!
الصراع الأمريكي الإيراني وضبط الإيقاع..
بناءً على كلّ الوقائع القديمة والمستجدّة، يظهر أنّ المصالح الأمريكية الإيرانية متداخلة ومتشابكة بحكم الوجود العسكري والسياسي لكليهما في البلدان نفسها، وهذه المصالح تشوبها بعض الخلافات، ويتمّ رفع هذه الخلافات إلى شاشات التلفزة والمنابر التي تستقطب الجماهير، لكنّها لا تلبث أن تعود إلى الدبلوماسية والتهدئة.
وهنا لا نقول إنّ السقف الذي يلجم الخلاف الإيراني الأمريكيّ عند خطوط معينة يعني بالضرورة غراماً إيرانياً أمريكياً، ومما لا شكّ فيه أنّ الولايات المتحدة تتحضر للردّ على اغتيال ثلاثة من جنودها ردّاً "يحفظ ماء الوجه" الأمريكي، لكنّ المصالح التي تُضبط القوّتان على أساسها إيقاع خلافاتهما أعمق بكثير من المعارك الكلامية!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.