الإنسان لا يرى ما يفعله من أمور خاطئة إلا عندما يرى نتائجها الخبيثة أمامه، فالإنسان كائن لا يتعلم إلا عندما يستشعر الألم النفسي أو الجسدي، فهو كائن عاطفي، يخاف من تكرار المشاعر السيئة معه، لكن تلك العاطفة تحتاج إلى بعض النضج والعقل، تحتاج لبوصلة؛ كي تعمل كما يمكن، فاستخدام العاطفة بطريقة غير واعية يؤدي لطرق ملتوية، فالإنسان يمكن أن يُجذب إلى ما لا تحمد عقباه، فقط لأن عاطفته هي التي تحكمت به.
فنحن في زمن يستخدم فيه أصحاب الذكاء والدهاء عقولهم لتغيير عقلية الآخرين، وأسهل هذه الطرق أن تتحكم في عواطف من حولك، تغضبهم إذا أردت، تضحكهم حتى البكاء بكل سهولة، تجعلهم يبكون دون مبرر لهذا البكاء، كل هذا لأنك أردت أنت ذلك، أردت أن تثير عواطفهم بطرقك الخاصة، وهذا ما يفعله أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت التطور الطبيعي لبرامج الأخبار والحوار المعتادة التي كانت تشاهد باستمرار على التلفاز، فببعض الفيديوهات ذات الجودة العالية والكلام المرتب يمكن أن تغير فكرتك عن شيء ما بديهي، فبمجرد أن يملي عليك أحدهم آراءه بطريقة ذكية يمكن أن يقلب مبادئك، فاللوم لا يعود إليهم فقط، فاللوم يعود للمتلقي أيضاً، فهو لم يضع حواجز ثقافية أو دينية قبل أن يمرر الأفكار التي من المفترض أنها لا تمرر، فأصحاب السوشيال الميديا يستغلون النقاط النفسية لدى البعض ليضغط على وعيهم ويغيره، فهي لعبة متكررة على مر الأزمنة، ولكن كيفيتها تتطور بين جيل وآخر.
فليست السوشيال ميديا هي من تلعب هذا الدور باحترافية فقط، فهناك طرق أخرى، فعلى سبيل المثال غيَّرت السينما الأمريكية المتمثلة في "هوليوود" أفكار ووعي الكثيرين، حيث خرقت الأفكار التي رغبوا أن تسلخ مبادئ الشعوب المعتاد عليها، لتبدلها بالأفكار الأمريكية، فالأسباب كثيرة لهذا الأمر، فأولاً: تجعل الشعوب ذات ولاءٍ للفكرة الأمريكية، ثانياً: إضعاف الشعوب، حيث تكون تابعة لغيرها، ثالثاً: التخلي عن العادات والتقاليد والمبادئ الدينية المترسخة في تلك الشعوب.
فمعركة الوعي هي المعركة الأصعب على مر التاريخ، المعركة التي يبحث الإنسان فيها عن حقيقته، وعن حقيقة كوكبه وأفكاره، إنها صراع دموي بين الحق والباطل، فالوعي هو العقل، والنفس التي تريد ألا تذل وترتقي، فنحن الأمة العربية والإسلامية يأتينا طوفان الفساد دائماً لتغيير وعينا، فنقاوم، لكن للأسف لم نستطع أن نقاوم طويلاً، فأصبحنا شعوباً رخوة، نستقبل ما يُملى علينا دون تفكر، ونظل في مكاننا نشاهد دون تحرك، أما في الآونة الأخيرة فهناك أشياء كثيرة تغيرت منذ حدوث طوفان آخر، طوفان هزنا من الداخل، طوفان جعلنا نرتقي بعقولنا، جعل نفوسنا تطوف فوق الحق لتقضي على الباطل، هذا هو طوفان الحق، طوفان الأقصى، رغم الدماء التي تسيل في غزة كل يوم، إلا أن هذه الدماء تجعلنا نفيق، نغير نظرتنا لأمور الدنيا، نرى كل الأحزان الحياتية بالنسبة لنا تافهة، فأهل غزة يقاومون؛ كي لا تنتهي هذه القضية هباء، فإن انتهت سننتهي معها نحن العرب والمسلمين؛ لأن الخزي حينها سيلحقنا ولن يتركنا أبداً.
على كل فرد منا أن يسعى لينمي جيلاً واعياً بقضايا الأمة، ليست قضايا القدس وفلسطين فقط، بل كل ما يتعلق بتلك الأمة المكلومة من الشرق إلى الغرب، نريد أن نجعل الأجيال القادمة أجيالاً قوية، لا يخافون ولا يستكينون أبداً، فإن قبلت الأجيال القادمة الهوان كما كانت الأجيال السابقة فلن نتقدم أبداً، وسنظل في دائرة مغلقة، لن نستطيع أن نخرج منها، فرَبّ البيت لديه مسؤولية توعوية تجاه أبنائه، والمعلم في المدرسة أمام تلامذته، وأستاذ الجامعة أمام طلابه، وكل مسؤول عن مسؤولية اجتماعية من المفترض أن يكون لديه هذا الهم، فالتغيير سيأتي من نفوسنا قبل نفوس الآخرين، فيجب أن نكون نحن الشرارة الأولى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.