ساندت ألمانيا الإبادة في غزة رغم أن ألمانيا هي التي قادت الحملة ضد إسرائيل، فقامت بأكبر عملية ابتزاز لها واتهمتها إسرائيل بارتكاب الهولوكوست، والغريب أن ألمانيا شاركت في صدور قرار الجمعية العامة الذي يعتبر 16 يناير من كل عام ذكرى المحرقة حتى لا ينساها العالم. وقد رعت ألمانيا بنفسها حملة الإبادة الإسرائيلية المتعمدة وهي أدرى الدول بحقيقة المشروع الصهيوني الذي يقوم على إبادة الفلسطينيين، كما رصدت تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين التي أعلنت عن الإبادة للفلسطينيين، وصورت وكالة الأنباء الألمانية الجنود الإسرائيليين وهم يحتفلون بإحراق وإهانة جثث الفلسطينيين وسرقة أعضائهم. وتعلم ألمانيا جيداً أنه بعد محرقتها لليهود جاء اليهود إلى فلسطين بموجة جديدة فراراً من الإبادة، كما تعلم ألمانيا جيداً أنها هي المسؤولة عما حدث للفلسطينيين، وكان الأولى أن ينتقم اليهود من الألمان وليس من الفلسطينيين الذين تعاطفوا معهم وأنكروا المحرقة وكانوا في منتهى الكرم مع الناجين من المحرقة.
ولم يتدخل حتى الآن مع إسرائيل سوى ألمانيا، ومعلوم أن نظام التدخل في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يقضي بأن الدولة المتدخلة تقدم طلب التدخل، وتكون للمحكمة سلطة تقديرية في قبول الطلب أو رفضه، ونحن ننصح المحكمة برفض طلب ألمانيا للأسباب الآتية:
أولاً: أن ألمانيا صدرت ضدها أحكام محاكم نورمبرج بالإبادة الجماعية 1946.
ثانياً: أن ألمانيا يجب أن تتهم مع إسرائيل بأعمال الإبادة هذه المرة ضد الفلسطينيين إذا كانت الحكومة ديمقراطية فعلاً، وأن الشعب الألماني لا يقبل سياسات حكومته، فإنه يجب أن يعبر عن رأيه الرافض بتدخل بلاده مع إسرائيل، وأن يسعى بكل الطرق إلى إنقاذ ضحايا الإبادة واحترام اتفاقية الإبادة الجماعية التي وضعت خصيصاً للألمان، وأن المادة 107 من ميثاق الأمم المتحدة لا تزال سارية وتقضي بتضامن أعضاء الأمم المتحدة ضد دول المحور إذا جددت عدوانها، وكانت ألمانيا المحور الأساسي في دول المحور.
ثالثاً: أن ألمانيا بدلاً من المشاركة في أعمال الإبادة الإسرائيلية عليها أن تحقق استقلالها عن واشنطن، بأن واشنطن فرضت احتلالها لألمانيا خوفاً من أن تستقل وتنهض ولا تكرر مرة أخرى عدوانها على أوروبا كلها كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية.
رابعاً: كان ينتظر من ألمانيا أن تكون قدوة في احترام القانون الدولي، لا أن تكون قدوة في ارتكاب الجرائم وانتهاك القانون الدولي، خاصة أن ألمانيا مرشحة لولا الهيمنة الأمريكية لكي تكون دولة عظمى، ولذلك فموقف الحكومة الألمانية المتدخل لصالح إسرائيل وصمة عار في جبين الألمان جميعاً، وكان يمكن للعالم العربي لو كان متماسكاً أن يقطع علاقاته الدبلوماسية مع ألمانيا.
والسؤال الذي يطرح في هذا الشأن هو: لماذا أقدمت ألمانيا على هذا الموقف وهي تعلم كل هذه التفاصيل؟ وتعلم أيضاً أن هذا الموقف سيجدد ما كانت ألمانيا تخشاه من فضائح؟
لدينا عدة تفسيرات لهذا الموقف: الأول: أن الموقف الألماني متأثر بالخضوع للهيمنة الأمريكية التي تعتبر إسرائيل مخلب القط للغرب في المنطقة، خاصة بعد إعلان إسرائيل أنها امتداد للغرب في محاربة روسيا بسبب أوكرانيا.
الثاني: أن ألمانيا تعتقد أن موقفها مكمل للابتزاز الإسرائيلي ضدها بسبب جرائمها ضد اليهود.
الثالث: أن ألمانيا، وهي دولة عنصرية، تبنت المذهب النازي العنصري، وتغلّب العرق الأبيض الإسرائيلي الاستعماري على العرق الفلسطيني الذي تعتقد ألمانيا أنه يستحق الإبادة.
الرابع: أن ألمانيا يبدو أنها أدمنت السلوك المعوج؛ لأن تاريخها الاستعماري بناميبيا وزنجبار والكاميرون والتوجو يشهد بأنها أدمنت الإبادة وأدمنت العنصرية، والموقف الأخير ينسجم مع تاريخها وسجلها وهو خطوة إلى الوراء، وهزيمة كاملة للمشروع الألماني الذي يريد أن يشترك في قيادة العالم.
الخامس: أن هذا الموقف تعبير عن تعذيب الضمير عن إبادة اليهود، ولكن بدلاً من أن تكفر عن ماضيها أضافت جديداً لسجلها، وهو إبادة الشعب الفلسطيني، ثم إنه ما ذنب الفلسطينيين الضحايا في مسألة تعذيب الضمير لدى ألمانيا؟ وكان أولى بألمانيا أن تخصص ولاية من ولاياتها لليهود في إسرائيل، وهذا هو التكفير الحقيقي للجرائم التي ارتكبتها في حق اليهود والفلسطينيين.
ولذلك لابد أن تصر الدول العربية على استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم 7 أكتوبر من كل عام ذكرى للمحرقة الفلسطينية، بحيث يقارن العالم بين المحرقة الألمانية لليهود والمحرقة الألمانية والإسرائيلية للفلسطينيين، وأول ما يلاحظه العالم أن محرقة الفلسطينيين كانت علانية، وأن العالم كله قد وثق هذه الجرائم ولا يمكن إنكارها. أما محرقة الألمان لليهود فمصدرها رواية ضعيفة من جانب اليهود، ومبالغة في أرقام الضحايا، ومع ذلك هيمنت الصهيونية على قرار كل الدول الأوروبية، فأصدرت قوانين لتصديق الرواية الصهيونية وعدم تحديها أو إنكارها، ونحن لا ننكرها وندين المحارق لليهود والفلسطينيين في أي مكان، ويجب على الدول العربية أن تسعى لدى محكمة العدل الدولية وتقدم هذه الأسانيد حتى يرفض طلب ألمانيا بالتدخل لصالح إسرائيل إشفاقاً عليها من الفضيحة، وأن تتقدم إحدى الدول العربية للمحكمة بطلب لرفض ضم ألمانيا إلى إسرائيل في ذات الاتهام، فتكون ألمانيا قد ارتكبت جريمتين للإبادة: الجريمة الأولى ضد اليهود في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، والجريمة الثانية ضد فلسطين، وهي مساندة حملة الإبادة الإسرائيلية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.